الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يتلاعبون بالإعلام والصحافة

عادل مرزوق الجمري

2005 / 8 / 16
الصحافة والاعلام



"يمكن لوسائل الإعلام الحرة أن تساهم في تحسين حال الدول والمجتمعات. لكن، لكي تتمكن من ذلك، عليها أن تقوم في أحيان كثيرة بعملية تحسين ذاتية"
" فريدريك شيك
" نائب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية

عادل مرزوق الجمري

لا يمكننا أن نستمر في السكوت على هذه المخرجات البشرية المتواضعة للجامعات العربية والخليجية، إذ أنه وخلال هذه الفترة الحساسة والمضطربة بالنسبة للمنطقة العربية، تلعب الكوادر الإعلامية دوراً رئيسياً في صياغة المرحلة سياسياً، هذا إذا ما إتفقنا أن للإعلام سلطة على المجتمع المدني يجب إحترامها والإهتمام بتنميتها.
خليجياً، لازلنا مبهورين بالتجربة المصرية في الإعلام، ولازالت جامعاتنا تستنزف كتب الستينات والسبعينات لأساتذة الإعلام المصريين آنذاك. وثمة ضحالة معرفية فارقة بين أبجديات إعلام اليوم، وإعلام ما قبل ثلاثين عام، إلا أن البعض من الإكاديميين العرب في تسير بهم دفة الخبرات "المجهولة" إلى مراهنة أكاديمية جديدة على مستوى الكارثية، قديمة على مستوى الأدوات، وهي صناعة الإعلامي الآلي، بمعنى أن تقوم المؤسسات الأكاديمية بإخراج كوادر فنية قادرة على ممارسة كافة أنواع العمل الصحافي والإعلامي، إلا أن هذه الكوادر تعتبر جاهلة بما تحمل وبما تنقله للناس من معاني ومحتويات، سياسية كانت، أو ثقافية، أو إجتماعية.
هذا النموذج الفارغ المحتوى، يمثل خياراً إستراتيجيا لمؤسسات الإعلام المؤدلجة، إلا أنه خطر محدق بالإعلام وأدواره ووظائفه المدنية. هذه النماذج غالباً ما يلتف المراهنون عليها، بإدعاء أنها أحدث نظم التعليم والإعداد الأكاديمي، إلا أن أبجديات التعليم الجامعي في الولايات أو أوربا، تذهب الى إنتاج كوادر بشرية ذات بعدين، بُعد المعرفة، بالإظافة الى البعد التقني والحرفي. ولا أدري منذ متى كانت جامعات الغرب تسير في هذا الإتجاه من التعليم الأكاديمي كما يدعي هؤلاء.
الصحفيون الجدد
اليوم، تبقى أقصر الطرق أمام الصحفيين الجدد الشباب، للظهور وإكتساب الشهرة، هي الإنسياق الأعمى للكتابة التقليدية في مسارين متضادين، فإما في صالح الدولة، وهم الصحفيون الجدد من طبقة المتملقين. أو الخروج عن هذا السياق لصفوف المعارضة، وغالبيتهم تقف خلف المعارضة لأجل المعارضة، فتجدهم ساسة "صغار"، يتلاعبون بالإعلام والصحافة عن جهل بالإعلام والسياسة في نفس الوقت.
الظاهر، أن الصحافي الخليجي عموماً لابد له من أن ينحاز الى أيٍ سلطة من السلط المجتمعية. حتى يكتسب رصيداً جماهيرياً يشفع لأسمه بالبقاء والتداول. أما الإعلام بوصفه سلطة وأداة ضبط إجتماعية لها جبروتها وسلطانها، فهو ما لم تسمع به آذان الصحفيين في جامعاتنا. لذلك فهو خيارٌ لا بيئة له.
ثمة ظاهرة جديدة للصحفيين الجدد وهي التسلق المباشر نحو القمة، عبر الخوض في الحقل السياسي مباشرة، فخريجو الإعلام اليوم، والذين لم يقرأو شيئاً في السياسة، أصبحت أقلامهم خفيفة جداً في تسطير المقالات السياسية السابرة والمحللة لكافة فنون السياسة والصراع المحلي او الدولي على حد سواء!!.
وتبقى صحافة الكشف والإستقصاء، وهي ركن التأسيس للصحافة المدنية وللصحافي المدني، تعتبر أبرز الأركان الغائبة عن صفحات صحفنا الخليجية. ولا شك في إمتداد وتفاقم هذه الإشكالية يوماً بعد يوم، ما بقى أعلاميونا حتى اليوم عاجزين فعلياً عن إدراك تعريف الصحافة؟ أو عن تحديد مهمة الصحافة؟، فالصحافة الخليجية عموماً والعربية نسبياً هي كالأجهزة الإلكترونية، كالتلفاز أو الهاتف، أشياء إستوردناها من الغرب، وإذا كنا في الغالب مستهلكين سيئين لتلك الأجهزة البسيطة، فنحن بلا شك مستهلكون سيئون للصحافة، على ما يبدو لي شخصياً.
صراعات الإعلام الجديدة
ويذهب براد كالبفيلد مدير التحرير في وكالة اسوشييتيد برس "قسم الإذاعة" الى أن إشكالية المعلومة الصحافية اليوم هي إشكالية "المصداقية والدقة"، ففي "عصر المعلومات التي لا يخلو منها مكان يتعين على المستهلكين أن يميزوا الغث من السمين، وأن يعرفوا كيف يستطيعون أن يثقوا في ما يرونه. وسيعتمدون بدرجة أكبر من أي وقت مضى على الممارسات الصحافية لمؤسسات الإعلام".
ويذهب كالبفيلد الى أهمية تغطية الأخبار بحرفية إعلامية وصحافية بالغة من أي وقت مضى، "بسبب تأكيد الأهمية القصوى للحصول على حقائق راسخة كالصخر". ويؤكد على أهمية الدور الذي يلعبه الصحفيون اليوم "يفعل الصحافيون أكثر من مجرد إحضار المعلومات إلى العامة. لقد انتقلنا من عصر المعلومات القليلة إلى عصر التخمة".
الحقيقة أن الصحفيين اليوم خاصة في هذه المرحلة السياسية العربية القلقة يلعبون أدوراً تاريخية، وإذا كانت الصحافة العربية في سبعينياتها وثمانينياتها أنجبت لنا أسماء نجحت في صياغة دور مؤثر للصحافة العربية تلك المرحلة، فالحالة اليوم هي أشد تعقيداً وخطورة، فالصحافيون "فارغو المحتوى"، والذين تتفنن أقسام وكليات الإعلام في تخريجهم، لابد من التصدي لأفعالهم التقويضية لسلطة الصحافة وتأثيرها الإجتماعي، وكذلك لابد لنا من مواجهة مؤسساتنا الأكاديميه بأنها "دون المستوى"، سواء على صعيد مناهجها النظرية، أو برامجها التدريبية على حد سواء.
لطالما كانت المعادلة في الصحافة الغربية، ان تكون الجامعات سلطة ضبط للمؤسسات الإجتماعية، إلا أن الواقع اليوم، هو أن الجامعات الخليجية تعاني من ترهل موغل في برامجها الإعلامية، وهي عاجزة أمام مسايرة واقع التجربة السياسية والإعلامية على أرض الواقع، قزامة المستوى الأكاديمي والمنتج العلمي، ثمة صورة مشوهة تنتجها مؤسساتنا الأكاديمية من الإعلاميين والصحفيين "الفارغين".
الزاوية الحرجة
الزاوية الحرجة في إعلامنا العربي اليوم، هي زاوية تحديد وظيفة الصحافة. لابد من محاولة جادة وجريئة من قبل رؤساء تحرير الصحافة الخليجية في تخطي كلاسيكيات الصحافة العربية، والتي تذهب إلى تحجيم الصحافة في دور الناقل للخبر "نظرياً"، أو ذلك الجهاز الترويجي لأفكار المؤسسات السياسية الجاهزة والمعولبة "إجرائياً". لابد أن تتخطى صحافتنا هذا الحاجز التاريخي نحو فضاءات جديدة من العمل الإعلامي الجديد.
كتب الأمريكي بوليتزر "أول من أسس كلية للصحافة في العالم، وتمنح شهادة سنوية بأسمه لأفضل صحافي أمريكي" يقول: "إن جمهوريتنا وصحافتها سوف تنهض أو تنهار في نفس الوقت. فالصحافة القديرة، النزيهة (المتجردة)، التي تهتم بالصالح العام، والمتمتعة بعقول ذكية مُدرّبة لمعرفة ما هو صائب، والتي تملك الشجاعة لتحقيقه، بإمكانها المحافظة على تلك الفضائل العامة التي بدونها تكون الحكومة الشعبية التمثيلية صورية، ومدعاة للسخرية. فالصحافة المتهكمة التي تُشكّك بالفضائل البشرية، سوف تنتج مع الوقت شعباً خسيساً مثلها. فسلطة صياغة مستقبل المجتمع الحر ستكون في أيدي صحفيي الأجيال القادمة".
وهذا بالتحديد توصيفنا اليوم، فنحن بحاجة الى صحافة نوعية متطورة وقادرة على الإنتاج النوعي المميز، وهذا ما يحدده الأمريكي "وليام ف" "أستاذ الصحافة المحترفة" بدعوته إلى ضرورة أن يتعلم الصحفي الذي يأمل العبور الى الصحافة المدنية كل من الموضوعات التالية: التاريخ، والعلوم النظرية، والأبحاث، وتشكيلة واسعة من المواضيع الأخرى. لكن لابد أن يعتمد تركيزها الأساسي على التجارب العملية، ان تعليم نقل الأخبار والكتابة لا يكفي. إذ أن المجتمعات الجادة في النهوض بحاجة إلى مدرسين ومدربين من حملة الشهادات العالية، قادرين على إدارة الأبحاث وتطوير النظريات في فن الصحافة. ولابد من قهر الصورة الذهنية عن التقاطع بين العمل الأكاديمي والتطبيقي، ولابد من قطع تلك الهوة بين الصحفيين والأكاديميين.
في صحافتنا الخليجية لدينا أسماء جديدة تتصف بالتميز والمهنية، إلا ان جميع هؤلاء يقرون بأنهم "صناعة ذاتية"، ويؤكدون ان المؤسسات الجامعية لا علاقة لها بصقل مواهبهم المكتسبة بالقراءة والبحث الذاتي. وهذا بالتحديد من تجده اليوم في "الكتب الصفراء"، والتي ترزح بها مكتبات الجامعات الخليجية والعربية، والتي تتواطؤ من الحرس القديم من الأكاديميين في كبح جماح نهوض صحافتنا اليوم، وتبقى تلك الروئ الإعلامية الحديثة في الإعلام بعيدة عن إعلاميينا، وبالتالي، عن أية إصلاح سياسي في تدور علاماته هنا أو هناك.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية


.. السداسية العربية تصيغ ورقة لخريطة طريق تشمل 4 مراحل أولها عو




.. آخرهم ترامب.. كل حلفائك باعوك يا نتنياهو


.. -شريكة في الفظائع-.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ-جلس




.. -اعتبارات سياسية داخلية-.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟