الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسطيح السياسي ومخاطره

عبدالله خليفة

2014 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



لم تستطعْ الحركاتُ الفكرية الاجتماعية في شبهِ الجزيرةِ العربية أن تقدمَ أجوبةً عن أسئلةِ التاريخ الحديث المتصاعدة، حتى على مستوياتِ العقودِ القريبة، ففي الوقت الذي عجزتْ فيه الدولُ العربية الأكثر تطوراً من دول الخليج عن فعل ذلك، فكيف تستطيع ثقافة الخليج أن تقوم بهذا؟
هزيمة الليبرالية العربية من خلال الشموليات العربية المتعددة لم تعطِ مجالاً لقوى قديمةٍ أو جديدة أن تكون قادرةً على تشكيل ديمقراطيةٍ أوليةٍ في الأجهزة السياسية سواءً كانت دولاً أم حركات.
ليس امتحان الحركات الدينية المحافظة وتغلغلها بين الجمهور إلا دليل قوي على تدهورِ العقلانية العربية، وغياب الديمقراطية، وتلكؤ عملية التنمية، وفشل قوى الثقافة أن تنشرَ تنويراً أو تحديثاً بسيطاً.
لقد عبرَ صعود هذه الحركات عن وضعنا الحالي، فلا يجب أن ينسحبَ أي طرفٍ من المسئولية، ويقول لقد نبهتكم وقلت لكم وما إلى ذلك من تبريراتٍ ليس فيها أي فعل ملموس عميق قام به هذا الطرف.
إن الثورات العربية التي وقعت في بلدانِ الوحدةِ الوطنية أبعدت القوى المذهبية المفتتة للصفوف وبدأت تاريخاً آخر.
ومنطقة المشرق العربي مؤسسة الفرق والمذهبيات السياسية لها شأنٌ آخر تماماً، فبلدان الصراعات الدينية السياسية بحاجة إلى مسارات أخرى من التوحيد الوطني النهضوي المتدرج المتصاعد.
لقد هُمشتْ المجموعاتُ الليبرالية والتنويرية بشكلٍ مخيف في مجتمعاتنا، وأثرَّ تركيزُها على العمل التجاري الاقتصادي العام على التحرس من الدولِ الكبيرة المهيمنة على الأسواق والحياة السياسية والاقتصادية العامة.
أما اليسار فهو كائنٌ مسحوقٌ لا نستطيع أن نلومه لكثرة الجراح التي أُصيب بها، وبقاياه لم تقدرْ أن تشكل سياسة اجتماعية مؤثرة فسارت مع ما هو طافحٌ.
فحين تظهر مطبوعاتٌ له وتحصلُ على قراء ويكون له كتابهُ ومثقفوه القادرون على نشر ثقافة تنويرية ديمقراطية وطنية توحيدية، حينئذٍ نستطيع أن نلومه. أما وهو لا يستطيع أن يطبع أوراقاً وكتباً وقد نزفَ من أشلاءِ المناضلين والشعراء والكتاب والفنانين وصار عاقراً منهم وانتشر بينه بسطاء عاملون شبه أميين فكيف يمكن أن يؤسسَ ثقافةً تنويرية؟!
وفي ذات الوقت فإن المذهبيين السياسيين الشموليين مفتوحة لهم كل الساحات، وعبر إعادةِ إنتاج الكتب الدينية القديمة، ونشر الخطوط العريضة الأسطورية، منها القائمة على قصص وتواريخ قديمة مؤثرة رمزية وأمثال شائعة وأقوال مسطحة والسيطرة من خلالها على الجمهور البسيط، ثم رفد هذه الثقافة الشعبية بخطوطٍ سياسيةٍ دكتاتورية مؤدلجة لكل فترة، فإن الجمهور الواسع صار تحت هيمنة محافظة خطيرة تقوده إلى الوراء التاريخي، بحيث لا يستطيع إلا أن يتوجه نحو دول دينية شمولية تعدهُ للمذابح، ويجافي الدول العلمانية منقذة إياه من المصير الرهيب الذي ينتظره.
إن هذه الثقافةَ المقطوعة الصلات بالحداثة والتحليل السياسي الموضوعي تجعلُ الجمهورَ مخدراً مستعداً للانقلاب السياسي الخطر على معيشته وسلامته وتقدمه، بل إنه حتى هؤلاء (المثقفين) يصبحون فقاعات سياسية مع الشحن والتأثير المسرحي الكبير.
إن اختطاف جمهورنا إذن كان من خلال أفعال متباينة لكنها متساوقة متداخلة. ثمة دوائر تتكامل: العجز عن تغيير معاشه، وجعله في بُنى اجتماعية اقتصادية جامدة، وبغياب التنوير، وسيادة ثقافات الجهل من جهة وثقافة التسطيح من جهة أخرى تتشكل ظاهرة الردة المضادة عن الوطن والعقلانية والتقدم.
إن ثقافةَ التسطيح هي المكملة لثقافة التخدير، ثقافة التسطيح هي الأقوى، عبر تصعيد قوى لا تدري بشيء مما يجري في الأعماق، مقطوعة الصلة بتاريخ المنطقة وصراعاتها الاجتماعية وأدبها وفنونها ومذاهبها، فهي لا تدري حتى بأعماق الإسلام الذي تجري الصراعات السياسية والاجتماعية المعاصرة في حياضه لاستخدامهِ في السياسةِ المضادة للعصر والديمقراطية، ثم يقوم السطحيون بقيادة الإعلام والثقافة والتوجيه المعنوي ويشكلون البناء الروحي للمنطقة غير قادرين على مقاومة الاختراقات الطائفية والعنفية أو قراءة مجمل هذه اللوحة المعقدة الاقتصادية – السياسية - الثقافية.
وتتداخل مع هذا توجهات المغامرة الفوضوية، فالقلة من المتعلمين السياسيين الدائخين في بحر الأمية والضغوط والآهات الاجتماعية والأعمال الاقتصادية الجيدة كذلك، انقطعوا أو قُطعوا عن القراءة، القراءة العميقة المنتجة، وبالتالي انفصلوا عن القدرة على تكوين عقلي تحديثي نقدي مستقل، فحين نطالع شخوص اليسار المراهق نجد عدم العودة إلى المراجع وغياب الدرس واستعمال الجملة السياسية المتفجرة المقطوعة السياق عن التحليلات العميقة للمجتمع والأمة العربية والأمة الفارسية (تحت قيادة الدينيين المحافظين) باعتبارهما مركزي الصراع السياسي الراهن في منطقة الخليج. وينحازون إلى الثانية من دون دراية مع الانقطاع عن التاريخ القومي العربي ومنجزات الوعي القومي السابق.
فهذه الأصوات تركز على نفخ الآلام الشعبية الجزئية وتحويلها إلى كل اللوحة الاجتماعية، ثم لا تجد سبيلاً إلى حلها سوى الانفجار، أو يجري استعراض الآلام السياسية القديمة واجترارها، وتداخل عذابات المناضلين السابقين بالرموز الدينية فتجري احتفالات متشابهة، وتتداخل خطابات الطائفيين مع خطابات (التحديثيين) والمناخُ العامي يسيطر على هذه الفرق، وترى كذلك عدم القدرة هنا على معايشة الواقع الراهن، وتحليله والبحث عن مسارات تطور ممكنة معقولة فيه، وكأن الأمل مقطوع بسبب هيمنة الماضي.
والمشترك بين هؤلاء هو العجز عن تحليل الإسلام، وهو جوهر التاريخ الماضوي، فالطائفي غير قادر على فهم الإسلام، ولو فهمه ما كان طائفياً، أما اليساري المغامر فإن الأديان والبشر هم مجرد أدوات في تكتيك النمو والهيمنة على الآخرين نحو سلطة الدكتاتور الفذ.
إن ثقافة التسطيح المسيطرة على الواقع الإعلامي غير قادرة على تحليل هذه اللوحات المركبة، ومن هنا يعاد تجديد الأزمة في كل عشر سنوات أقل أو أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا