الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك العربي والدولة الداعشية: من زمن إلى آخر

محمد بوجنال

2014 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



في كل دراسة يكون للقاعدة المادية أهميتها والتي منها تمتلك المفاهيم وزنها وحمولتها خلال مرحلة تاريخية محددة؛ وبدون اعتماد ذلك نكون أمام الكلامولوجيا أو التغميض الواعي للبنية المجتمعية؛ وعليه، فللبنية المجتمعية العربية الراهنة قاعدتها المادية التي، في جدليتها مع القوى الرأسمالية الكبرى، أفرزت وتفرز نوعية زمانها وبالتالي درجة تخلفها أو تطورها.هذا الوضع، عندما نستدعي المنطق المادي، نجد صياغته في مفاهيم هي شبكة علاقات، ليست في حقيقتها، سوى هذا الوضع العربي الراهن مصاغا بشكل تجريدي. لذا، وتلافيا لتحويل الموضوع إلى طرح تاريخي، نطرح الوضع العربي الراهن محددا بمرحلتين: مرحلة الحراك أو ما يسمى مكرا بالربيع العربي، ومرحلة ما بعد الحراك أو مرحلة داعش.
فالعالم العربي كمساحة يتوفر على موارد طبيعية مهمة ومتكاملة حيث يوجد الذهب الأسود والأصفر والفوسفاط والبحار والأراضي الزراعية والثروة المائية والثروة الحيوانية والنباتية ناهيك عن الثروة البشرية. هذه الثروة المادية الهائلة، لحمايتها واستثمارها بالشكل الأنجع والتوزيع العادل والعمل على تطويرها وتوظيفها التوظيف المسئول للزيادة والرفع من نسبة النمو والتنمية، تحتاج إلى ما نسميه بالعقل العربي الملتزم؛ وبلغة أخرى، تكون الحاجة إلى القوى البشرية العربية الواعية بماضيها وحاضرها ومستقبلها وبالتالي بمستقبل أجيالها. إلا أن واقع الحال العربي حيث الوجود الفعلي للثروات المادية تلك يفتقر إلى الأداة الفعالة والثائرة دوما على مستويي النظر والممارسة والمتمثلة في العقل كفعالية واعية أو قل حرة ومسئولة بفعل انفصالها عن القاعدة المادية التي تسيطر عليها الدول الرأسمالية الكبرى وحلفاؤها المحليون الرجعيون. إن خطورة هذه الأداة عند حصول قاعدتها المادية وامتلاكها التكوين المستمر والحر، يتمثل في التهديد المباشر لمصالح القوى الرأسمالية الكبرى وحلفاؤها بالمنطقة، بخلق زمنها وبالتالي مفاهيمها؛ ومن هنا المتابعة الدقيقة لحركية العقل العربي إذ المصلحة السابقة الذكر تقتضي على استمرار عزله وتشكيله وتسليعه أو قل إسكانه بسجن رفيع المستوى والهندسة.
يعتبر ما سبق بمثابة المقدمات اللازمة للحصول اللازم للنتيجة الراهنة لضعف وتخلف ونكوص وفهم زمن العقل العربي؛ إنها نتيجة اقتضت مصلحة الدول الرأسمالية الكبرى وحلفاؤها الرجعيون التأسيس لها معتمدين كل أشكال القوة، حسب الوضع والحال: القوة الناعمة حيث الدبلوماسية والحوار وحقوق الإنسان وغيره؛ والقوة العسكرية عند مواجهة الدول المسماة بالمارقة والممانعة، والتركيب بين الاثنتين على شاكلة النهج المابعد حداثي كلما اقتضى الأمر ذلك. هكذا إذن، وبالسجن المحكم للعقل العربي، استحوذت هذه الأنظمة الرأسمالية منها والتابعة، على مختلف أشكال الموارد والثروات المادية العربية وبالتالي حرمان الشعوب العربية تلك من ثرواتها من جهة، ومن الاستقلال من جهة ثانية، ومن امتلاك القوانين الطبيعية والاجتماعية من جهة ثالثة، ومن الإبداع من جهة رابعة. إنه النهج المدروس في الزمن للحفاظ على امتلاك واستثمار المنطقة العربية من جهة، وتوفير واستقرار وأمن إسرائيل من جهة ثانية. إنه الزمن المادي الذي به تحددت أمية وفقر واستسلام العقل العربي وقناعته بدونية وجوده. لذا، لا نندهش ،في هذا الإطار، عندما تقدم الرئيس الأمريكي رونالد ريغن في الثمانينات باقتراح صنع قنبلة نووية لا يتجاوز مداها المنطقة العربية ليرتاحوا من هذه الكائنات البدوية وبالتالي التحكم الشرعي والمشروع في الموارد المادية للمنطقة، خاصة منها البترول؛ إلا أن الفكرة لم تحصل على الأصوات اللازمة للمصادقة والتنفيذ لتبقى وتستمر طبيعة العلاقة في شكلها الاستعماري والاستنزافي والتسليعي للعقل العربي ضمانا وتسهيلا لإلغائها المجازي؛ أو بلغة أخرى، الحفاظ على استمرارية وجوده في الدرجة الدنيا من الوجود الذي لا يختلف كثيرا عن درجة الصفر منه وبالتالي الدرجة الدنيا مكن الوعي. هذا هو الوضع المادي والشعوري القائم في العالم العربي زمن قبيل ما يسمى بالحراك: شعوب أمية، قدرات مقموعة، شعور بالدونية، مستوى عيش ضعيف، معاناة من الظلم والتسلط. كل هذه العوامل وغيرها كانت بمثابة الشروط التي حركت الشعوب العربية في شكل ما يسمى بالحراك حيث خرجت الجماهير محتلة الشوارع والساحات الكبرى مطالبة برحيل الأنظمة والمطالبة بالحرية والعدالة والعيش الكريم وبالتالي التأسيس لزمن متمرد. إلا أن نجاحها في الإطاحة بالأنظمة لم يكن سوى فرصة استثمرتها التيارات المضادة للثورة والتي أهمها التيارات الإسلامية الإخوانية والسلفية التي قامت بتحريف مسار الحراك نظرا لقاعدتها المادية القوية وتنظيمها المحكم واستعدادها المسبق وتحالفها المدروس مع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة الذي هو في نفس الوقت تحالف مع إسرائيل فأصبحنا أمام هيمنة زمن الثورة المضادة على زمن الثورة الغير مكتملة وبالتالي هيمنة المفاهيم الاستغلالية والرجعية على مفاهيم الثورات. هذا هو ما حدث في تونس ومصر الإخوانية؛ أما في غيرهما من الدول كليبيا وسوريا فقد اتضح هدف الدول الرأسمالية الكبرى إذ أصبحنا أمام غزو وانقلاب في ليبيا قاده حلف الناتو للتخلص من رئيس ممانع، وتدمير النظام السوري بإغراقه في الحروب والتقاتل بين الجماعات الدينية والطائفية والجيش المسمى حرا والمجموعات السياسية من قبيل الائتلاف الوطني السوري وغيره بأمر من أمريكا وبتدعيم وتمويل الأنظمة الرجعية المحلية؛ وبالمجمل التخلص من نظامين سياسيين طالما هددا، على الرغم من بعض سلبياتهما، المصالح المادية الغربية والعربية الرجعية.
هكذا، ودون الدخول في التفاصيل، تم الالتفاف على زمن الحراك العربي لصالح زمن القوى المضادة للتطور والتقدم بفعل قوتها وتنظيمها الماديين والمحكمين، فتم إذكاء النعرات القبلية والطائفية وخلق شروط الحروب والتقاتل والمذابح؛ والهدف واحد: المساهمة في تفتيت المنطقة تسهيلا لامتصاص ثرواتها المادية أكثر وهي زمن آخر، زمن ما بعد الحراك أو زمن المذابح كما سماه مطاع صفدي. تجسد هذه المرحلة الزمنية التقاتل والمذابح المتوحشة خاصة في العراق وسوريا متجسدة خاصة في الدولة الداعشية التي حظيت، كما سبق القول،بالدعم الأمريكي والتمويل العربي الرجعي لتستفيد وتسيطر فيما بعد على موارد نفطية بفعل توسعها في سوريا وشمال العراق. بهكذا وضعا، أصبحت الدولة الداعشية قوة لها وزنها وحساباتها على مستوى الميدان لنصبح أمام زمن آخر يوصف بالظلامية، عمل ويعمل فعلا على نشر مفاهيم ليست سوى الزمن الظلامي ذاك. وعليه، فهذا الوضع أصبح يفرض علينا طرح السؤال التالي: هل بالإمكان اعتبار الدولة الداعشية نظاما سياسيا مستقلا لها قاعدتها المادية و زمانها الذي يترجمه تصورها وبرنامجها لتدبير المجتمعات العربية الذي هو الزمن الجهادي الظلامي؟ أم أنها صنيعة خطة دولية لتفتيت وتدمير المنطقة، خاصة منها دول الممانعة والعمل على التأسيس الفعلي لزمن التقاتل والفوضى الدائمة؟ لا شك أن مجمل المؤشرات تبرز اعتبار الدولة الداعشية تنظيما دعمته وتدعمه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الرجعيون بالمنطقة وهو النهج الذي تعاملت به مع القاعدة وطالبان سابقا لمواجهة المد الشيوعي بأفغانستان. وفي هذا الصدد تقول بعض التقارير أن مباركة غزو الدولة الداعشية للعراق قد اتخذ على هامش قمة المجلس الأطلسي المنعقد بتركيا شهر نوفمبر 2013 للرفع من تفتيته وكذا العمل على الرفع من حدة النعرات المذهبية والقبلية وتوسيع ساحات الحرب داخل الجمهورية العربية السورية. وهذا يفسره التقدم الملموس على مستوى الميدان وهروب الجيش العراقي والاستحواذ على أراضي ومدن ومحافظات وموارد للنفط ؛ ناهيك عن التصريحات بغزو مناطق ودول أخرى. إنها إنجازات لا تتناسب وقوة وقدرة وتجربة هذه الجماعة بمعنى أن التنظيم الداعشي هو ، كما رأينا،بمثابة واجهة موظفة أساسا لخلق ظروف وشروط الفوضى الدائمة بالمنطقة.
وعموما ، ما سبق يؤكد أهمية القاعدة المادية في فهم ميزان القوى في المنطقة العربية وبالتالي مستوى وعيها كعقلية معزولة عن ثرواتها؛ لكن ما يثير الانتباه هو أننا أصبحنا أمام اختلاط الأزمنة التي منها الحداثية وما بعد الحداثية كما تمارسها الدول الغربية الكبرى، والرجعية كما يمارسها حلفاؤهم العرب المحليون، والظلامية كما تمارسها الدولة الداعشية وغيرها من جماعات السلفيين وبالتالي أصبحنا أمام مفاهيم تتقاطع حول المصلحة العامة وتختلف، في أجزاء منها حول التصورات السياسية. للأسباب تلك بدأت الدولة الداعشية، نظرا لتطور قاعدتها المادية وانتشار زمانها الظلامي، تتمرد بشكل ما على الدول الرأسمالية الكبرى وحلفائها الرجعيين؛ فكيف سيكون رد فعل هذه القوى الكبرى وحلفاؤها الرجعيين باعتبارهم الآباء المؤسسين للدولة الداعشية في المنطقة خاصة وأن حاجتهم إليها ما زالت قائمة.  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ