الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (3)

موسى راكان موسى

2014 / 9 / 10
العولمة وتطورات العالم المعاصر


:: تكملة ::

في الفصل الثالث / السمات الإقتصادية لعولمة الرأسمال :

(ثانيا) تعميق التمايز الأفقي و العمودي بين المراكز و الأطراف :

{ عمقت الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية التمايز بين المراكز و الأطراف و حكمت على بلدان كثيرة بالتخلف الإقتصادي و الإجتماعي و التبعية من خلال فرض الهيمنة المباشرة عليها و إستغلال خيراتها } .. و ذلك بالفعل ما كان يجري , لكن : { أما الرأسمالية في هذه المرحلة فقد أخضعت هذه البلدان بعد تحررها بواسطة إنشوطة الديون } , لكن هذه [الديون] لا تطال فقط دول الأطراف بل أيضا المراكز .. فهل الرأسمالية تخضع نفسها لنفسها ؟! .

{ يلعب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي دورهما كأدوات للرأسمال العالمي (...) من خلال وصفة التكييف الهيكلي الذي يفرض (...) سياسته الإقتصادية لمصلحة الرأسمال العالمي , بما فيها فتح الأسواق لإستيراد الأغذية و الأدوية الفاسدة و النفايات و الصناعات المضرة بالإنسان و البيئة و التسلح , فضلا عن الخصخصة التي لا تعني سوى بيع الإقتصاد الوطني للرأسمال العالمي , و تخفيض سعر العملة (...) و تخفيض نفقات الحكومة على الخدمات (...) و تشجيع إقامة الأنظمة الديكتاتورية أو إثارة الصراعات القبلية و الإثنية و الطائفية , التي تعرض شعوبها إلى مذابح أهلية أو حروب إقليمية تمكن الدول الإمبريالية من القيام بعدوان مباشر بحجة حماية الأمن و الإستقرار و حقوق الإنسان (...) فضلا عن ترويج تجارة السلاح } .

يبدو أن الدكتورة سعاد خيري ترى [الإقتصاد] العالمي [رأسماليا] .. و هو ليس كذلك و نستدل بذلك بنقاط أوردتها في طبيعة هذا النظام : (( تجارة السلاح )) .. (( تخفيض سعر العملة )) .. (( تخفيض نفقات الحكومة على الخدمات )) , أما فيما يتعلق ب (( الخصخصة )) فنحن نرى كيف أن الدول التي طردت الإستعمار و طردت شركاته و مصانعه هي ذاتها اليوم التي تنادي الشركات و المصانع لكي تستثمر لديها و تنشئ إقتصادا .. فتقوم بحملات إعلانية و تسهيلات خدماتية و .. و .. إلخ , و الواقع أن الدول هذه تلهث خلف تلك الشركات و المصانع عكس ما كان في الماضي من لهاث تلك الشركات و المصانع لتلك الدول , لكن بقية النقاط تبدو موضوعة بشكل تعسفي بغية الإستزادة من التهم أو بالأحرى الجرائم لإلصاقها بالرأسمالية [الحالية !] , و لو تم تناولها ضمن سياقات واقعة واقعية لكان تحليل الدكتورة مختلف و النقد وفق ذلك أيضا يكون .

{ الرأسمال العالمي في مرحلته الجديدة (...) إن دول المراكز تحافظ على هيمنتها على السوق العالمية من خلال هيمنتها على مراكز التمويل و المبادرة في الإنتاج الصناعي المتجدد و فائض المنتجات الزراعية , فقد بلغت الصادرات الصناعية للأقطاب الثلاثة (الولايات المتحدة , أوروبا , اليابان) إلى البلدان النامية (...) تشكل حوالي 20% من التبادلات العالمية لهذه الصناعات } .. إن الهيمنة العالمية بما يمثل 20% من التبادلات العالمية ليس بهيمنة , و الحديث هنا عام 1985 , و تضيف : { و بموازاة ذلك ظهور منتجات صناعية متطورة تصدرها مجموعة من البلدان النامية ذات النمو المتقدم , و يشير تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم عام 1995 إن صادرات الدول النامية زادت بمعدل 5% سنويا , إلا إنها لا تمثل أكثر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية } .

إن 5% و التي تمثل نسبة زيادة [[ الصادرات ]] للدول النامية ((سنويا)) نسبة ليست قليلة البتة في مقابل نسبة 20% لنسبة التبادلات العالمية للولايات المتحدة و أوروبا و اليابان مجتمعين [!] , لكنها تبقى لا تمثل أكثر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية , و هنا تتشكل غيمة من التساؤلات تختزل في الآتي : (( إن كان نمو صادرات الدول النامية يزداد سنويا بنسبة 5% في مقابل 20% من التبادلات العالمية للولايات المتحدة و أوروبا و اليابان مجتمعين .. لكن تبقى لا تمثل أكثر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية , إذا لماذا [ تصدر ] البلدان النامية إن كانت رغم زيادة صادراتها لم تتجاوز 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الغنية ؟! , و لماذا إكتفت البلدان الغنية بما يتمثل ب 20% فقط من التبادلات العالمية ؟! .. أوليس جوهر الرأسمالية كما تؤكد و تكرر الدكتورة سعاد هو [ السعي وراء الربح ] , لكن أين الربح من كل ذلك ؟! )) .

و تجدر الإشارة إلى أن (( الصين )) و دول شرقي آسيا هن المقصودات بالدول النامية في ما سبق .

و في سياق ذلك تضيف الدكتورة : { بقاء أداء الأطراف بالإجمال ضعيفا (...) سجلت الثمانينات إنخفاضا في دخل الفرد في معظم هذه الدول بسبب سياسة التكيف المفروض عليها و خدمة الديون التي تستحوذ على نسبة كبيرة من الدخل الوطني , دع عنك الإنهيار التاريخي لإقتصاديات النمور الآسيوية الأربعة : أندنوسيا و كوريا الجنوبية و تايلند و الفلبين } .

إن كل من (( سياسة التكيف المفروضة )) و (( الديون )) لا يطال فقط دول الأطراف أو النمور الآسيوية الأربعة فقط .. بل أيضا المراكز , و الغريب هو أن الدكتورة تنعى الإنهيار التاريخي لإقتصاديات النمور الآسيوية الأربعة دون أن تنعى إنهيار [ بريتون وودز ] و ما ترتب على ذلك من تغييرات (( كيفية )) في الإقتصاد العالمي .

{ فاللا مساواة في توزيع الدخل تتفاقم في جميع دول العالم , حيث أدى إندماج الرأسمال المالي في الأطراف بالرأسمال المالي العالمي إلى زيادة مدخولات الحكام و الفئات الطفيلية التي لا ترتبط مدخولاتها بالدورة الإقتصادية الوطنية إلا بقدر ما تقدمه من الخدمات للرأسمال العالمي على حساب شعوبها , و أدت الخصخصة إلى إعادة توزيع ثروة الشعب لصالح الطفيليين و البيروقراطيين و قادة و كوادر الأحزاب الحاكمة الأمر الذي عمق التفاوت الإقتصادي و الإجتماعي في هذه البلدان حيث يزداد الأغنياء غنى (...) و يزداد الفقراء فقرا } .

(( إندماج الرأسمال المالي في الأطراف بالرأسمال المالي العالمي )) [!] .. هل تقصد الدكتورة [العملة] ؟! , لكن على أي أساس تصفها بالرأسمال المالي سواء ((الأطراف)) أو ما تعتبره ((عالمي )) ؟! , هل العمل في القطاع المالي يدر إنتاجا سلعيا و فائضا فيه و بالتالي أرباحا بناء على ذلك ؟! , و بغض النظر عن [ قيمة المال ] شهدت الدول النامية مع بداية السبعينيات إرتفاع في دخلها .. ففي حين كان دخل رب أسرة في الشهر فيما قبل السبعينيات ما قيمته دينار و نصف الدينار تقريبا أصبح دخله في الشهر ما بين 100 إلى 300 دينار [!] , فزيادة المدخولات لم تقتصر على (( الحكام و الفئات الطفيلية )) بل حتى شعوبها _بغض النظر عن قيمة المال ذاته كيف أمسى من ذلك_ , و رغم أن القطاع المالي في مجمله هو جزء من القطاع الخدماتي لكن معني بالشؤون المالية إلا أنه هو الآخر يتلقى (( خدمات )) من تلك (( الفئات الطفيلية و الحكام )) لكي تزيد تلك الأخيرة من مدخولاتها [!] .. و هو صحيح لكن في ذلك تأثير على [ قيمة المال ] و إن كان يؤدي إلى زيادة في الدخل , و للتوضيح إن الخدمة لا تنتج سلعة : ( نقد – خدمة – صفر ) .. بالتالي ففي القطاع المالي فالخدمة تسلب النقد قيمته , فإن كانت مثلا [ الخمس دنانير ] تساوي ثمن سيارة .. فالسيارة تصبح تساوي ثمنا و قدره [ ثلاثة آلاف دينار ] .. فقيمة [ الخمس دنانير ] أصبحت تساوي قيمة [ ثلاثة آلاف دينار ] , وحده من يجهل [ القيمة و قانونها ] سيرى الغنى و الرفاهية في [ الآلاف ] .. و الحقيقة أن الإغتناء الحقيقي في قيمة [ الآحاد ] كما في ما قبل السبعينيات .

و ليست الخصخصة هي التي تؤدي إلى (( إغناء الإغنياء )) و (( إفقار الفقراء )) .. بل الأمر مرتبط بالعملة و إرتباطها بالعملة العالمية , فالدينار الذي كان يكفي سعرا لملجأ و طعام و لباس في شهر كامل .. أصبح بالكاد يسد رمق فقير في اليوم [!] , و الخصخصة على عكس ما تذهب إليه الدكتورة سعاد إنما يؤدي إلى تشغيل عدد ليس بقليل من أبناء تلك الدول التي يحكمها _كما تصفها الدكتورة_ الطفيليين و البيروقراطيين _و قد ذكرنا سابقا من يلهث خلف من في ما سلف فيما يتعلق بهذا الخصوص_ , و بتنا نرى أن الدول التي لا تلجأ إلى الخصخصة يتردى فيها الوضع الداخلي و يكون دخل الفرد فيها أقل _مرة أخرى بغض النظر عن قيمة المال_ , يمكن القول أن (( الخصخصة )) إنما لتلطيف الظروف و تحسينها ليس فقط لصالح تلك الشعوب و إنما للطفيليين و البيروقراطيين .. و إن كان هذا التلطيف و التحسين لا يتجاوز كونه [خمرة] تخفي حقيقة ما يحدث [للعملة الوطنية] فهي ترتبط أكثر بذلك مع النظام المالي العالمي من جراء التبادلات و التحويلات و غيرها من الإجراءات المالية .

{ و إذا إستطاعت الرأسمالية في مراحلها السابقة من تخفيف الفوارق في توزيع الدخل في مراكزها من خلال إستغلال شعوب البلدان الأخرى و تحت ضغط نضال شعوبها , فإنها في مرحلة عولمة الرأسمال التي جاءت بعد أن إستنفذت الرأسمالية كل إحتياطاتها و كل منافذ للهرب و صمامات الأمان و أتمت توسعها الجغرافي لم يعد ما تتغذى عليه إلا نفسها و إستنزاف عموم البشرية بما فيها شعوب المراكز } .

كل واعي للواقع العالمي المعاصر يعرف تمام المعرفة أن طبقة البروليتاريا هي طبقة مهمشة و هامشية قد أصبحت , و كل عارف لنمط الإنتاج الرأسمالي يعي أن طبقة البروليتاريا هي جزء منها و فيها .. و من خلال زيادة البروليتاريا و الضغط عليها في هذا النمط هي تحفر قبرها بيديها , و نمط الإنتاج الرأسمالي هو تعبير عن ذروة الإنتاج السلعي _فالإنتاج الرأسمالي هو تعبير عن إنتاج سلعي .. لكن ليس كل إنتاج سلعي تعبير عن رأسمالية_ , أما الخدمات و الإنتاج الذهني [الصفري] ففي زيادتهما و بروزهما على الصعيد الداخلي و العالمي فهما تعبير عن خروج على النمط الرأسمالي إن لم يكن فناؤه , أما (( التوسع الجغرافي )) للرأسمالية و الذي يتمثل بالشركات المتعددة الجنسية فهو [هروب] أكثر مما هو [توسع] , أما إن كان المعني (( القطاع المالي في عالميته )) فهو لا يعبر عن رأسمالية بقدر ما هو يعبر عن خروج حقيقي عن نمط الرأسمال .

أما (( لم يعد ما تتغذى عليه إلا نفسها و إستنزاف عموم البشرية بما فيها شعوب المراكز )) فهذا صحيح لكن لا مكان [ للرأسمالية ] في ذلك .. لأن الإنتاج السلعي يُستهلك رغم أنه لا يمثل السائد أو حتى النمط المُسيطر في مقابل [عدمية] الإنتاج الخدماتي / الذهني السائد و المُسيطر في هذا العصر .

{ كما يشير كاتب البحث John Cassidy أن أفكار ماركس و لا سيما (نظرية الإفقار) و ما أكده بأن الأرباح ترتفع أسرع من الأجور نعيشها اليوم و لذلك يصبح العمال أفقر و يزداد الرأسماليون غنى } .. مع كون العمال [ البروليتاريا ] في موقع مُهمش و هامشي سواء في المراكز و الأطراف , إلا أن نقطة (( الأرباح ترتفع أسرع من الأجور )) غير صحيحة .. فالأجور ترتفع أسرع من الأرباح , فالربح مرتبط بالقيمة .. فكما سبق الذكر _كمثال_ إن قيمة [ خمسة دنانير ] في الماضي تساوي [ ثلاث آلاف دينار ] في الوقت الحاضر , فالأجر يرتفع لكن الربح لا يرتفع , و لا ننسى دور الخدمات في سلب الإنتاج السلعي من قيمته سواء نفسه كسلعة [صنمية] و المال أيضا كقيمة نقدية [في تمثيله نسبية صنمية في المقابل] .

{ و على أطراف المدن الكبرى مثل واشنطن و نيويورك تنتشر أحياء الفقراء في أبنية مهدمة } .. لربما كانت الدولة العباسية هي الأخرى رأسمالية و نحن لا ندري فبغداد [العباسية] هي الأخرى إنتشرت على أطرافها أحياء للفقراء , و هذه نقطة من نقاط أخرى موضوعة بشكل تعسفي في رأسملة كل ما لا يعجبنا .. فليست كل (( أمية و جهل )) و (( فقر و مرض )) رأسمالية , لا أحد قال أن ذلك جوهر الرأسمالية و صفات خاصة لها أو فيها .

{ عولمة الرأسمال قد عمقت التفاوت بين المراكز و الأطراف (...) عمقت التمايز الأفقي و العمودي بين المراكز و الأطراف } .. و السؤال الذي يطرح نفسه : هل التفاوت بين المراكز و الأطراف أفقيا و عموديا هو [ عولمة ] ؟! .. فإن كان هذا العصر الذي نعيشه عولمة فلماذا العالم ما قبل ظهور الإتحاد السوفييتي [المركز الإشتراكي] ليس بعولمة و التفاوت كان أشد مما هو عليه اليوم أفقيا و عموديا و من كل زاوية ؟! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا