الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (الجزء الأول)

هبة عبده حسن

2014 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الأول: نظرة عامة

على طريقة مؤسسات دعم القرار وال "تنك تانكس" وبعد قراءات ومشاهدات للواقع الجيوسياسي في الرقعة الجغرافية الممتدة بين إيران وليبيا عرضاً وسوريا واليمن طولاً نحتَ لنفسي نظرية "النسيج المهترئ" لتساعدني بالأساس على فهم الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط واستشراف مستقبله دون الوقوع بين قوسي المؤامرة والعبثية. هذا طبعاً بافتراض أن الجميع لديه معرفة ولو بسيطة بلعبة الشطرنج باعتبارها لعبة رسم الخطط والاستراتيجيات لحماية "الملك وجنوده وطوابيه ومملكته" من هجوم ملك آخر بهدف كسب اللعبة وحماية الممتلكات.

السبب الثاني الذي دعاني للإتيان بهذا التعبير-المفهوم هو أن "تحديد المفاهيم" و "الاتفاق على المعايير" هما سمتان أصيلتان عظيمتا الأهمية في أبحاث العلوم الاجتماعية والإنسانيات يجب أن تنتقل أهميتهما للحوارات والمناظرات الجادة من أجل ضبط النقاش حول مفاهيم يتم الاتفاق عليها وذلك بالأساس لافتقار مناهج الإنسانيات للحزم والمعيارية البحثية لقوسي الصواب والخطأ الذي تتمتع به العلوم التطبيقية والبحتة كمرجعية علمية، فعلى مستوى النظرية في العلوم اتطبيقية والعلوم البحتة لا يوجد هناك سوى منطلق "إما صواب أو خطأ" والأهم أن النتيجة المتحصل عليها عن طريق التجريب المحكوم بمعاير قاسية تكون إما صواباً أو خطأً ولا طريق ثالث. هناك سبب أخير لنحتي لهذا المفهوم وهو أنه سيكون "عمود الخيمة" في تفسيري للدور السعودي في اللعبة الشرق أوسطية كما أفهمه ما سوف يساعدني في شرح وجهة نظري هذه فيما يخص مصر كرقم أصيل في الصراع الدائر.

تميزت الثمانينيات بفكرتين سياسيتين أتتا ثمارهما في العقود التي تلت: الفكرة الأولى كانت التطبيق على الأرض لنبوءة الرئيس السادات بأن أمريكا لديها 99% من أوراق اللعبة في الشرق الوسط، ونحن نتذكر أن العديد من المحللين السياسيين والكتاب تذكروا بأسى الرئيس السادات وعبارته الشهيرة لحظة انهيار جدار برلين كرمز لاندحار الاتحاد السوفيتي وتدشين عالم جديد أحادي القطب لعبت فيه الولايات المتحدة دور الشرطي المؤدب (بكسر الدال) على طول الخريطة وعرضها... والفكرة الثانية تدور حول نبوءة الأستاذ محمد حسنين هيكل بأن عقد التسعينيات هو عقد سعودي بامتياز وما تلا ذلك من استقبال المملكة لقوات عاصفة الصحراء (1991) وما تبعه من حرب دمرت العراق ككيان واحد كما عرفناه (وصولاً للكيانات الثلاث التي تتشكل أمام أعيننا) ، وكذا دور السعودية في لبنان وفي رعاية مبادرات السلام العربية الإسرائيلية ما بعد كامب ديفيد.

المعتقدون بنظرية المؤامرة (وخاصة عند قراءة هذا السرد الجيوسياسي) ليسوا على خطأ تماماً إذا تم النظر لمفهوم المؤامرة كمسعى لحماية المصالح الاستراتيجية للاعبين الكبار و-أو الأطراف ذات العلاقة. المؤامرة بمعناها الأدبي تعني توفير العناصر والأدوات وآليات التنفيذ وتجميعها وتوظيفها بهدف الحصول على فائدة أو منع ضرر، ينطبق هذا على الأدب كما ينطبق على الحياة وكذا السياسة... وهذا هو الإطار والمفهوم الذي سأستخدمه حال الحديث عن المؤامرة في الأجزاء التالية من هذا الموضوع. فالغرض من المؤامرة في تقديري إذن ليس "إيذاء" هذا الطرف أو ذاك بل تعظيم "الاستفادة" من أوضاع بعينها و-أو "درء" أخطار بعينها.

والآن لنطبق صحة هذه الفرضية (المؤامرة بمعناها المقبول) على المساحة الجيوسياسية محل النظر وخاصة مع وجود إسرائيل في القلب منها (ورجاءً تذكروا أن الاهتمام الأول هو مصر كما يقترح عنوان المقال). يبني أساتذتي من المحللين السياسيين وخبراء الاستراتيجية فرضيات المؤامرة الغربية "الأمريكية بالأساس طبعاً" على الشرق الأوسط عموماً ومصر خصوصاً (باعتبارها جوهرة التاج والجائزة الكبرى)على محاور ثلاثة:
الأول: حماية أمن إسرائيل (كمستقبل للحماية الغربية)
الثاني: حماية (والسيطرة على) منابع وطرق نقل البترول
الثالث: ضمان الملاحة في قناة السويس وضمان الأجواء المفتوحة بدون مقابل

وعلى الرغم من صحة هذه الفرضية بمحاورها الثلاث، إلا أنها تفتقر لمدخلين مهمين (في تقديري): أولهما أن إسرائيل تقع فعلاً ضمن منظومة الغرب تماماً مثلما تقع ضمنه استراليا ونيوزيلندا على بعدهما الجغرافي عن الغرب، إذ ان كلمة "الغرب" هنا تعني منظومات سياسية-علمية-اجتماعية-ثقافية تتفق فيها هذه الدول (بما فيها إسرائيل) مما يجعلها نسيجاً واحداً ذا قيم متشابهة وعليه نعتبرها جميعاً دولاً غربية. هذا الافتراض يجعل من إسرائيل رقماً أصيلاً في "فكرة" الغرب هذه وخاصة بما تمثله من تطور تكنولوجي وعلمي وكونها دولة ديمقراطية حسب الفهم الغربي للتعبير وخاصة بعد دخول إسرائيل إلى نادي باريس للدول المانحة. والمدخل الثاني يخص ثورة المعلومات بتغييرها للواقع (كماً وكيفاً)، وسقوط الأيديولوجيا ليس فقط لانهيار الاتحاد السوفيتي ولكن وبالأساس لاختراق الصين للأسواق الغربية (والعالمية) بعد سلسلة الإصلاحات التشريعية الدؤوبة التي أجرتها بداية من منتصف السبعينيات في القرن الماضي، وكذلك لقيام كيانات إقتصادية تتخطى فكرة الإيديولوجية لتتلاقى في المصالح مثل مجموعة البريكس.

هذه النظرة الجديدة نسبياً يجعل هدف المؤامرة الغربية مفهوماً بقدر ماهو معقول ومقبول، ولكن كيف ينطبق هذا المنطلق على دولتي الجوار الكبيرتين "إيران و "السعودية" وكيف تلعبان دورهما في إطار المؤامرة الغربية، والأهم كيف تأثرت مصر وكيف يمكنها أن تؤثر في مجريات اللعبة؟ الجزء الثاني من هذه السلسة سيتناول الدور الإيراني، فإلى ملتقى!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟