الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح العربي, ونقد خطاب التأصيل

علاء عبد الهادي

2014 / 9 / 11
الادب والفن



جاء حكم من ذهبوا إلى أن العرب لم يعرفوا فن المسرح, إلا بعد دخوله على يد مارون النقاش 1847م, أشد تسرعا واندفاعا ممن أرادوا إثبات وجود هذا الفن في تراثنا العربي.
أوضحنا في مقال سابق أن المسرح ليس اختراعا إغريقيا, وأن معظم شعوب العالم, قد عرفت نظائره على نحو أو آخر, وقد انقسم من عالجوا هذه القضية النظرية من النقاد والباحثين المسرحيين إلى فريقين؛ فريق رأى أن العرب عرفوا مظاهر مسرحية, أو بذورا, أو إرهاصات... إلى آخر تلك الأسماء التي تفتقد الحسم, وذلك دون أن يقدم هؤلاء مفهوما نظريا مختلفا عن المسرح بصفته نوعا, بل إن من عالج منهم مسألة النوع المسرحي قبل الحكم على وجود المسرح العربي من عدمه في تراثنا وموروثنا العربيين رجع في استشهاداته, وتعريفاته, وبنيته المفهومية إلى خطاب نظري أوروبي النشأة والبناء, قام على معاينة واقع مسرحي في بيئة ثقافية مختلفة بنائيا عن بيئة ثقافتنا العربية, وانقسم هذا الفريق إلى قسمين, الأول اهتم بقضية معرفة العرب لفن الدراما, باحثا عنها في نصوص تراثية, أو ميثولوجية, وتعامل القسم الثاني مع ظاهرة العرض مباشرة, بصرف النظر عن وجود نص درامي يسبقه, ولن نعدم من خلطوا بين الحكمين, بحيث أصبح وجود الدراما في نص من نصوصنا التراثية, دليلاً على معرفة العرب لفن المسرح!
أما الفريق الآخر الذي ذهب إلى أن العرب لم يعرفوا فن المسرح, إلا بعد دخوله على يد مارون النقاش 1847م, فقد استندت أحكامه على تجليات النوع المسرحي بمفهومه الجمالي الغربي, وما يظن أنها أصوله, مع إسقاط المفاهيم الحديثة التي بلغت أعلى أطوار نضوجها الفني, وانتشارها, عند الحكم النوعي على نظائر المسرح العربي الموجودة في تراثنا وموروثنا العربيين, دون الانتباه إلى أن غياب كلمة مسرح بمعناها الفني عن معجمنا الأدبي –إلا حديثا- لا يعني غياب ما تدل عليه هذه الكلمة في الواقع.
وأقتبس هنا من محمد يوسف نجم في واحد من أهم كتبه, وأكثرها ذيوعا وتأثيرا, اقتباسا دالا على منهج هذا الفريق الرافض لوجود مسرح عربي سابق على مسرحية مارون النقاش 1847م, يقول نجم "إذا أردنا الحديث عن المسرح بوصفه فنا له أصوله وآدابه, علينا أن نسقط من حديثنا ألوان الملاهي الشعبية التي قد تحوي مشابهات مع هذا الفن ولكنها تختلف عنه اختلافا جذريا, إذ لابد من التحديد الدقيق, والذي يهييء لنا تميز هذا الفن عن غيره من ألوان التسلية الشعبية", ولم يقدم الباحث في طول كتابه وعرضه هذا التحديد الدقيق الذي نستطيع به -على مستوى النوع- إقامة التمييز الذي أشار إليه!
يثير هذا الحكم القاطع عددا من الأسئلة التي يصعب غض الطرف عنها أهمها: ما الحدود التي يصح بها الانتساب إلى هذا الفن في رأي نجم, هل هي حدود المسرح الإغريقي التي هشمها عدد كبير من الاتجاهات الفنية فيما بعد, واختلف معها عدد أكبر, وأثبت آخرون أن هناك عددا كبيرا من فنون الأداء العالمية التي لم تخضع لجماليات المسرح الغربي رغم انتمائها إلى المسرح وفق ما نجده في تقاليد المسرح الهندي, والكوري, والياباني...إلخ! ألا يحق لنا أن نسأل لمَ أسقط الباحث -بجرة قلم- ألوان الملاهي الشعبية العربية, وقد أشار إلى تشابه بعضها مع الفن المسرحي في بداية عبارته, ثم أشار إلى اختلافها اختلافا كبيرا في نهاية عبارته, من دون أن يحدد هذا أو يؤسس لذاك! ألم تكن نظائر المسرح في أشكاله الغربية الأولى شعبية مثل الديثرام, عربة ثسبس...إلخ.
على النحو ذاته يقدم محمد مصطفى بدوي حكمه في هذه المسألة في كتابه المنشور باللغة الإنجليزية (الدراما العربية الحديثة) يقول بدوي "إنه من الحقائق الراسخة أن الدراما العربية الحديثة قد استعيرت من الغرب على نحو فردي عن طريق مارون النقاش في لبنان عام "1847", ويعقوب صنوع في مصر "1870". أكان أول دخول للدراما –في الوطن العربي- على يد مارون النقاش حقا؟ أم عرف العرب الدراما في كثير من نصوصهم الكلاسية وأدبهم الشعبي؟ أم كان قصدَ بدوي بالدراما -في عبارته تلك- النصوص المعدة للتمثيل فحسب؟ ولِمَ يغض بدوي الطرف عن أن الدراما تدخل في فنون عديدة غير المسرح؟ وهو مثال آخر عن فساد منطق الحكم.‍
ويذهب إلى الرأي ذاته عبد الرحمن ياغي قائلا "والحق إن الدارسين الجادين في هذا المجال قد أجمعوا على أن الجهود المسرحية في هذا الإطار, وعلى هذا النحو الذي ظهرت فيه في البلاد العربية, كانت جديدة كل الجدة, بل لم تجاوز النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى الوراء بكثير‍!" ويضيف أنه "في ظل هذه المناقشات, نستطيع أن نطوي الصفحات التي قيل فيها ما قيل حول أهمية خيال الظل وأهمية الأراجوز, وأهمية صندوق الدنيا, ونتقدم بجرأة نحو مسارب الجهود المباشرة التي شقها رواد المسرح العربي منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر" ولمْ يذكر لنا الباحث, لِمَ استثنى أكثر من أربعة عشر شكلا من شكول الأداء الفني, أشرنا إليها في مقالنا السابق, لها حضورها القوي والمؤثر في ثقافتنا, وتحتاج إلى مناقشة علمية دقيقة لحسم انتمائها من عدمه إلى المسرح.
وترى حياة جاسم محمد "أن ما وجد في تراثنا من ظواهر قد تضم بعض العناصر المسرحية ليس مسرحا!" ثم تسأل "لماذا نُصِر اليوم على مسرحة ما لم يكن مسرحا؟ وعلى بعث مسرح عربي جديد من مسرح عربي قديم لم يوجد أصلا"! ترى, هل يمكننا قبول هذا الحكم النقدي السهل الجامع المانع هكذا! دون أن نسأل الباحثة عن مفهومها عن النوع المسرحي الذي يبرر لها هذا النفي بكل هذا اليسر والثقة!
ويذهب محمد مسكين إلى أن من رأى من النقاد في هذه النصوص أو المظاهر مسرحا عربيا, لا يعدو أن يكون في حقيقته نوعا من التبرير, مؤكدا أن المسرح نما, وترعرع خارج التربة الأصلية للتاريخ العربي (...) وأن جل الدراسات التي حاولت التأريخ للمسرح العربي قد سقطت في هوس البحث عن الغائب, وحين لم تجده, بحثت عن ظلاله (...) وأن هذه الدراسات (...) لم تبحث عن تاريخ للمسرح العربي إلا بهدف الاحتماء, وأن هذا التاريخ هو تاريخ عاطفي لا يعبر عن منطلقات واقعية عقلانية"...إلخ. وهو حكم يبدو في مظهره منهجيا وجادا, رغم مايحمله في نتيجته من فساد, بل إن هذا الكلام لا يزيد على محض رطانة, كونه غير مسبوق بتأسيس, أو قائم على استدلال..
لقد طرحتُ هنا قصدا عددا من آراء منظرين, وباحثين مسرحيين أنكروا وجود مسرح عربي في تراثنا, وموروثنا العربيين, لأعيد طرح ما أسقطته هذه الأحكام من أسئلة, ولأوضح أن جزءا مهما من الخطاب النقدي الذي شكك في معرفة العرب لفن المسرح في تراثنا وموروثنا الممتدين, قد قام على منظور النقد الغربي للعمل المسرحي, فتعامل مع أصل النوع –أو ما يظن أنه كذلك- بصفته النوع ذاته, الأمر الذي جعل عددا من جهود الباحثين النقدية -عند تناولها للفنون الأدائية لشعوب لم تعرف المسرح في شكله الأوروبي- شديدة الميل إلى التعامل مع هذه الأعمال بوصفها أعمالا بدائية تخلو من الوحدة, وتفتقر إلى النظام, ولايقبل الرأي العلمي صحة انتمائها إلى النوع المسرحي!
* (شاعر ومفكر مصري)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة