الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمع في الخطاب الروائي العربي

أحمد عبد الرازق أبو العلا

2002 / 12 / 12
الادب والفن


              
                                                                                
  
   كان الفيلسوف الإنجليزي ( توماس هوبز) هو أول من أشار إلى أن حالة الفوضى هي الحالة الطبيعية في حياة الإنسان، وأن المجتمع المنظم ، خلقه الإنسان بإرادته ، معارضا بذلك فكرة أر سطو التي تذهب إلى ( أن الإنسان مدني بطبعه ، وأنه يقبل علي الحياة في جماعة سياسية منظمة بفطرته )                            
   وحتى يقرب ( هوبز ) أهمية الخروج من الفوضى إلى النظام يسوق مثالا يدل علي مدي تمسك الناس بالنظام إذا مروا بتجربة الفوضى : " لقد جرت العادة ، عندما يموت الملك في فارس  في العصور القديمة ، أن يترك الناس خمسة أيام بغير ملك ، وبغير قانون بحيث تعم الفوضى ، والاضطراب جميع أنحاء البلاد ، وكان الهدف من وراء ذلك هو أنه بنهاية هذه الأيام الخمسة ، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى أقصي مدي ، فان من يبقي علي قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة سوف يكون لديهم ولاء حقيقي وصادق للملك الجديد ، إذ تكون التجربة قد علمتهم مدي رعب الحالة التي يكون عليها المجتمع إذا غابت السلطة السياسية " أنظر في هذا الشأن كتاب " الطاغية " عالم المعرفة -1994                                                  
  ولعل هذا المثال يكشف لنا أن حاجة الناس إلى السلطة السياسية التي تنظم لهم حياتهم ، وهو ما يدفع الأنظمة إلى ممارسة كل السبل والوسائل التي بها تستطيع المحافظة علي السلطة لأطول وقت ممكن ، ومن ثم فإنها تمارس القمع باعتباره أداة من أدوات المحافظة علي هذه السلطة .                                   
 
ويشير الناقد ( عبد الرحمن أبو عوف ) في كتابه الهام ( القمع في الخطاب الروائي العربي ) الصادر ضمن إصدارات مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، إلى أن القمع حالة مركبة ، وهذه الحالة ، وان بدت صغيرة وتحمل معني الدفاع عما هو قائم ، أو لتبرير الموقف في مرحلة معينة ، إلا أن استمرارها والتراكم الذي يحصل لها ، إضافة إلى التناقضات في المصالح والأفكار يجعلها تكبر وتزداد اتساعا وعنفا ولا شك أن من أسباب استفحالها الخوف من التغير من الآخر ، وأيضا الخوف من المستقبل المجهول .
   ومعني القمع في اللغة : قمعه و أقمعه .. أي قهره وأذله ( فانقمع ) ..                               
  والناقد يتحدث في كتابه عن المكونات الأساسية في الخطاب الروائي العربي المعاصر ، والذي يعد محور القمع والقهر الذي يتعرض له المثقفون والأدباء والفنانون ، واحدا من أهم هذه المكونات ، ويرجع السبب المسئول عن هذا إلى سيادة وسيطرة الأنظمة الشمولية علي  مقدرات الحياة السياسية في البلدان العربية
  ولكن لماذا الرواية ؟؟                                     
   لأنها تعتبر إحدى الوسائل التي يمكن – من خلالها – قراءة مجتمع ما ، ففيها نقرأ المجتمع بتفاصيله وهمومه ، تقرأ حياة الناس اليومية ، وأحلامهم ، وتحاول أن تشير إلى مواضع الألم والخلل ، إنها تفعل ذلك بطريقة مختلفة عن الشعر .                               
  وفي الدراسات التطبيقية التي ركز فيها ( عبد الرحمن أبو عوف ) علي أعمال عدد من كتاب الرواية في العالم العربي ، يحدد أن من يقرأ روايات ( عبد الرحمن منيف ) – حيدر حيدر – غالب هلسا – غسان كنفاني – صنع الله إبراهيم – جمال الغيطاني – فوزية رشيد – سلوي بكر – سحر توفيق – حنا مينه – الطاهر وطار – محمد زفزاف ).. الخ .. من يقرأ روايات هؤلاء يجد مشاهد سوداء مرعبة ، قاتمة من القمع والقهر ، تتجلى في المطاردة والاعتقال والتعذيب الجسدي ، والنفسي في عتامة أقبية السجون والمعتقلات ، إنها روايات تتعرض لظاهرة القمع وتقوم بكشفها وتعرية جذورها الدفينة ، وتعقد تركيبها من عوامل داخلية في تنمية المجتمع العربي وعوامل خارجية يوجهها ويحكمها الاستعمار العالمي ، فيتصدي ( عبد الرحمن منيف) لظاهرة السجن مباشرة في رواية ( شرق المتوسط في عام 1975 ) وفي روايته ( الآن هنا .. أو شرق المتوسط مرة أخري ) الصادرة 1991 ، والروائي السوري ( حيدر حيدر ) يقدم خلاصة مبلورة ، مكثفة ومركزة لخبراته الحياتية كمثقف مغترب منفي ، وذات واعية سياسيا بأزمة ومحنة الوجود العربي الممزق بمؤسساته القمعية في روايته : ( مرايا النار ) ..                                  
   وهذا الكتاب يعد إضافة جديدة للناقد ( عبد الرحمن أبو عوف ) تضاف إلى رصيد أعماله النقدية الأخرى ، ولعل من أهمها : تحولات الرواية العربية – مراجعات في الرواية والقصة – قراءة في الرواية العربية – تراجيديا الثورة والقهر في رواية الستينات.                                   
  وتأتي أهمية هذا الكتاب ، أنه يحدد أن الرواية العربية بتصديها لظاهرة القمع تستعيد غربة واستلاب الإنسان العربي ، وتدفعه لاسترداد وعيه ، وتثبت بذلك أنها سجل واسع للأصداء النفسية والاجتماعية والسياسية ، فالرواية هي ملحمة العصر الحديث ، وهي  بديل عن الموت ..                                     


 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي