الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارهابيون لكن

عمّار العربي الزمزمي

2014 / 9 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


ارهابيون لكن ...
او
احلام قوم عند قوم كوابيس
عمار العربي الزمزمي
الارهابيون هم ابناؤنا الذين يذكروننا بشبابنا

بات واضحا ان من يمارسون الارهاب و يكتوون بناره في الان نفسه سواء في تونس او في سائر الاقطار العربية هم بدرجة اولى من الشباب .وكثير منا يدركون بشكل واضح حينا وبشكل غامض احيانا بانهم ليسوا اقلية غريبة شاذة جاءت من المريخ بل هم صنف من ابنائنا ما فتئ عدده يتزايد .اكثر من ذلك فينا من يذكرونه فعلا بشبابه وليس ذلك بالضرورة لانهم يكفرون الاغلبية التي تخالفهم الراي ويسعون الى اسلمة مجتمعات يعتبرونها تخلت عن الاسلام وعادت الى الجاهلية مثلما كان هو يفعل في شبابه واننا لمجرد كونهم يحملون كما حمل من قبلهم حلما هم مستعدون للتضحية بكل شيئ - بما في ذلك ارواحهم - في سبيل تحقيقه ولو ان هذا الحلم تحول الى كابوس يقض مضجع غيرهم . انهم من بعض الوجوه - ومن بعض الوجوه فقط - لا يختلفون عن الشباب الذي عاش في فترات سابقة .

حلم وحلم

لناخذ مثلا ابناء جيلي الستينات و السبعينات لقد كانت لهم ايضا احلام كبيرة
القوميون كانوا يحلمون بتوحيد الامة وتحرير فلسطين واليساريون كانوا يحلمون علاوة على ذلك بتحرير الجماهير من الاستعباد و سطوة راس المال وقد واجهوا السلطة القمعية وعرفوا التعذيب و السجن و المنفى لكنهم - حتى وان تغنوا بالحرب الشعبية الطويلة الامد - كانوا يرفضون مبدئيا الارهاب الذي هو من عمل اقليات تحاول فرض رؤاها بالقوة على الاغلبية و سفك دماء المخالفين . فشتان بين حلم اولئك وحلم الشباب المنخرط اليوم في الارهاب .

قصور النظرة للارهاب

يجب الاقرار بان نظرة كثير منا للارهاب ضباببة . وقد ان الاوان ان نكف عن تبسيط الامور .فلايكفي شيطنة من نعتبرهم ارهابيين واعتبارهم اشخاصا باعوا ارواحهم للشيطان عن وعي او تم التغرير بهم وغسل ادمغتهم من قبل متاجرين بالدين . ولا يكفي ادانة ممارساتهم مهما بدت وحشية ولا الدعوة الى معالجة ظاهرة الارهاب معالجة امنية صرف
ويجب ان نكف عن اعتماد نظرية المؤامرة في تفسير اسباب ظهورها وانتشارها.

مايغري بالاخذ بنظرية المؤارة

صحيح ان دولا عربية واسلامية خشيت ان تصيبها عدوى المد الشعبي الذي ينشد الحرية والكرامة فراهنت على مصادرة الثورة التي اندلعت في غيرها بجعل الهوية هي القضية وطمس المطاب الحقيقية التي من اجلها ثارت الجموع فسخرت الاتها الاعلامية للتسويق للجماعات الاسلامية التي ترفع شعار - الاسلام هو الحل -
صحيح ايضا ان امريكا والدول الغربية راهنت في تونس ومصر على من تعتبرهم ممثلين للاسلام السياسي المعتدل كبديل لدكتاتوريات اهترات ولم تعد قادرة على ضبط الامن و تحقيق الاستقرار الضروريين لخدمة مصالحها كما وضعت ثقلها في اقطار مثل ليبيا وسوريا لجعل الحراك الثوري لا يتبع منذ البداية المسار الذي اتبعه في تونس ومصر فيفلت الزمام من ايديها وهذا ما جعلها تدفع منذ البداية نحو عسكرة الانتفاضة وتدعيم كل الجماعات الاسلامية بما في ذلك المتشددة منها التي سوف تضعها لاحقاعلى لائحة الارهاب الدولي .
صحيح ايضا ان الذين يعتبرون انفسهم ممثلين للاسلام السياسي المعتدل اتخذوا موقفا ملتبسا ازاء اخوتهم المتشددين فبعضم قد يكون اساء تقدير ما يمكن ان يصل اليه غلوهم وتسرعهم في فرض رؤاهم وبعضهم الاخر كان متواطئا معهم بشكل معلن صريح لذلك صم اولئك وهؤلاء اذانهم عن الدعوات المتكررة المنبهة الى الخطر الداهم واتهموا اصحابها بانهم يتعمدون - لحسابات سياسية ضيقة - جرهم الى تصادم غير ضروري مع اخوة مخالفين لهم في الراي مازالوا في مرحلة الدعوة ولم يبلغوا بعد مرحلة الجهاد. وكانت النتيجة ان تم التغاضي عن تحركات هذه الجماعات المتطرفة فراحت تحشد الانصار و تتدرب في الداخل و الخارج وتجمع المال والسلاح استعدادا لقادم الايام تحت سمعهم وبصرهم وبتواطئ من بعضهم .
كل هذا صحيح لكنه لا يفسر وحده انتصاب الارهاب و تغلغله في بلادنا .

اسباب يتم تغييبها

ماكنا لنصل ال ما وصلنا اليه لو لم يجد الارهاب بيئة شعبية حاضنة له فهو يعشش في الاوساط المحرومة بالجهات و المناطق المهمشة التي خاب املها في تغيير واقعها المزري وفي صفوف الشباب الذي فشل الجميع في اعطائه بديلا حقيقيا يرتقي الى مستوى طموحاته واحلامه . فكل القوى التي نصبت نفسها مدافعا عن مجتمع مدني ديمقراطي تعددي فشلت - مع اختلاف درجة مسؤولياتها طبعا- في تامين مسار انتقالي يسمح برؤية ضوء في نهاية النفق اي يرضي ولو جزئيا تطلعات الجموع وخاصة الشباب في التغيير الفعلي لواقعها .
ان اليسار الذي بقي اسير قوقعته الايديولوجية عجز عن التحول الى قاطرة حقيقية لقطاعات واسعة من الشعب على اساس برنامج سياسي واضح يستجيب لمقتضيات المرحلة .
و القوميون مازالوا يتباكون على نظم و زعامات اثبتت عجزها عن البقاء ويفسرون زوال بعضها وتعرض مابقي منها لرفض قطاعات شعبية واسعة بتامر الرجعية العربية المتحالفة مع الصهيونية والامبريالية و لاشيئ غير ذلك.
اما بقايا النظام السابق فتحاول ارجاع عجلة التاريخ الى الوراء معتبرة عودتها الى السلطة - وقد رممت نفسها- عصا سحرية قادرة على حل كل المشاكل
كل هذا ينضاف اليه تسابق كثير من الفاعلين السياسيين على خطب ود امريكا و الغرب عامة متناسين مالهم من مسؤولية عظمى في تابيد الاحتلال الصهيوني لفلسطين وفرض علاقات قائمة على التبعية و الهيمنة ولا يخفى ما لهذا وذاك من قدرة على تغذية الارهاب عند الشعور بانسداد الافق .
اي حلم يبقى للشباب الذي سرقت احلامه بعد كل هذا

الارهاب استقر ولن يزول بسرعة وسهولة

ان الارهاب- سواء حقق اختراقات ذات بال او بقي كامنا كالنار تحت الرماد بفعل ما يتلقاه من ضربات هنا وهناك- سيتحول الى احد ملامح مرحلة قد تطول نسبيا لارتباطه بعوامل محلية واقليمية ودولية يطول شرحها ولا يسمح المجال بذكرها . وحركته شبيهة بحركة صخرة اندفعت من قمة جبل الى سفحه ولن تتوقف الا اذا بلغت مداها وكل ما يمكن فعله في مواجهتها هو محاولة التقليل من الخسائر التي تحدثها اثناء تدحرجها والتسريع بجعلها تبلغ منتهاها .
لقد فوتنا على انفسنا فرصة القضاء على الارهاب في المهد وخنق الفرخ في البيضة قبل ان تفقص ونحن ندفع ثمن التراخي في مواجهته في الوقت المناسب وبالطرق والوسائل المناسبة .
ولا سعني هنا الا استحضار بعض ما كتبته في ماي 2011 تعقيبا على احداث الروحية التي ذهب ضحيتها عنصران من الجيش الوطني . قلت يومها في مقال لي بعنوان " دماء التونسيين تراق بايد تونسية فلنعمل بشكل جاد على حقنها "(كم يكفينا من ضحايا حتى ناخذ الامور ماخذ الجد وهل من الضروري ان تشهد بلادنا عمليات ارهابية بالتواتر والحجم اللذين يعرفهما العراق وافغانستان والصومال وبعض مناطق اخرى من العالم حتى نستشعر الخطر الداهم سيكون الاوان ساعتها قد فات ويصبح المطروح هو جعل الارهاب لا يتجاوز حدودا " مقبولة " لا تفاديه)

ما العمل

ان كل تاخير في توافق اوسع الفئات التي لها مصلحة في القضاء على الارهاب على تحديد مفهوم واضح له ورسم خطة متكاملة لمقاومته تتجاوز المعالجة الامنية - التي هي ضرورية لكنها غير كافية -الى اخذ الجوانب القانونية والسياسية والاقتصادية/الاجتماعية والتربوية /الثقافية بعين الاعتبار كل تاخير اذا في هذا المجال سيجعل المهمة اكثر صعوبة وتعقيدا والخسائر اكبر والوقت اطول .
ومن الخطورة بمكان و نحن نتحدث عن شمولية النظرة و الخطة التقليل من اهمية المستوى التربوي/الثقافي بمفهومه الواسع .يجب اعادة النظر في البرامج التعليمية والمؤسسات المهيئة للمدرسة كرياض الاطفال و المدارس القرانية و المساجد و ما اتصل بها من فضاءات اضافة الى السياسة الثقافية والاعلامية .
لا يمكن في مواجهة الارهاب التعويل فقط على مايعده البعض ثوابت في الشخصية القاعدية التونسية كالاعتدال ونبذ العنف و التطرف و الميل الى المسالمة وحب الحياة الهادئة المستقرة الامنة .والذين يقولون بان مايرتكبه الارهابيون من فظاعات غريب عنا وعن ثقافتنا ينسون بان الفترات العادية غير فترات الازمات في حياة الشعوب . فمن كان يتصور مثلا ان اللبنانيين سيعيشون فظاعات الحرب الاهلية التي اندلعت سنة 1975 اكثر من عشرين عاما ولا يتخلصون من اثارها الى اليوم . وبما نفسر - رغم خصائص الشخصية المذكورة- تصدر تونس لقائمة الدول المصدرة للارهاب سواء بالرجوع الى عدد المنتسبين الى الجماعات الارهابية او الى تعدد الساحات التي يتواجدون بها. ولاباس من تذكير الذين لا يذكرون الا سوريا و ليبيا بساحات مثل افغانستان و الشيشان ومالي والصومال وغيرها .
والاخطر من عدد الارهابيين وساحات نشاطهم ارتباط اسماء التونسيين باشد العمليات عنفا وشراسة واكثر الممارسات بشاعة ووحشية .ولن نفهم هذا الا اذا ادركنا ان خيطا رفيعا يفصل بين حلم يجعل صاحبه يستميت في خدمة قضية عادلة وحلم يجعل صاحبه يغوص في مستنقع الارهاب فيصبح كابوسا بالنسبة لغيره
.
شبابنا بحاجة الى حلم

كان شبابنا دائما في طليعة الشباب العربي والعالمي الباحث عن جبهات يصرف فيها طاقاته . الم ينخرط التونسيون في مقاومة الغزو الايطالي لليبيا سنة 1911 الم يتطوعوا للدفاع عن فلسطين سنة 1948
الم يلتحقوا بصفوف الثورة الجزائرية بعد اعلان الاستقلال في عشرين مارس 1956 . واذا اقتصرنا على التاريخ القريب وحده الم يكن شباب تونس سباقا للانخراط في صفوف منظمات المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة جوان 1967 وقد استشهد الكثير منهم في عمليات بطولية .الم يتطوع كثير منهم لمقاومة الغزو الامريكي للعراق.
شبابنا بحاجة الى حلم كبير فلنعمل على ايجاد بدائل مقبولة لما نعتبره حلما مجنونا او كابوسا والخطر كل الخطر ان نسعى الى قتل قدرته على الحلم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تشريف لا يستحقونه
أنيس عموري ( 2014 / 9 / 8 - 22:50 )
تحليلك في الصميم. هناك نقطة أختلف معك فيها، وهي في نظري هامة جدا. في قولك: ((ماكنا لنصل إلى ما وصلنا اليه لو لم يجد الارهاب بيئة شعبية حاضنة له فهو يعشش في الاوساط المحرومة بالجهات و المناطق المهمشة التي خاب املها في تغيير واقعها المزري وفي صفوف الشباب))، هذا تشريف للإسلاميين لا يستحقونه.
الإرهاب صنيعة حركة الإخوان المسلمين والفكر الوهابي. الإرهاب ينتشر في أوساط متوسطة الحال، متعلمة بدرجات متفاوتة، لكنها خضت لسنوات طويلة للحقن بالأيديولوجية الدينية وما تزخر به من ترهيب وترغيب وصور مفزعة عن جهنم وأخرى مغرية عن حور العين.
أنت تعلم أن الذين شاركوا في غزوة نيويورك ينتمون إلى طبقات ميسورة الحال وأمامهم مستقبل زاهر بعد إكمال دراساتهم والعودة إلى ديارهم أو الاستقرار في الغرب.
ونعرف أيضا أن الشباب الذين سافروا إلى جبهات (الجهاد) في أفغانستان وفي غيرها ليسوا من الطبقات المحرومة بل من طلبة الجامعات عادة.
أتفق معك في قولك: ((يجب اعادة النظر في البرامج التعليمية والمؤسسات المهيئة للمدرسة كرياض الاطفال و المدارس القرانية و المساجد و ما اتصل بها من فضاءات اضافة الى السياسة الثقافية والاعلامية .))

اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة