الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة مترهلة لدولة عرقطائفية

علي زغير

2014 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


تشكيل حكومة وحدة وطنية متوازنة , ترشيق وزاري , حكومة تكنوقراط , هي اكثر العبارات تداولآ على الألسنة مع البدء في تشكيل كل حكومة من الحكومات العراقية التي اعقبت سقوط النظام السابق , على المستوى الشعبي والتخصصي تمثل هذة العبارات
مطلباً عملياً وتوصيفاً علمياً للأسس الموضوعية الواجب توفرها في كل تشكيلة وزارية يراد لها ان تجمع بين الحيادية والترشيد والكفاءة ,اما على مستوى الادعاء السياسي فان هذة التوصيفات الثلاثة غالباً ما تتراوح بين موقفين أحدهما حماسي اندفاعي والآخر تمويهي مخاتل , وبالرغم من شرعية المطالبات الشعبية والتخصصية والحماسية ألا ان الموقف المخاتل يبدو هو الاكثر تصالحاً وتوافقاً مع جوهر النموذج المتحكم والمحدد لمجمل مدخلات ومخرجات النظام السياسي في العراق والمتمثل بنموذج الدولة العرقطائفية .
ان كل من يتمعن في الشروط المقدمة من قبل التحالفات الكبرى الثلاثة , يدرك ان هذة الشروط تتمأسس وتعمل بالضد من اطروحة الدولة الوطنية الواحدة , وذلك بالأعتماد على ثلاث رؤى سياسية كردية ,سنية , شيعية , تتباين من حيث غاياتها ووسائلها الجيوسياسية , فبينما يتفانى الكرد وبكل جد لتثبيت دعائم دولة الأمر الواقع , نرى ان السنة يتعلقون وبكل قوة بمقولة الحق التاريخي في حكم العراق , اما الشيعة وذاكرتهم المحفزة بصور المقابر وتجارب التهميش فانهم عاجزون عن تطوير اي بديل تجاوزي آخر غير المنافحة الجماعية عن حق الأغلبية في تولي زمام السلطة , من رحم هذة الموجهات المتنافسة تتوالد زعامات ديماغوجية وتنسج مرويات ادلوجية تنتج بدورها سياسات غائية وتكتيكات آنية لا ترى في كيان الدولة اكثر من فريسة لا وظيفة لها ولا معنى لوجدها ألا بتقاسم اقليمها وتوزيع سلطتها بين سدنة المعابد الطائفية وحراس القلاع الاثنية .
على مثل هذة الأرضية الخلافية والاختلافية تغدو اجتماعات تشكيل الحكومة بين الكتل والتحالفات أقرب الى جولات صراع بين ارادات خارجية منها الى جلسات تفاوضية تدور بين أطراف محلية , حيث تتوالى مشاهد لي الأذرع والضرب تحت الأحزمة وقلب الطاولات التي عادة ما تكون مصحوبة ببيانات وتصريحات اعلامية تعج بسقوف المطالب الشاهقة وشروط القبول الملغمة , كل هذة الطقوس التدافعية تقصد من أجل تعظيم الربح العرقطائفي عبر اتباع تكتيك الأستثمار في أضاعة الزمن الوطني هذا التكتيك الذي غالباً ما يتمخض عن انتاج اتفاقات اللحظات الأخيرة المتبوعة بتشكيل حكومات حافة الهاوية .
في مثل هذة الحالة من غياب الحس القيمي وانتفاء الشعور الأخلاقي بين ممثلي الجماعات المختلفة وبالتزامن مع أولوية التطلعات الخاصة لكل منها تكون عملية تعطيل الدولة وشل قدرتها على المبادرة هي الضامن الوحيد للتخفيف من حدة شكوكها والاطمئنان على سلامة مخططاتها الجنينية , ولضمان تحقيق هذة العطالة الوظيفية يتم ترهيل جسد الدولة وتمديد اوصاله بغية افساح المجال لحلول الأرواح الطائفية والأشباح العرقية فية , وبهذا تتعدد الوزاراة وتتضخم المؤسسات وتتسع التشكيلات وتنفجر الهياكل التنظيمية منتجة بيروقراطوية (1) زبائنية تابعة لقادة الأحزاب وزعماء الكتل بوصفهم أصحاب الفضل وأرباب النعمة الوزارية التي باتت تتقلب فيها .
كيف يمكن والحال هذة ان نرى حكومة رشيقة لا تجسد لها ولا حضور لفاعليتها بغير شيوع الاعتقاد والعمل بمبدأ النصل الليبرالي liberal razor اذ لايتوجب على الدولة ان تضاعف سلطاتها وتشطر هيئاتها الى ابعد مما هو ضروري وبخلاف ذلك وكما هو متحقق في الواقع السياسي العراقي من عقلية قومية انتهازية ونزعة طائفية تكسبية لا وجود لسوى حكومة مترهلة لدولة عرقطائفية عاجزة .
ان أية قراءة متأنية لملابسات ومفارقات تشكيل الحكومة العبادية تكشف وبما لا يقبل الشك "بان المطروح اليوم وبأقصى درجات الجدية التأريخية ليس مجرد أزمة تأليف حكومات وحدة وطنية بل أزمة تكوين الدولة الوطنية ذاتها " (2)لذلك يصبح التعلق بفكرة تشكيل حكومة موحدة قادرة على الاضطلاع بدور المخلص من كل هذا الخراب , ضرباً من الشطح الذي يوفر عبر التشبث بوهم حكومة الوحدة الوطنية تعويضاً نفسياً جمعياً مهمتة التخفيف من مرارة الضياع الحقيقي لوحدة الدولة المتعينة .
(1)البيروقراطوية :هي انحراف البيروقراطية عندما تعود لا تستجيب لرغبات الناس ولا تحفزهم على الأنتاج , حين ذاك لم تعد نواة عقلنة المجتمع , بل تعود رمزاللاعقلانية والتحجر .(مفهوم الدولة /عبدالله العروي /ط8 ) .
(2)الدولة الوطنية العربية /رفعت رستم الضيقة /ط 1 /2013/بيروت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -