الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بين خيارين : إما العمل وإما القرون الوسطى ..

شاكر كتاب
أستاذ جامعي وناشط سياسي

(Shakir Kitab)

2014 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



ينقسم المفكرون حول تحديد قضية التطور والتنمية في مسار المجتمعات التاريخي للبشرية إلى قسمين أساسيين. الأول يرى أن مصادر الثروات الوطنية للشعوب التي تتحدد وفقا لما تمتلكه هذه الشعوب من فضة وذهب وأضيفت إليهما الثروات الطبيعية لتلك البلدان هي التي ترسم مسارات التنمية والتطور لهذه الشعوب ولبلدانها. في حين يرى القسم الثاني إن العمل هو الذي يحدد مسارات التنمية وتطور الشعوب. يبدو أن مفكروا الأنظمة الرأسمالية خاصة المتطورة منها والتي تصل مرحلة الإستيلاء حتى على ثروات الشعوب الأخرى خاصة الفقيرة منها هم من يمثلون القسم الأول. في حين أن المفكرين من دعاة التطور الحقيقي والتنمية البشرية للإنسان كفرد وللشعوب كمجاميع بشرية إنما يرون أن سر التطور يكمن في العمل.
وإذا كان آدم سميث الذي يعتبر بحق المصدر الأول للمعرفة الإقتصادية الحديثة وفكرها التطوري والتنموي في كتابه ( بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم ) يرى أن العمل هو الأساس في خلق التطور والنمو بشكل عام ومن دون تفاصيل فإن مؤسس الفكر الإقتصادي المادي ونظرية التطورالمادي للتاريخ يرى أن العمل ينقسم إلى نوعين أساسيين. الأول هو العمل الإنساني العام والمجرد. وربما فعلا إن هذا ما كان يقصده ( آدم سميث ) حسب تقدير المفكر العراقي د. مهدي الحافظ . والثاني هو العمل الهادف لصنع بضاعة معينة محددة كهدف لهذا العمل. ويشير هنا مهدي الحافظ إلى مادة السمنت كنموذج.
نحن نرى أن من الضروري جدا الوقوف على الفوارق النوعية الكبرى بين النظريتين في تحديد ثروات الشعوب وأسرار تقدمها من جهة وبين النظريتين المتعلقتين في تحديد العمل كمسار للتطور والتنمية.
ففي تحديد ثروات الشعوب لا نرى أن وجود الفضة والذهب والنفط والثروات المعدنية والمائية هي التي تحدد تطور الشعوب وانتقالها من مرحلة تاريخية في التطور إلى مرحلة أخرى. بل إن السر الجوهري يكمن في القدرة الذكية والواعية على توظيف هذه الثروات في خطط البناء والتقدم والتنمية والإزدهار الحضاري والإقتصادي. أما مجرد وجود ههذ الثروات دون وعي شعوبها بأهميتها ودون إرادة وطنية في توظيفها المبدع في خطط التطور والتنمية فأنها قد تتحول وبالا خطيرا يهدد حتى حياة هذه الشعوب ويستلب كرامتها ويمحق إنسانيتها. حيث ستكون هذه الثروات محط أهتمام وطمع البلدان الغنية والقوية وهذا أحد أهم أسرار وأسباب الإستعمار واحتلال بلدان وأراضي الشعوب المتخلفة حضاريا كما شهدنا نحن العراقيون ذلك أكثر من مرة وبقية البلدان العربية وبلدان العالم الثالث.
إذن العمل وحده هو الذي يكون سر الأسرار في التطور والبناء. لكن السؤال الخطير والمهم هنا اي نوع من العمل؟ لإن العمل الإنساني العام والمجرد يكون فقط من أجل البقاء. فصراع الإنسان ضد الطبيعة بفيضاناتها ووحوشها وغاباتها وفقرها كان وراء بقاء الإنسان وتطور حتى أعضائه الجسدية وتحسن الكثير من وظائف الجسد وهو ( هذا العمل ) أيضا كان الأساس في قيام بعض العلاقات الإجتماعية التي لم تكن ضمن مخطط التطور والتنمية إنما جاءت في إطار حفاظ الإنسان والمجتمعات الوليدة على نفسها. أي عمل من أجل البقاء. وإذا شهدت هذه المجتمعات تطورا معينا فببطء شديد بل وأدت إلى إنشطار طبقي حصر القوة والسلطة والمال ( ثمرة العمل ) بيد مجموعة صغيرة متسلطة مقابل أغلبية فقيرة مستغلة مهمتها العمل من أجل البقاء – بقاء الذات وبقاء الآخرين ولكن المهم جدا هنا هو أن نشير إلى أن التطور هنا لم يكن معدوما نهائيا لكنه بطيئا للغاية.
أما العمل الآخر الذي تتمسك به الحركات الوطنية والإنسانية والتقدمية فهو العمل المخطط له والهادف إلى تحقيق إنتقالات مستمرة ومتواصلة في مستويات النمو والتطور لدى المجتمعات البشرية أفرادا ومجاميع وبلدانا واقاليم وقارات وصولا إلى مستوى حضاري إنساني يقوم على إقتصاد مزدهر يتطور باستمرار لكنه منضبط دائما بمعايير العدالة الإجتماعية والمساواة بين الناس حيث لا حسبانا للإنحدار القومي والمذهبي أو الطائفي.
هذا العمل إذن يجب أن يقوم على التخطيط العلمي المدروس لا العشوائية والعفوية اللتان يتصف بهما العمل من أجل القاء.
هذا العمل يجب أن يقوم على أساس التوظيف الدقيق والوطني الغيور لكل ثروات البلاد من الموارد البشرية والطبيعية لا على نهبها وتوظيفها للإثراء الخاص وتعزيز البنية التحتية للتخلف وانتشار الهمجية والوحشية وانتكاسة المجتمع نحو القرون الوسطى بل حتى ما قبل التاريج حيث انتشر هناك العمل من أجل البقاء فقط.
هذا العمل يجب أن يقوم على أساس الرؤيا الوطنية الإستراتيجية لبناء دولة مدنية قوية عادلة تقوم على أسس العدالة الإجتماعية والمساواة بين أبنائها وتأكيد مبدأ المواطنة بديلا عن الطائفية والعشائرية وتسليح المجتمع ..
وأخيرا.. فإن من يراقب عن كثب طبيعة العمل ( إن وجد ) السائد في العراق في يومنا هذا سيجد أنه من النوع الأول أي العمل الذي يقوم على أساس الحاجة للبقاء فقط وقضاء اليوم وتوفير لقمة العيش للعائلة أو للذات, تماما كما كانت البشرية في بدايات نشوء مجتمعاتها وما يرافق هذا العمل من إنهيارات شاملة حيث تراجع القيم الإنسانية وإلغاء كل تطلع للتطور والتنمية وضياع الإستقرار والإطمئنان لمستقبل جيد وما يرافق كل ذلك من تداعيات أمنية خطيرة وخراب إجتماعي متواصل.
الحل يكمن في إنتصار العمل الوطني الدؤوب الإستراتيجي والتوظيف العلمي المدروس والمخطط للثروات الوطنية بعد تحريرها من كل عقود واتفاقيات الإذعان والمباشرة في بناء الدولة القوية العادلة المزدهرة إقتصاديا وحضاريا.
د. شاكر كتاب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: القيادي اليميني المتطرف إريك زمور يتعرض للرشق بالبيض


.. وفد أمني إسرائيلي يزور واشنطن قريبا لبحث العملية العسكرية ال




.. شبكة الجزيرة تندد بقرار إسرائيل إغلاق مكاتبها وتصفه بأنه - ف


.. وزير الدفاع الإسرائيلي: حركة حماس لا تنوي التوصل إلى اتفاق م




.. حماس تعلن مسؤوليتها عن هجوم قرب معبر -كرم أبو سالم- وتقول إن