الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطبيق الشريعة لا يتحقق الا بوسائل داعش

جورج كتن

2014 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انتفاضات وثورات مكنت لاستغلالها من قبل منظمات الإسلام السياسي التي طرحت نفسها بديلاً للأنظمة الاستبدادية القائمة، فهي الأقدر على إستغلال الأوضاع البائسة التي أوصلت الأنظمة مجتمعاتها إليها، إذ يكفيها تذكير الناس بمحفوظاتهم التراثية كأقوى قاعدة لإستبداد جديد بديل العفش القديم القومي والاشتراكي المقاوم والممانع، حيث قطاعات واسعة من هذه المجتمعات استهلكت منتجات الحضارة الحديثة، لكنها رفضت مفاهيمها السياسية والإجتماعية والثقافية المتعارضة مع موروثاتها القديمة التي يقرها الإسلام السياسي على أنها صالحة لكل زمان ومكان.
تطبيق الشريعة في الحكم ستكون نتيجته إستبداد شامل لن يقتصر على الشؤون السياسية بل سيتخطى ذلك للشؤون الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والعلمية ليتضمن: أسلمة القوانين وإنشاء نظام عقوبات للجلد والبتر والرجم، وإقتصاد يعمم مؤسسة الزكاة ويمنع الفوائد بإعتبارها ربا محرم، وقوانين تكرس عبودية المرأة للرجل، ونظام تعليم يركز على حفظ النصوص الدينية على حساب العلوم الحديثة، ومراقبة ومكافحة الفن من غناء وموسيقى ورقص ومسرح وشعر وصور ورسم ونحت، وشرطة دينية تمنع الاختلاط والحفلات ومواد التجميل ومهرجانات ملكات الجمال وعروض الأزياء والأعراس المختلطة والبرامج والأفلام التي تظهر فيها المرأة سافرة، وإغلاق مرافق الفنادق السياحية وملاحقة السافرات ومنع حلاقة الذقون وارتداء البدلة وربطة العنق والتصافح بين المرأة والرجل، واعادة الأقليات الدينية لنظام الذمة والجزية وإخراج أفرادها من الجيش وحرمانها من مناصب قيادية رسمية، ومنع الكتابات المتعارضة مع تفسيراتهم للنصوص، وتقييد الإبداع والبحث العلمي وربط العقل بالنص وتنمية الحقائق المطلقة كبديل عن الحقائق النسبية وإلغاء الفكر النقدي، ورفض أوجه من التكنولوجيا الحديثة، والترويج لثقافة الموت والانتحار والزهد بالحياة "الفانية"، ورفض العولمة المؤدية لترابط الأمم من أجل مصالحها المتبادلة وتفضيل إنقسام العالم بين معسكري إيمان وكفر، وخوض حروب "جهاد" لنشر الدين في العالم.
التفريق بين المعتدلين والمتطرفين الإسلاميين صحيح في بعض الحالات، ولكن كثيرين من المعتدلين، لم يوفروا مناسبة لتبرير الإرهاب التكفيري بطرق مواربة. ففي مرحلة التمكين تتناقص الفروق بين الإسلام السياسي المعتدل والمتطرف، فالأهداف مشتركة رغم ان الوسائل مختلفة، وبدايات المعتدلين والمتطرفين متشابهة، عملية غسل دماغ داخل المؤسسات والتنظيمات الدينية التي يخرج الإرهابيون من صفوفها لأسباب تتعلق غالباً بنفاذ صبر المستعجلين على الأسلمة.
لقد ثبت من تجارب عديدة ان تطبيق الشريعة غير ممكنة بالوسائل السلمية وقد رأينا فشل اخوان مصر وتونس بتطبيقها عن طريق ركوب الموجة الديمقراطية، فقد واجها في البلدين انتفاضة شعبية انهت حكمهم في فترة قياسية. الاخوان في مصر لم يقبلوا بالطريق الديمقراطي الا بعد فشل متلاحق، منذ "التنظيم السري" في الخمسينات والستينات الذي ارتكب اعمال إرهابية في عهد عبد الناصر، الى "الجماعة الإسلامية المسلحة" التي خرجت من صفوفهم لتمارس اعمال إرهابية في زمن السادات، وهم الآن على مفترق طرق بين الإرهاب والعمل السياسي. ولم تختلف عن ذلك جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية التي انتقلت لاعمال إرهابية بعد الانقلاب الذي اخرجها من الحكم في التسعينات.
فيما الطالبان الأفغانية خاضت حربا طويلة للقضاء على منافسيها على السلطة الى ان احتلت كابول واقامت امارتها الإسلامية وفرضت بقوة السلاح تطبيق شريعتها ثم انتقلت عن طريق حليفتها القاعدة لضرب مراكز "الكفر" في العالم مما أدى لاحتلال أفغانستان وطرد الطالبان والقاعدة الى الكهوف التي تنطلق منها الآن في عملياتها الإرهابية للعودة للسلطة. وفي الصومال أيضا رفضت حركة الشباب الإسلامية العملية السياسية وهي تقاتل الحكومة منذ عشر سنوات للوصول للسطة وتطبيق شريعتها.
حماس ايضا بعد نشوء السلطة الفلسطينية رفضت منذ التسعينات المشاركة في انتخابات متتالية رئاسية وتشريعية بحجة ان الديمقراطية تتناقض مع "المقاومة"!، وعندما قبلت بالمشاركة ونجحت سرعان ما انقلبت عليها وقامت بانقلابها المسلح في غزة عام 2007 لتنفرد بالسلطة دون "فتح" وتطبق الشريعة بالقوة في القطاع، وظلت منذ ذلك الحين ترفض اية عروض لاجراء انتخابات جديدة متزامنة رئاسية وتشريعية بعد ان فقدت التأييد الذي كانت تتمتع به عندما نجحت في المرة الوحيدة التي شاركت فيها بانتخابات ديمقراطية.
وفي ايران، على الجانب الآخر من الإسلام السياسي، الشيعي، لا تختلف الصورة كثيرا، فالولي الفقيه غير المنتخب من الشعب يمارس حكما استبداديا، بسلطاته الواسعة التي تتخطى أية سلطة تشريعية او رئاسية منتخبة، وقواته المسلحة، التابعة له وليس للرئيس المنتخب، جاهزة لقمع اية انتفاضة تطالب بديمقراطية حقيقية تستند لحقوق الانسان العالمية كبديل عن تطبيق شريعة مناقضة للحياة العصرية، كما حدث في الانتفاضة الإيرانية المليونية الخضراء في العام 2009 عندما زورت الانتخابات لينجح مرشح المرشد الاعلى. بالاضافة لحزب الله اللبناني ذو التبعية الإيرانية السائر على نفس النهج بفرض سياساته بقوة سلاحه وبعرقلة الديمقراطية اللبنانية عندما تتعارض مع مصالحه.
أحدث مثال لعدم مصداقية منظمات الإسلام السياسي في قبول الوسائل الديمقراطية للتنافس على السلطة ما يفعله الآن اسلاميو ليبيا الذين كانوا مهيمنين على "المؤتمر الوطني" الانتقالي الذي تشكل بعد اسقاط القذافي. وعندما جرت انتخابات هذا العام لبرلمان دائم لم يحصل التيار الإسلامي على اكثر من 15 % من المقاعد لرفض الناخب الليبي لبرامجهم المناقضة للحداثة ومصالح الناس، فاعلنوا انهم لا يعترفون بالبرلمان الجديد باسم "حماية الثورة"! وحاولوا تعطيل انعقاده وعندما فشلوا انتقلوا للعنف ضد السلطة الشرعية المنتخبة وشكلوا تحالفا مع القاعدة والقوى السلفية و"انصار الشريعة"ويقومون الآن بتدمير المدن الرئيسية للعودة للسلطة بقوة السلاح غير الشرعي.
لذلك ليس من المستغرب تطبيق داعش للشريعة بالقمع والإرهاب والوسائل الوحشية المتبعة التي نشهدها حاليا في سوريا والعراق، فكل التجارب السابقة والراهنة اثبتت ان مشروع الإسلام السياسي المناقض للعصر لا يمكن تحقيقه الا على طريقة داعش والطالبان. واذا كان الإسلام السياسي وصل الى السلطة في تركيا بالانتخابات واحتفظ بها منذ العام 2002 فلأنه رفض تطبيق اية شريعة وقبل بالعلمانية وطبقها عن قناعة.
لا نتوقع نجاحاً للإسلام السياسي في نشر العتمة في أرجاء المنطقة، فستظل المواجهة سجالاً بين قطاعات الشعب الحداثية وممتطي موجة التدين، والناس بطبيعتهم يحبون التمتع بالحياة بألوانها المفرحة وسينضمون بغالبيتهم للمواجهة تدريجياً بعد اقتناعهم من تجاربهم بأن تدينهم حق لهم، لكنه لا يعني تسليم أمورهم لسياسيين يستغلون الدين، أو خضوعهم لرجال دين إجتهاداتهم بشرية تقتبس من الماضي وترفض إصلاح ديني يفسر النصوص بما يتلاءم مع العصر.
إلى أن يحدث ذلك ستدفع مجتمعات المنطقة أكلافاً عالية لتتخلص من أوهام "تطبيق الشريعة". ولن يبقى العالم متفرجاً إذ سيتدخل لمنع إستفراد إسلاميين متطرفين بإدارة أية دولة، كما حصل عندما تصدى المجتمع الدولي لحكم الطالبان القادم من القرون الوسطى. وكما نشهده الآن من العمل لتشكيل تحالف دولي إقليمي ضد دولة داعش التي تطبق الشريعة بوسائلها البربرية. علما ان تدخله لم يعد مسألة مبادئ إنسانية بل مصلحة عامة لأمنه واستمرار تقدمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الله على الاعتدال
أنيس عموري ( 2014 / 9 / 7 - 22:35 )
تحليل في الصميم، لكن ما يحيرني هو أنك تعتقد أن هناك في المعارضة السورية معتدلين وتطالب أمريكا بدعمهم للانتصار على نظام الأسد؟
مع هذا الصفاء في الموقف في هذا المقال، قرأت لك في المقال السابق ما يفيد أنك مع تسليح المعارضة (المعتدلة) وهزيمة الأسد. هل يمكن أن تدلني على فصيل مقاتل واحد يمكن وصفه بالاعتدال. شخصيا لم اجد. هاك فيديو لأحد أهم قادة الاعتدال. قائد -جبهة ثوار سورية - الذي يعيش في (كهف) مكيف مع زوجاته الثلاث و13 ولدا. الله على الاعتدال. يحيا الاعتدال!!!.
تحياتي


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 9 / 7 - 22:49 )
الكاتب إما (مسيحي) أو (ملحد) , و في كاتا الحالتين مصيبه! .
إن كان (مسيحي) فهو يتبع تعاليم (يسوع) , مثل :
(وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ) .
(فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا) .
لاحظوا الساديه في الإله المسيحي : أوامر بقتل (النساء + الشيخ + الطفل + الرضيع) حتى الحيوانات لم تسلم من ساديته , فها هو يأمر بقتل (البقر + الجمل + الحمير + الغنم) , يعني : دماء البشر لم تكفيه و يريد إراقة دماء الحيوانات! .

و إن كان (ملحد) فهو يتبع مثل هذه الأفعال , تابعوا :
فضائح الدروانيه وفضائح اخلاق الملاحده الاجراميه (متجدد)؟ :
http://antishobhat.blogspot.com/2012/11/blog-post_2522.html

السؤال : أي الفريقين ؛ يتبع الكاتب؟ .


3 - اما واما ..
جورج كتن ( 2014 / 9 / 8 - 00:21 )
السيد عبد الله..على طريقتك اما انك(مؤيد لداعش) وتلك مصيبة لن نناقشها هنا، واما انك(لم تفهم المقال)وتلك يمكن علاجها بان تقرأه مرات عديدة الى ان تفهمه .. فهو ليس مقارنة بين دينين كما صور لك عدم فهمك، بل هو مناقشة لبرامج سياسية تتبناها منظمات -الاسلام السياسي-والتي تطرح تطبيق لشريعة كما تفسرها تتبنى وسائل ومناهج اذا كانت مناسبة في وقتها، فقد اصبحت متعارضة مع العصر الحالي الذي لم يعد يقبل بالرجم وقطع الايدي والارجل والجلد وعدم تساوي المراة بالرجل وغيرها ويعتبرها همجية ..علما بان تطبيق اي شرائع مستمدة من اي دين كان مسيحي او يهودي او اسلامي او بوذي اوايزيدي.. مرفوضة ان كانت تتعارض مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان مقياس حقوق الانسان في العصر الحالي، وهذا لا يعني المس بأي دين من المذكورة اعلاه. والاعلان نفسه يحترم جميع الاديان السماوية وغير السماوية ويقر بحق اتباع كل دين في ممارسة شعائرهم وتعبدهم حسب الطريقة التي يرونها مناسبة لهم، فالعبادات محترمة .. ولكن المعاملات والتطبيقات في المجتمع والسياسة والدولة لا يمكن تطبيق الا ما يتوافق منها .مع الاعلان العالمي والعهود الدولية المتممة له .


4 - الحوار والنقد الصحيح
john habil ( 2014 / 9 / 8 - 01:51 )
موقع الحوار المتمدن
يشبه حديقة تتفتح فيها كل يوم أكثر من 40 زهرة نضرة مختلفة الألوان والأشكال وكل زهرة منها تحمل توقيعاً ( لصاحبها الكاتب )من مختلف المواضيع السياسية والإجتماعية والدينية والإقتصادية والفكرية
وما على القراء إلآ التجوال في محيط هذا الجو الثقافي الإبداعي التوجبهي والرقي يالفكر الى عالم المستقبل الآمن ، والتمتع بآخر الأفكار الإنسانية والحضارية
داعش والفكر الوهابي التكفيري الذي غزا سوريا والعراق والسلفية الجهادية ، هي أكثر المقالات التي يبدعُ في تشريحها وفضحها واسبابها ،مشكورين جداً جداً (( كتٌاب الحوار المتمدن و98% من القراء المشجعين عدا 2% واحد منهم ( الأستاذ عبدالله خلف
الذي يحمل خاتماً واحداً ويدور به على جميع كتٌاب الحوار ليطجه ،ومع الأسف الشديد إنه احدى وردات هذا البستان


5 - لا تنسى سيدي
ماجد ( 2014 / 9 / 8 - 13:10 )
لا تنسى سيدي المتوحشين من أهل الشريعة في السودان الذين جاءوا للسلطة بانقلاب و خيانة و كذب بإدعاء أنهم ضباط وطنيين و اعترف زعيمهم الذي ذهب للسجن بعد الانقلاب تمويها مع قادة الأحزاب أنه قال للبشير :(اذهب للقصر رئيسا و أنا للسجن حبيسا) في أوضح تجلي للكذب و الخيانة و الخسة ، ذلك حسن الترابي ... ثم في عهدهم جاءت إحصائياتهم الرسمية بجلد 40 ألف امرأة بما مجموعه مليون و ستمائة ألف جلدة بسياط لا تستخدم إلا مع الإبل في عام واحد في العاصمة فقط ... الحسنة الوحيدة من هذه الهمجية هي فتح أعيننا بأن الدين صناعة بشرية و إن أسوأها و أفظعها و أكثرها همجية و وحشية هو الإسلام ... شكرا سيدي لتنويركم


6 - السودان ايضا ..
جورج كتن ( 2014 / 9 / 8 - 16:41 )
الاخ ماجد .. معك حق فالسودان ايضا يطبق ما يدعيه الشريعة في قوانينه منذ الترابي حتى البشير، من جلد وغيره وآخرها الحكم بالاعدام على المرأة التي اتهمت بانها غيرت دينها، وخاصة الحرب الشعواء لأسلمة الجنوب الارواحي التي انتهت بعد مقتل مئات الالوف بانفصال الجنوب الذي كان يمكن ان يستمر جزء من السودان فيما لو اوقف -تطبيق شريعة- بالقوة وتوفرت للجميع حرية اعتناق اي دين وممارسة اية شعائر لا تتعارض مع قوانين تهتدي بالاعلان العالمي لحقوق الانسان .. يبقى الدين بمبادئه التي تحض على الاخلاق الحسنة يعتنقه من شاء مع رفض تطبيق اية احكام كانت صالحة في وقتها ولكنها الآن اصبحت مناقضة للعصر .. الدين يحتاج لعملية اصلاح جذرية ليعاد تفسير نصوصه بما يلائم الحياة الحديثة .. شكرا لاهتمامك

اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!