الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في قصيدة - نعيق الغراب - / للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر

عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة

(Ayda Badr)

2014 / 9 / 9
الادب والفن



أصوات تضيع بين نعيق غراب ومذبحة قابيل
أطفال يبحثون عن النعاس الرقيق
وغيمة حبلى يمنعها الدم الأسود
من ماء يوقظ امرأة تموت
جبل سنجار... مهطل الالهة
يترنح تحت أقدام خليفة ولد من أرض الغربان
صبايا / سبايا
تعرت صدورهن في سوق النخاسة..
تترصد مفاتيح الصديد اجسادهن
وهذا خليفة..
يرتل آيات الضمير الملوث بالدم
ورايات السواد ,,,,,,
قيود زمن العبيد تستدرج ما تبقى فينا من انسان
في قصور الملوك والمتسكعين بين تلوث الهواء
وفساد الأرض
هم يرفعون كف الولاء لخليفة من صنع الموت
يهوى الدمار,,,,,,,
أ يا غراب السماء..
الا ترحم ...
فتدع اصوات الثكالى
تصعق اذان السماء
لترحم.. أم تلد ميت..فتموت.

القراءة / عايده بدر
نعيق الغراب
الصوت الذي بدأت به القصيدة يشكل معالم السير بين دروبها الوعرة و التي حكمنا بوعورتها ليس فقط لفنية متميزة تقابلنا في التكنيك الذي يستخدمه الشاعر هنا و لكن أيضا للمدلول الذي حكمنا منذا العنوان فلدينا هنا ( نعيق ) و ( غراب ) صوت ملازم لهذا الطير الذي يجمع الناس على التطير به و التشاؤوم منه و ما حل غراب يوما بمكان إلا و انقبضت القلوب لأنها مسبقا تعلم أنه يحوم حول الأماكن الخربة و التي تمتد فيها رائحة الموت
أصوات تضيع بين نعيق غراب ومذبحة قابيل
أطفال يبحثون عن النعاس الرقيق
وغيمة حبلى يمنعها الدم الأسود
من ماء يوقظ امرأة تموت
الصوت يقابلنا مرة أخرى في ( اصوات تضيع ) و هذ يعني أن نعيق الغراب و صوت مذبحة قابيل يضيع بينهما أصوات كثيرة تختنق و لا أحد يسمعها و هي تنادي و تستغيث
الشاعر يأخذنا لرصد الواقع الذي يعيشه العالم الآن لكنه يريد أن يجعلنا نتأمل هذا الوجع بصورة قريبة و إذا قلنا أن الوجع على هذه الأرض عام فإننا أمام صورة تبدو خاصة أكثر بما تحمل من خصائص ستتضح تباعا كلما تقدمنا خطوة مع القصيدة
فنعيق الغراب و مذبحة قابيل و الاسقاط الديني الرمزي استحضر من خلاله الشاعر صورة الماضي البعيد و أسقطه على الحاضر المعاش و كان لا شيء تغير منذ الدم الأول و منذ أول نعيق للغراب على الأرض
و في الموروث الديني الاسلامي الغراب ليس مصدر شر أو شؤم بل هو المعلم الأول الذي أنقذ قابيل من حيرته أمام جثة أخيه بعد أن قتله فعلمه الغراب أن يحفر لأخيه و يكرمه بدفنه بدلا أن تأكله الوحوش
الغراب ينعق فوق مدائن الخراب و المذبحة التي افتتح بها الانسان وجوده على هذه الآرض جعلت منها منذ ذلك الوقت أرض خراب فكل صوت عليها يضيع بين نعيق و مذبحة تتكرر كل يوم
إذن الغرب هنا هل يؤدي صورة أخرى غيرالتي ارتبطت في ذهن الانسان بالتطير و التشاؤم أم أنه لا يزال يمارس دور المعلم باقتدار للإنسان ؟
هذا ما يجعلنا نتساءل ماهية هذه الأصوات الضائعة بين نعيق و مذبحة ؟
لعله يجيبنا حين يقول ( أطفال يبحثون عن النعاس الرقيق ) و النعاس ليس فيه رقيق من غليظ لكن الصفة لتي ألزمها الشاعر هنا للنعاس تحدد دلالة هذا النعاس انهم يطلبون حتى الغفوة العابرة و كيف يحصلون عليها في ظل نعيق و مذابح
(وغيمة حبلى يمنعها الدم الأسود من ماء يوقظ امرأة تموت ) الصورة المركبة هنا في تقديم و تخير تجعل الدهشة هي الشعور الأول لذي يتلقف القارىء حين يتصور أن االغيمة حبلى و على استعداد لإيقاظ امرأة تموت و بإمكانها أن تنقذها لكن كيف و هذا الدم الأسود يقف حائلا بينها و بين الغيمة فتتركها تموت ... لأسود هنا له دلالة ذت أبعاد متعددة فبإمكاننا أن نلقيه على هذا الوجع و الدمار و الخرب من جهة و من جهة أخرى يمكننا تأويله أنه إشارة ضمنية للراية السوداء التي ترفعها آلة الدمار والتي ستظهرها القصيدة تباعا


جبل سنجار... مهطل الالهة
يترنح تحت أقدام خليفة ولد من أرض الغربان
صبايا / سبايا
تعرت صدورهن في سوق النخاسة..
تترصد مفاتيح الصديد اجسادهن
وهذا خليفة..
يرتل آيات الضمير الملوث بالدم
ورايات السواد ,,,,,,
قيود زمن العبيد تستدرج ما تبقى فينا من انسان
في قصور الملوك والمتسكعين بين تلوث الهواء
وفساد الأرض
هم يرفعون كف الولاء لخليفة من صنع الموت
يهوى الدمار,,,,,,,
هذا المقطع لوحة مكتملة تبدأ من حيث المكان (جبل سنجار ) مهطل الآلهة و حضارة امتدت منذ الألف الثالثة قبل الميلاد و فسر بعض ساكنيه معناه بأنه منذ حمل الماء نوحا و رسى به على الجودى مرت السفينة بالجبل فنطحته فقالوا هذا سن جبل جار علينا فسمي ( سن – جار ) فكم حمل من خطوات االأنبياء و الصالحين و الآن تطأه أقدام ماجنة تحمل من الرايات أسود القلب و الفعل
و القصيدة تمضي في رسم صورة لهذا الدخيل الحامل سيف االخراب
خارطة تحدد نوع ما يحمله من خطر قادم :
فهذا (خليفة ولد من أرض الغربان / يرتل آيات الضمير الملوث بالدم / خليفة من صنع الموت / يهوى الدمار ) يحرك (رايات السواد ) فيرفع (العبيد في قصور الملوك والمتسكعين بين تلوث الهواء وفساد الأرض) له (كف الولاء ) هدفهم (صبايا / سبايا / تعرت صدورهن في سوق النخاسة تترصد مفاتيح الصديد اجسادهن ) هل لنا أن نتصور حجم هذا الخراب الذي حل بسنجار و كم من عِرض انتهك و شرف أهريقت دمائه على يد آلة الدمار و خليفة يحمل الدين سيفا على عنق االجميع
الصور المتعددة التي تقابلنا هنا تجعلنا نقف أمام كثافتها من ناحية و تجددها من ناحية أخرى رغم أنه كالسيل لا تتوقف عن رصد كل ما تقابله
لدينا على سبيل المثال :
( آيت ضمير ملوث بالدم ) تقابل ( تلوث الهواء و فساد الأرض ) و الأولى مقدمة منطقية للثانية فلن تفسد الأرض إلا بفساد الضمائر
( صبايا / سبايا ) و هذا التقابل للغوي و الصوتي يخلق صورة مجسمة أكثر لحجم الكارثة و عودة قميئة مذلة و مهينة لعصور الجواري و أسواق النخاسة و جااءت الصورة الأخيرة هنا (تترصد مفاتيح الصديد اجسادهن) بالغة الدقة في رسم المشهد الذي يعري الضمائر بنفس قدرتعرية أجسادا بريئة لا ذنب لها بل ربما تعري الضمائر أكثر
( أرض الغربان ) تعيدنا لصوت ( نعيق الغراب ) مفتتح القصيدة و عنوانها ثم مدخل القصيدة الذي يمثل أحد أضلاع الحصار لأصوات تستغيث و لا أحد يسمعها ...و أرض الغربان التي أتى منها الخليفة الجديد
هي الأرض التي شهدت أول قتل و أول مذبحة بين قابيل و هابيل و هذا تأكيد جديد من الشاعر على ما يحدث في الحاضر هو صورة معدة مسبقا لما حدث في الماضي

أ يا غراب السماء..
الا ترحم ...
فتدع اصوات الثكالى
تصعق اذان السماء
لترحم.. أم تلد ميت..فتموت.
عودة أخيرة للغراب ونعيقه االمستمر و كأن اللوحة حتى تصير لوحة موت لا يمكنها أن تبتعد عن هذا النعيق فهو ملازم لأرض الخراب
المناجاة هنا لا تتجه مباشرة للسمااء كما اعتدنا في حالة الحزن و الألم أن نتجه مباشرة للسماء و لكنها كانت لغراب السماء .. لماذا تتجه إليه المناجاة ؟ تجيب حروف الشاعر ذاتها حين نرى مضمون المناجاة هنا يتلخص في بعض الرحمة و الصمت و لو قليلا لتستطيع أصوات الثكالى أن تصل لمسامع السماء ... تلك الأصوت التي أشار إليها ضمن الأصوات الضائعة بين نعيق غراب و مذبحة قابيل ، علها تخترق بمواجعها و صرخاتها أذن السماء فترحم ، و هنا نقف أمام بلاغة التركيب لأن الشاعر وجد / أوجد سببا لصمم السماء عن ارسال رحمتها بأنه لا يصلها أصوات الثكالى من كثرة نعيق الغربان فتعيق الصوت أن يصلها و هذه دلالة مشهدية على كثرة ما تحوم حوله من جثث و أشلاء و بقايا أصوات صمتت للأبد
و لعل تعبيره شديد الغضب ( تصعق أذن السماء ) يبين لنا كم يحمل من غضب و حنق و وجع إزاء هذه مشاهد الموت الحي الذي يراه عيانا بيانا و الصورة التي يقدمها لنا هنا كقفلة للقصيدة شديدة الوجع لكونها واقعية حدثت بالفعل فكأن قلم الشاعر هنا عينا ثالثة ترصد حدثا شهدت عليه الأرض أم تلد ميتا فتموت و موتى يلدون موتى و نعيق غراب لا يصمت طالما قابيل يقيم مذابحه على شرف الخليفة
نص راصد لعين تعيش الموت بصنوفه فتؤرخ لكل هذا الوجع باقتدار و بلاغة

عايده بدر
9-9-2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية لإبداعك
سيمون خوري ( 2014 / 9 / 10 - 10:26 )
الاخت المحترمة عايده بدر تحية لك قصيدة جميلة ومعبرة نتمنى ان يبحث كل منا عن بقايا الانسان في داخله. اما كون الغراب هو أول معلم للإنسان فبئس هذا المعلم . وشخصياً اكره جداً هذا الطائر فقد شاهدته كيف يلتهم جثث آدمية في أحد البلدان الواقعة على البحر الأحمر. تحية لك ولجهدك .

اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي