الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين سورية الدامية؟

خالد حسن يوسف

2014 / 9 / 10
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أرض سورية وشعبها كلاهما من العراقة والتميز الجميل, قيل أنها تمثل واحدة من أبرز وأقدم الحضارات الإنسانية، والوقائع تروي أن مجموعة حضارات متنوعة مرت على تاريخ سورية(الكبرى), قبل أن توضع تحت الانتداب الفرنسي في 1920 مع مؤامرتي سايس بيكو وسان ريمو, حين بعترث الى أشلاء, ويمكن القول أن هذا التنوع الحضاري والموقع الاستراتيجي المميز قد جلب الاطماع والكوارث المستمرة على أرض سوريه تاريخيا.

وبعد تمزق اللحمة السورية الى أشلاء قطرية هي فلسطين, الاردن, لبنان, سورية القطرية وظهور هذه الدولة القطرية في عام 1946والتي أصبحت ككيان سياسي استراتيجي واقع محل اطماع خارجية، وهو ما جعل سورية الدولة على مرمى حالة الاستقطابات السياسية ما بين الغرب ممثلاً في فرنسا, الولايات المتحدة الامريكية، ومن جانب أخر الاتحاد السوفيتي لاسيما عبر حلفائه الإيديولوجيين ممثلين في اليسار السوري الذي تقدمه كلاً من حزبي العربي الاشتراكي والشيوعي, ووصولاً الى عام 1947 مع ظهور حزب البعث العربي والذي أندمج مع العربي الاشتراكي وهو ما أسفر عنه ظهور حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1952, والذي غير فيما بعد مجرى الحياة في الدولة السورية إيجاباً وسلباً.

ولقد كان صعود احزاب البعث العربي الناصري والحزب الشيوعي السوري, إيداناً لتراجع الحياة الحرة، وقيم التسامح الإجتماعي والتأسيس لظهور حالة الغول الإيديولوجي في أحشاء المجتمع السوري ما بعد الاستقلال, وكانت شريحة التجار وأحزابها ممثلين بحزبي الوطني والشعب الليبرالي المحافظ, مثلوا القلعة الحصينة أمام تقدم تلك القوى السياسية, وعلى الجانب الآخر كان صعود الإخوان المسلمين السوريين بدوره عامل تحدي للقوميين والشيوعيين العرب في سورية.

وفي ظل حالة الحراك السياسي للأحزاب السورية, كان التحدي الأكبر لهذه القوى تمثل في مصر الناصرية والتي فرضت على هذه القوى أن تحل ذاتها في سبيل المشروع الوحدوي الناصري, والذي كان قد أشترط حل كل الأحزاب السياسية في سورية ودمج فعالياتها السياسية في الاتحاد الاشتراكي الذي كان الرئيس "جمال عبدالناصر" أسسه آنذاك.

وخلال الفترة من أواخر عهد الخمسينيات ووصولاً الى العام 1963 ظلت سورية في ظل حالة تخبط سياسي بفعل تراجع وفشل تجربة الوحدة السوريه-المصرية, بينما كان العام المذكور إنطلاقة سياسية للجهد التاريخي لحزب البعث العربي الاشتراكي, في الوصول الى السلطة السياسية في سورية, وبالتالي التأسيس لحالة الشمولية التي سادت هذا البلد منذ العام المشار إليه وحتى الحاضر.

فقد شهد ذلك الصعود الى بروز الكادر البعثي العسكري على حساب مثيله السياسي والمدني, وهنا كانت البدايات الحقيقية لظهور حالة الاستقطابات الجهوية والمذهبية التي تجلت بوضوح فيما بعد, إذ تم الصراع على المؤسسة العسكرية السورية, والتي أنتهت الى أن تقع تحت قبضة مجموعات الساحل السوري (العشائر العربية ذات المذهب العلوي)، كما أدى الصراع ما بين أجنحة النخبة البعثية لهذه العشائر الى أن حسم الفريق حافظ الأسد, أمره مع رفاقه السابقين ومنهم صلاح جديد ومحمد عمران, وذلك عبر إخراجهم من صدارة القيادة عبر التكتل السياسي خلال الفترة 1966-1968 وبصورة نهائية مع حلول عام 1970 .

ومنذ هذا العام أتخد المسار السوري وجهة وحيدة قادها حافظ الأسد والموالين له من نخب البعث, الحزب الوحدويين الاشتراكيين, الحزب الشيوعي السوري, الحزب الوحدوي العربي الناصري, وغير ذلك من مجموعة أحزاب تكتل الجبهة الوطنية التقدمية والتي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي, كما انشئ سياج واسع لتحالف قوى إجتماعية نخبوية من علويين, سنة, دروز, مسيحيين, طبقة رجال الاعمال, تكنوقراط مؤسسات الدولة, كوادر المؤسسة العسكرية والأمنية ومجموعة من شيوخ العشائر.

وهو ما أسفر عنه خلق نسيج سياسي, إقتصادي وإجتماعي ظل يستند اليه النظام في عملية بقائه خلال الفترة 1970-2012 عام إنتشار الثورة السورية, ونتج من شبكة العلاقات هذه تشكل قوة النظام السياسي وعدم القدرة على اختراق بنيتة السياسية والعسكرية, بالاضافة الى سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على منظمات المجتمع المدني من طلاب, الشبيبة, النساء, اتحادات العمال والفلاحين والنقابات المهنية وغير ذلك, وهو ما أفرز بنية شمولية من طراز فريد.

ونتيجه لغياب الحريات المدنية وضعف واقع حقوق الإنسان السوري وتراجع القدرات الإقتصادية للبلد, بالاضافة الى ضبابية القضايا المصيرية التي قدم شعب سورية التضحيات البشرية والمادية لأجلها منذ عام 1948, والتي تم إختزالها فيما بعد بمرتفعات الجولان السوري المحتل في عام 1967 , وفشل النظام في إدارة الملف اللبناني(اثناء سيطرته على هذا البلد), وعدم قدرته على حل اشكالية هوية المجتمع السوري بجانبيه العربي والكردي, إذ أدت كل هذه المعضلات الجسام الى ترهل بنية النظام, وإنفجار رغبة المجتمع في حدوث التغيير الثوري بعد اليأس من بروز حالة تغيير من احشاء النظام ذاته.

وفي سورية تم القضاء على الكثيرين من أبنائها تحت مبرر إنتصار الثورة وحمايتها من الاعداء الداخليين والخارجيين ومن هؤلاء اليسار السوري, الإخوان المسلمين, الحركة الوطنية الكردية, الديمقراطيين واليبراليين, كما أن بعض هذه القوى ذاتها كانت ذات مشروع إنقلابي سلطوي, مع إستثناء الحركه الكردية والتي تمثل مطالبها ذات أبعاد إنسانية حقيقية تعاني منها هذه القومية, في ظل كل الجغرافيا التي تتناثر حولها, بالإضافة إلى تضرر الديمقراطيين والليبراليين.

وأمام واقع الثورة والتغيير الذي لم يتفهم النظام السوري لغته وابعاده, كانت الإجابة على مطالب مثل هذا الحراك, من خلال استعمال القبضة العسكرية والامنية والتي أسفر عنها قتل عشرات الآلاف من الابرياء السوريين واطلاق الآلة الجهنمية المسلحة لذفن ثورة الشعب السوري, وفي ظل حالة عدم مسؤولية من قبل النظام لمصير حاضر الشعب السوري ومستقبله على كل الاصعدة, مبدداً كل أماني الشعب والعرب, والسعي المنظم الى جر البلد الى مستنقع الحرب الاهلية, والتي لا يجني ثمارها سوى قوى التطرف الديني, المذهبي, العرقي وإسرائيل.

وهذا ما يفرض على مجاميع المعارضة السورية السياسية والمسلحة, على تغليب مصلحة الشعب السوري في الثورة والوحدة الوطنية, والارتفاع الى مستوى المسؤولية السياسية في سبيل تجنيب البلد التمزق وخلق مجموعة من الكيانات السورية المجزأة, وتجنب إعادة سايس بيكو الى الذاكرة السورية في هذا التوقيت المحرج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الكينية تطلق الغاز المسيل للدموع على مجموعات صغيرة من


.. شاهد: تجدد الاحتجاجات في نيروبي والشرطة تفرق المتظاهرين بالغ




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: أي سياسة خارجية لفرنسا في حال


.. مخاوف من أعمال عنف في ضواحي باريس بين اليمين واليسار مع اقتر




.. فرنسا: تناقضات اليمين المتطرف حول مزدوجي الجنسية..وحق الأرض