الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (الجزء الثاني)

هبة عبده حسن

2014 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



تخيل أنك صقر يمكنه بنظرة جلية شاملة الإحاطة بالمنطقة الجغرافية التي حددها المقال السابق (من إيران إلى حدود ليبيا ومن سوريا إلى اليمن) غير غافل عن تخوم هذه المساحة الشاسعة (أفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وتركيا ثم شمال إفريقيا ووسطها وصولاً للقرن الإفريقي بصوماله وإريتريته وأثيوبيته) والبحار والخلجان التي هي منافذ وصول الطاقة الوفيرة الرخيصة التكاليف من نفط وغاز إلى العالم الغربي والذي اتفقنا أن إسرائيل هي رقم فاعل فيه (الخليج العربي الفارسي – خليج عمان – باب المندب – البحر الأحمر وقناة السويس وصولاً للبحر المتوسط)... إن ما يحدث في هذه المنطقة من تبادلات ومعارك بدأت من منطلق حماية المصالح - وتحولت إلى حرب تكسير عظام طاحنة - لا يخفى على أحد وخاصة الآن مع توافر المعلومات من عدة مصادر، ولكن الذي لم أقرأه أو أسمعه إلا من مصادر قليلة التأثير ومتناثرة هنا وهناك هو التبادلات الإيرانية السعودية على هذه الرقعة الشاسعة وهو شيء جدير بالملاحظة والتفكر ليس فقط من منطلق الجغرافيا السياسية والمصالح، على أهميتها القصوى، ولكن أيضاً من منطلق معين لن ينضب بدأ منذ ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة حول سقيفة بني ساعدة ومن غير المنتظر أن يجف إلاّ أن يظهر المهدي المنتظر ويعود ابن مريم!

تتعدد أشكال الصراع الإيراني السعودي (والذي يتخذ شكلاً دينياً شيعياً سنياً بالضرورة) على رقعة الشطرنج التي تتحكم بها إيران فتأخذ أحياناً أشكالاً إعلامية دينية خالصة (هناك قنوات تليفزيونية شيعية مخصصة فقط لأبحاث ومحاضرات حول مظلومية آل بيت النبي محمد وحتمية إعلان الولاء والبراء وولاية الفقيه)، هذه القنوات تستقطب عدداً لا بأس به من أتباع المذاهب السنية ممن تستقطبهم الرواية الشيعية من منطلق الفضول في البداية ولكن ينتهي الأمر بمعظمهم بإعلان تشيعه وذلك لأسباب عديدة أهمها في تقديري (عدا عن الإطار الأكاديمي الهادئ التي تقدم فيه الرسالة الدينية) أن المذهب الشيعي لا يحبذ مبدأ القتل على الهوية والذي أسمى لدى مذاهب سنية عديدة بالجهاد والذي عد فرض عين واجب (الفريضة الغائبة حسب شرح طلاب بن عبد الوهاب وكافة أتباع بن تيمية).

استخدمت إيران في استراتيجيتها على رقعة الشطرنج كذلك الديمقراطية الغربية كأحد أدوات الصراع وذلك في دعمها لمطالب الشيعة في دولة البحرين وعبر جماعة الحوثيين في اليمن وأيضاً عبر دعمها للمجموعات الشيعية في شرق السعودية وبالتأكيد فإن دورها في عراق مابعد صدام معروف للكافة. أما أكثر قطع الشطرنج الإيرانية نشاطاً وإنجازاً فهو جيش حزب الله ونجمه الساطع حسن نصر الله، الذي – تحت راية مواجهة العدو الصهيوني – يجوب لبنان طولاً وعرضاً برسم المقاومة تارة أو حماية للمشاهد المقدسة في سوريا تارة أخرى وكذا لا يخفى دوره المؤثر للغاية في السياسة اللبنانية. أما آخر قطعتي شطرنج لرسم ملامح الرقعة سياسياً ودينياً وديموجرافياً فهما سلطنة عمان (ذات الأغلبية الشيعية الإباضية) والتي استطاعت برشاقة فائقة الحفاظ على علاقات متوازنة وهادئة بين طرفي الصراع (إيران والسعودية)، وكذا حقيقة أن أكبر رجالات المال والأعمال في دول الخليج العربي (وأهمها الإمارات والكويت) هم من أصول إيرانية.

الأمر اللافت للنظر أن عدداً لا بأس به من قاطني المناطق التي تغطيها رقعة الشطرنج هذه تميل في الصراع الحالي (بشطره الديني) صوب الإسلام الشيعي وغير خاف بالتأكيد سبب هذا التوجه الذي يزعم بعض الملاحظين بأنه قد تحول إلى ظاهرة. ومع الاعتراف بالأغلبية السنية في هذه البلدان فالمتابع الدؤوب (وخاصة للقنوات الفضائية التليفزيونية المنطلقة من الغرب أو للجماعات المنشأة على شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك) سيلاحظ أن التشيع أصبح توجهاً لافتاً للانتباه وخاصة بين فئات الشباب. تقول إحصاءات مركز بن خلدون في القاهرة للعام 2013 أن تعداد الشيعة في مصر قد تخطى الأربعة ملايين شخص (ويقال أن أعداداً مماثلة قد تحولت إلى المسيحية أو أعلنت إلحادها، ولكن هذه مسألة أخرى).

من الواضح تماماً أن الاستراتيجية العربية (ذات القيادة السعودية المصرية) مستمرة في إقصاء إيران عن تعاون من الممكن أن يكون مثمراً... رغم الأهمية الكبرى لإيران كونها دولة عظيمة الشأن ذات عمق تاريجي واهمية استراتيجية ونسيج ديموجرافي متآلف، وكونها دولة منتجة ولديها مؤسسات راسخة وزخم بشري وعلمي وتكنولوجي. القاريء للتاريخ الحديث يمكنه فهم سبب هذا الإقصاء (وهو أمر سأتعرض لرؤيتي الشخصية له في الجزئين القادمين من هذا المقال) ولكن هل يمكن أن يأتي زمن نرى فيه شرق أوسط جديد متعاون تتحقق فيه مصلحة الجميع؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع