الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوباما، يصنع الدمى، يحركها، يعبث بها، ويحرقها

ناجح شاهين

2014 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية




ليس رؤساء الولايات المتحدة في العادة باراك حسين أوباما. غالباً ما يكون الرئيس أبيضاً (أنجلوساكسون) وبروتستنتياً، ومتديناً، وغنياً جداً، ويستحسن أن يكون غبياً. لا ضير في أن نتذكر ممثل هوليود الفاشل رونالد ريغان الذي قال عنه فيدل كاسترو: "إنه لا يعرف في السياسة شيئاً، بل لعله لا يعرف موقع الصين الشعبية." فرد ريغان بالقول البليغ:"ولكن ما علاقة المعرفة بالسياسة برئاسة الولايات المتحدة؟" كان الرجل جاداً، ولعله على حق. عموماً عرف عن ريغان بعد انتخابه أنه كان ينام أثناء لقاءاته مع كبار الزعماء، فقد كان يمل من السياسة وقصصها، ويحب السينما والبترول.
زميل ريغان في الحزب الجمهوري ذاته جورج بوش الابن، كان من الغباء بدرجة أن يتحدث الإنجليزية بمستوى طلاب المدارس الصغار. ولم يكن قادراً بعد تدريبات طويلة على إلقاء الكلمات أو الخطابات التي يتم تدريبه من أجل إطلاقها على مسامع الجمهور، على تجنب الفضائح في النطق وطريقة التعبير التي كانت تؤدي غالباً إلى إفلات الضحكات من جمهور المستمعين.
هناك بالطبع زعماء مختلفون، ومنهم على سبيل المثال جون كنيدي الذي قتل في الستينيات من القرن الماضي، وكذلك جيمي كارتر الذي رعى اتفاقيات كامب ديفد بين مصر و"إسرائيل". لكن هذا الرئيس الأسمر بالذات قد يكون معجزة الطبقة الحاكمة الأمريكية بلا منازع. ألم يحصل على جائزة نوبل للسلام بعد أسبوعين من دخوله البيت الأبيض، ودون أن يفعل شيئاً باستثاء الكلام عن الحب، والسلام، وحقوق الإنسان، والمؤاخاة، بينما سكينه وراء ظهره مشحوذاً وجاهزأ للإجهاز على أية فريسة تبتعد قيد أنملة عن أخواتها؟
باراك حسين أوباما جاء ليواري سوءات النظام الامبريالي الفاشي التي تكشفت إلى حد مريع أيام البلطجة الفجة لراعي البقر الغبي جورج بوش. ولذلك جاء لونه مختلفاً، ودين أهله مختلفاً، كما جاء خلافاً للعادة من المؤسسة الأكاديمية. وأية أكاديمية، هارفارد. فهو خريج حقوق من تلك الجامعة بالذات.
اليوم أوباما يدخل سوريا بعد أن تمنعت عليه بفضل الفيتو الروسي والصيني. لكن اليوم يرحب الروس والصينيون والعراقيون، وربما السوريون بتدخل أمريكا لتحميهم من بطش داعش. ألم توجه الحكومات العراقية واللبنانية وغيرهما نداءات استغاثة للعالم الحر لحمايتها؟ وقد تلكأ زعماء العالم الحر حتى بدا أنهم لا يحبون التدخل في شؤون الغير، ولا دس أنوفهم فيما لا يعنيهم ويعني بلادهم مباشرة. لكن الصحيح أنه كان لا بد من إنضاج الأمور على نار هادئة.
تنظيم الدولة الإسلامية المجاهدة ضد سوريا وإيران وحزب الله أولاً ثم ضد العراق وشمال أفريقيا ثانياً، ولد وترعرع بفضل حلف شمال الأطلسي، ومركزه الجنوبي تركيا على وجه الخصوص. لسنا نخترع قانوناً فيزيائياً أو رياضياً جديداً عندما نقول ذلك، ذلك أن بسطاء الناس يدركون دون حاجة إلى الأدلة أن داعش ما كانت لتصل إلى سوريا أو العراق إلا عبر الأردن أو تركيا. ومن الواضح أن تركيا هي الممر الأساس لعناصر داعش وتمويلها وتدريبها وتزويدها بالعتاد والأسلحة وما يلزم من لوجستيات.
قد لا يكون صحيحاً أن داعش قد هاجمت دولة كردستان (التي تعني في الواقع الجزء العراقي من كردستان لا أكثر، مثلما أصبحت فلسطين تعني الضفة الغربية لا أكثر) ضد الرغبة الأمريكية. ربما أن العكس هو الصحيح، بمعنى أن مهاجمة الدولة الكردية والاستيلاء على عاصمتها إضافة إلى محاولة الاستيلاء على بغداد، وضع حكومتي بغداد وأربيل معاً على قدم المساواة، وسمح بالتنسيق بينهما بوصفهما دولتين شقيقتين في ظل الرعاية الأمريكية لهما معاً. وذلك يعني أن بغداد أقرت للمرة الأولى صراحة بأن كردستان دولة شقيقة مستقلة، وانقطعت عن الخطاب الشكلي الذي كان يصر على التظاهر بوحدة العراق. دولة كردستان بدورها لا تريد أن تزعج الإخوة الأعداء في تركيا، ولا تريد علاقات مع أوجلان أو غيره، هي أيضاً تريد علاقات دافئة مع إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، ولن أستغرب إذا ما صحوت من النوم فوجدتها عضواً في حلف شمال الأطلسي.
أوباما مع الشعوب وحراكها السلمي من أجل نيل حقوقها. وقد رأينا كيف سارع إلى نصرة الشعب السوري، ومن قبله الليبي والتونسي، وهو اليوم ضد إرهاب حزب الله، مثلما هو ضد إرهاب داعش التي ستقلم أظافرها إلى الحد الملائم لتهديد النظام السوري، الذي سيتم استنزافه إلى الأبد، لا ضرر بالطبع من إنشاء جمهوريات سورية هنا وهناك مثلما يحصل مع العراق وليبيا.
لكن هل لاحظ الإخوة العرب كيف أن أوباما يجد خطراً في الحراك السلمي الشعبي على الحكومة الشرعية في صنعاء؟ بالمناسبة قناة الجزيرة –وأظن أن عزمي بشارة يرى رأيها- ترى الرأي نفسه. فانتفاضة مئات الآلاف من اليمنيين هي انتفاضة تتناقض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان. طبعاً ليس هنا من أسرار أو ألغاز. حتى مجلس الأمن الدولي –ربما لأول مرة في تاريخ المنظمة التعسة منذ ولادتها بعد الحرب "العالمية" الثانية) كان منزعجاً على نحو خاص من حراك الجماهير اليمنية المؤذي للشرعية. عن جد شر البلية ما يضحك.
هناك بالطبع مشروع معادي للولايات المتحدة والهيمنة الاستعمارية في هذه المنطقة. ولا بد أن إيران من بين أبرز اللاعبين في هذا المشروع. كما أن حزب الله وسوريا والتنظيمات الشيعية وغير الشيعية الحليفة لإيران تمثل لبنات أساس في هذا المشروع. ولا بد من الانقضاض عليها في كل حالة مهما كان اسمها. ولا يهم أن يكون الحراك شعبياً أو رسمياً أو حراك مليشيات لكي يسانده أو يعاديه أوباما. إذا كان ضمن دمى المشروع الأمريكي فإنه يتلقى المساندة، وإذا كان ضمن مشروع المقاومة بغرض استقلال أرض العرب ووحدتها، فسوف يتعرض للويل والثبور.
لا يهم أن يظن أحدنا بنفسه خيراً لكي يكون في الجهة الآمنة. فالمهم أن نحسن تقدير أفعالنا وما يتولد عنها. أنظروا كيف تتمكن الثورة الإسلامية السورية من الاستيلاء على النقاط الحدودية مع "إسرائيل" بينما الأخيرة تدعم وتساند وتداوي وتبارك، وإن دون ضجيج مرتفع. والآن لنفرض أن الله قد أيد النصرة وداعش ومن يساندهما فسقط نظام دمشق، ماذا يظل للمقاومة الفلسطينية من قبيل حماس والجهاد والشعبية وفتح...الخ؟ إذا كانت قطر أو السعودية جزءاً من المشروع الأمريكي، فإن هذا يجب أن لا يدهش أحداً، باستثناء القرضاوي وبشارة. ولكن أن تكون الجبهة الشعبية مثلاً أو حماس أو الجهاد، مع "الثورة" في سوريا، وفي سياق الدمى التي يحركها أوباما هناك ثم يحرقها إذا سقطت الحاجة لها، فهذه كارثة. لأنها تعني غباء سياسياً منقطع النظير. إن المقاومة الفلسطينية بهذا الشكل تخسر آخر جهة في المنطقة يمكن أن تقدم لها قطعة خبز أو مسدس في سياق دعمها بوصفها مقاومة، وليس دعمها بوصفها موطئ قدم لمشروع قطري يريد أن يناكف السعودية أو يلبس عباءة إقليمية تفيض كثيراً عن حجمه الحقيقي.
في هذه البلاد حروب دمى يوظفها صانع الدمى المبدع وصاحب الكاريزما المميزة، باراك حسين أوباما. ولعل من المفيد أن نوجز: الدمى تقوم بدورها في تقسيم الدولة العربية القطرية وتفتيتها وتحويلها إلى دويلات فاشلة، وبذلك تسهل السيطرة التامة على موارد الطاقة التي تمتاز بها هذه المنطقة. كذلك تسهم في تطويق قوى المقاومة وإنهاكها في حروب لا تفيد إلا إسرائيل وسادتها في الشمال. وما ينغص على المشروع الأمريكي حتى اللحظة هو بقايا قوة وعزيمة وذكاء وجلد لدى معسكر المقاومة. من المؤسف أن يتم ذبحنا في غزة على يد إسرائيل وعملاء أمريكا العرب، بينما بعض القوى التي ُتذبح تضل بوصلتها إلى درجة المحاربة في صفوف فريق الدمى التي يصنعها، ويحركها أوباما، ثم بعد أن يعبث بها ما شاء له خياله المبدع، يقوم فجأة بإحراقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة