الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع الثقافي الانتقالي : أسئلة صريحة لأجوبة مغلقة

فيصل قرقطي

2005 / 8 / 15
الادب والفن


أول ما يسجل على واقعنا الثقافي، الذي نعيش، أنه واقع ثقافي انتقالي، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، من دقة.. وهذا يبدو للنظر من خلال استعراض الواقع المعاش من حولنا،ـ بدءا من البحث عن لقمة العيش ومروراً بالعمل والمؤسسات المجتمعية والرسمية، ووصولا إلى هضاب وتخوم النص الثقافي.
فو تأملنا قليلا في الحدود والعمق المرسومتين للمؤسسات الرسمية مقارنة بمؤسسات دولة مستقلة، أو على طريق الاستقلال فهل الأمر مقنع للرائي؟!
أو تأملنا في المؤسسات الثقافية الرسمية، وغير الرسمية، وما تنتجه أو تخطط له ثقافيا، مقارنة مع ما ينبغي أن يكون للدولة، أو في دولة، على طريق الاستقلال، فهل الأمر مقنع للضمير والوجدان؟!
وكذلك الأمر لو أجلنا بصرنا في المؤسسات الثقافية غير الرسمية بمختلف أنواعها الربحية منها والشعبية، كالمقاهي والأندية، والمراكز والبيوتات الثقافية، وما تنتجه من فعل ثقافي يرتقي في حضوره إلى الملموسية العملية والتأثير الفعال، فهل هذا يرضي طموحنا ويعبر عن واقعنا الثقافي بامتياز لدولة أو في دولة على طريق الاستقلال؟!
ولو دققنا النظر في صفحاتنا الثقافية اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية منها، هل نجد أنها تعبر عن واقع الحال الثقافي الفلسطيني لدولة أو في دولة على طريق الاستقلال؟! سؤال مجروح يتنمق ويتغير حسب مقتضى الحال، ولا يورثنا إلا القليل القليل من الحضور والفاعلية أيضا. وهذا ما ندركه من بسهولة من خلال مستويات التنسيق المعدومة بين هاته المؤسسات فيما بينها من جهة، ومع المثقفين من جهة أخرى.
هذا إضافة إلى أن المنبر الثقافي، رغم هزالته ورثاثته يتطوع لثلة القبض على أغلبية المنابر، وتلوي عنقها عبر أحادية الاجتهاد ومحدودية الاطلاع وابتسار المعرفة فمعظمهم يفصل القص من هنا وهناك ليقدموا إلى هذا الشعب المنكوب وشرائحه المثقفة نصوصا مبتورة عن سياقها، أحياناً، وعن واقعها، غالباً، وعن منابرها ثالثاً دون الرجوع إلى فهم، أو مراعاة على الأقل خصوصية وضعنا الثقافي بحساسيته المفرطة تجاه كافة القضايا الثقافية الصغيرة والكبيرة، على السواء، والتي تمس عصب الحياة اليومية والمصيرية عندنا.. فمن حدود الاشتباك الثقافي مع الآخر إلى حدود الانفضاض السياسي، وصولا إلى المعطيات الجديدة في الثقافة العربية والعالمية، التي قفزت عن أسوار وحدود ونظم وقوانين معرفية، لتصل إلى مفهوم العالم قرية صغيرة، وبالتالي علينا انتهاج ثقافة كونية إنسانية.. وهذه الأخيرة لا تتعارض مع الروح الثقافية والمعرفية على مصاريعها، وبالتالي نيل القدر الأكبر من الحرية الثقافية والسياسية على السواء.
ولا شك أننا نعيش إشكالا جوهريا، لجهة التلقي والاستجابة في الفعل الثقافي.. ولكن هكذا فعل ثقافي ماثل يستتبع بالضرورة هذه الاستجابة العرجاء.. ناهيك عن ما تروج له المؤسسات الأمر الذي يزيد من عرج الاستجابة والتلقي على السواء. وقلنا مرارا وتكراراً أن قارئنا الفلسطيني هو أحوج ما يكون في هذه المرحلة، بالذات إلى "كتاب الجيب" أو "كتاب الشعب" ذاك الذي يتبنى تأسيس الفعل الثقافي الشامل وتقديمه للمجتمع، والفكرة تتمثل ببساطة في اختيار أهم الكتب العربية والعالمية، وأمهات الكتب.. مثلا أعمال شكسبير ورامبو وتشيلي وبيرون وديفروجيه، وأوغستين كونت، وراسل، والتوحيدي، وجان جاك روسو، وميغل ودانتي، والأعمال الفلسفية العالمية الكبرى، وهي منقطعة من أسواقنا المكتبية بشكل كامل، إلى آخر هذه القائمة، والقيام بطباعتها على ورق جرائد ولكن كـ "كتاب" له غلاف ومبوب ومؤطر ومشغول عليه ككتاب فعلاً، ودفعه إلى الأسواق بعشرات الآلاف من النسخ، بحيث لا يتعدى سعر النسخة عدد أصابع اليد الواحدة.. مشروع لا يكون هدفه الربح أو الربح السريع.. مشروع مدعوم من قبل مؤسسة يهمها الثقافة، والوضع الثقافي في الدولة التي تسير على طريق الاستقلال.. هكذا اعتقد، كما فعلت معظم الدول في البدايات الأولى لاستقلالها من مشاريع نستطيع أن نرفع من وتائر الاستجابة والتلقي على السواء. وتصبح فصلية ثقافية مهمة وجادة توزع الآلاف من النسخ بدلا من العشرات.
إذا دامت النظرة إلى الوضع الثقافي على أنه كعكعة يمكن اقتسامها بين مستفيدين، فلن نفلح في تغيير الأمور أو تحريكها إلى الأحسن، ويظل وضعنا على هذه الشاكلة الماثلة، التي في أحسن أحوالها تفرز قراء لا يتواصلون حتى مع الجرائد اليومية أو في أحسن أحوالنا نلجأ إلى وصفة "العطوة" الثقافية للخلافات في الرأي، كما حدث ويحدث إذا ما حاول النقد الجاد أخذ دوره في الحلبة.
أعتقد أن المثقف الفاعل في هذه المرحلة لا بد له أن ينزوي جانبا عن المنابر الرثة الطنانة، التي تمجد النكايات والنكات الثقافية.. ليس إلا، وتنسى أو تتغافل عن كل ما هو مهم وفاعل في ساحاتنا الثقافية، بحيث أن مسلسلا تلفزيونيا يستقطب عشرات الكتبة، وتفرد له مساحات واسعة في المنابر الثقافية، العتيدة على حساب عشرات، بل مئات النصوص الجادة والمهمة للأسماء الكبيرة، بعطائها وثرائها المعرفي والثقافي التاريخي الإبداعي على السواء.
إن ه>ا الارتهان غير المدروس للسليقة في الاجتهاد الثقافي لتحديد آفاق ومضمون المنابر الثقافية عندنا يسهم بشكل فاعل في تحديد النظرة القاصرة وتحجيم الوضع على ما هو عليه، المعرفي الثقافي والإبداعي.. ذاك السؤال الذي يرقى بالذائقة الدماعية على تخوم التفاعل المنتج للثقافة في الثقافة على حد سواء.
فلا يستغرب البعض من وصولنا لحال المقامرة الثقافية، ولكن المستغرب حقا وصولنا إلى المقامرة بالمشروع الثقافي برمته.. صحيح أننا نفتخر بوجود الشاعر الكبير محمود درويش ممثلا شرعيا للثقافة الفلسطينية، وقبلنا الثقافة اليونانية افتخرت بعمالقة الفلسفة والطب والشعر والرواية والمسرح على السواء.
وكذلك الأمة الفرنسية افتخرت برامبو والبريطانية بشكسبير والأسبانية بلوركا وماركيز (الكولومبي )، ولكن الأهم من ذلك أن يتجسد هذا الاحتفال والاحتفاء إلى نشيد يومي يفجر طاقات الابداع من كل حدب وصوب.
ما لم نع إشكاليات وضعنا الثقافي بدءا من هذه المحاور الفرعية الصغيرة سوف تتأخر.. ويتأخر بنا الزمن أبعد من غبار العجلات لنجد أنفسنا نعيش في عصر ظلام دامس فعلا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي