الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداولية ثلاثية الرب والمعرفة الخلفية قراءة في قصص حسين رشيد

مثنى كاظم صادق

2014 / 9 / 11
الادب والفن



تنهض هذه القراءة ضمن سياق التداولية التي تعرف على أنها ( علاقة اللغة بمستعمليها إذ تنظر التداولية إلى اللغة على أنها خطاب وظيفي ذو فعالية إجرائية مع المتلقي ). إن التداولية بدأت تأخذ مدياتها اليوم في الأجناس الأدبية ، ولاسيما السرديات بعدما بات القاص لا ينتج نصه ؛ لإمتاع المتلقي فحسب بقدر ما يروم تغييره ؛ لذا كان ارتباطها بالحجاج وثيقا . ثلاثية الرب صياغة جديدة للقصة القصيرة جدا يقدمها القاص المبدع حسين رشيد في جريدة العالم العدد 1092 أقول صياغة جديدة ، في هيكليتها ، ومحتواها في التشكيل ؛ لأن العنوان ( ثلاثية الرب ) يتفرع إلى ثلاث عتبات نصية تدوس على أرضية واحدة ، وهي إشكالية فهم الرب ضمن المتداول الشعبي المشطور ، بحسب فهمهم إلى ( صيام / عذاب / خلاف ) على أننا نشير هنا ، إن كل نص منفرد عما سواه ، لكن يتكامل مع تاليه أو سابقه ، إذ يفتح لنا القاص بابا جديدا في القصة القصيرة جدا ؛ لتتجلى تداولية السرد في هذه النصوص حول الذات والآخر ؛ لكشف حجم الصراع اليوم المحتدم وتموضعه بنقل صورة التفاعل الحواري . إن هذه القصص تدرس إطار البحث عن الهوية لا هوية الذات بل هوية الآخر غير القابلة لهوية سواه . يعالج القاص في نصوصه منطقة جريئة تعد من التاوبوات الحساسة في النقاش ( الدين / السياسة / الجنس ) وعلى وفق المنهج التداولي تكون اللغة المستعملة بين الناس ذات كمون نفسي ، ضمن سياقها المقامي وارتباطه في العلاقة الصيغية ، وانتظامها إذ ترتبط الكلمات بالأشياء ، ففي القصة الأولى ( صيام ) يعالج القاص إشكالية محاولة فرض الطقس الديني على الآخرين ، ولاسيما أن التداولية تمكننا من التحدث عن مقصدية الناس من خلال سلوكهم ، واستعمالهم للغة كما في هذا النص ( بالنسبة له إنه الأول من رمضان دخل ، وهو متهجم الوجه يشكو من السهر وهي علامات أو إشارات عليكم أن تنقلوني اليوم كوني صائما ، وكأنه صائم لنا ) إذ إن مقام الكلام كان صورة مشهدية مألوفة في الواقع ، وقد ألمح في النص أن حول سلوكيات تحيل إلى مرجعية التدين الشكلي لا السلوكي ، ومثل هؤلاء يعرفون بميلهم الشديد إلى الاتصال بالآخر ؛ لفرض آرائهم عليه ويتم ذلك عن طريق الموجهات وهي ما يسمى في المنهج التداولي بأفعال الكلام ، التي تجعل من الآخر ينجز عملا صوتيا أو سلوكيا باستثارته ( ألتفت نحوي متسائلا هل أنت صائم تجاهلت السؤال ... كرره وكررت تجاهلي أعاده بنبرة أعلى وأعدت تجاهلي لسؤاله بصمت أعلى ) إن التكرار دل على قابلية هذا الصائم العميقة والقوية ؛ لغرض حجاجي على الآخر غير الصائم الذي أعطي الحق في الإنجاز الجوابي ، لكنه لاذ بالصمت إذ وصف صمته بالعالي ، وهي مطابقة للصائم وبنبرته الأعلى . إن الذات غير الصائمة احتاجت إلى الاستقلال والتمتع بالحرية الوقتية ( أخرجت كيسا من القهوة الجاهزة ، وأذبته في الماء الساخن وأخذت أرتشفه خارج الغرفة ، ورغم ذلك لم أتخلص من لذعة لسانه ) إن الفعل الانجازي المنجز هنا ، هو ليس فعلا جوابيا لفظيا بقدر ما هو إنجاز فعلي حركي وإن الهروب بالقهوة داخل النسق الاجتماعي يمثل فعالية تداولية ، تمثلت بمقدمات ألقاها الصائم ونتائج فعلها غير الصائم ويراعي القاص المبدع حسين رشيد رصد خروقات الحرية للشخصية التي تعيق عملية التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخر .. و ( في اليوم الثاني عاود بث نفس الإشارات مع زميلنا الآخر في الغرفة الذي أتى صائما وبعد دقائق من الجلوس كرر نفس سؤال الأمس ، هل أنت صائم وبنفس التجاهل ، وليعاد سيناريو الأمس السؤال والتجاهل وكيس القهوة وقبل أن ينتهي الدوام الرسمي الذي قلص ساعة أتفق الاثنان على تقديم النصح والإرشاد لي وتحذيري من الحساب ويوم القيامة ) ومن هنا بدأت ترتبط الأقوال بمرجعيات إشارية ذات منظومة لغوية ، تحتوي بعض القرائن الاتفاقية بالاتفاق مع المتشابه في الصيام مع المختلف معهم ( غير الصائم ) وهي مقدمات ترشحت عنها ذهنية المخزون لدى غير الصائم الذي في النهاية افترض عليهما بمحتوى إرضائي لهما مشروط بالتصالح المتعلق بالمستقبل ( أصوم بشرط هو أن تأتيا في أول رمضان المقبل وأنتما صائمان سوية وتفطرا سوية كذلك عاد العبوس إلى محياهما ونطقا بذات الوقت يبدو أنك لن تصوم أبدا ؟! ) وكأن القاص يريد أن يستخرج من إجابتهما إجابة أخرى هي ( أننا لن نتفق أبدا على وقت محدد للصيام ووقت محدد للفطور ) . أما في قصة ( عذاب ) فيبدأ بمقدمة مرافقة للغة المستعملة في شهر رمضان إذ الكل يتحدث ( طوال أيام الأسبوع الأول من شهر رمضان والأسبوع الذي تلاه ..... عن الجنة والنار والعذاب والراحة والنعيم ) خلال حدث لساني يمتد بعيدا في الذاتية يأخذ حيزه مسارا عميقا في التحليل على وفق المناهج النقدية الحديثة التي تدرس اللغة في حيزها المقامي ضمن سياق نفسي / ثقافي / اجتماعي ضمن مقصديات خطابية ، وبما أن التداولية تشترط على المتواصل مع نص ما أن يكون لديه مفهوما مشتركا عن الواقع ؛ لذا نلاحظ القاص يقول ( أيام العيد المقررة ثلاثة ، ربما تستمر خمسة أو أكثر حسب اجتهاد كل طائفة ومذهب ومعتقد كل تلك الأيام وأنا استمع لحديثهما من غير رد أو نقاش ) وتأسيسا على ذلك يقرر القاص ، ويقترح عفوا من الرب عن الجميع لكن زميليه ( يشككان بكل ذلك مع تحفظهما على هذا العفو الرباني ) إن هذه التفوهات الانجازية تعالقت مع السياق النفسي والاجتماعي في تناغم مشحون بالهروب نحو الميتافيزيقا ، إذ يجنح القاص في نص فنتازي حول العفو الرباني إذ يقول ( تصر المعارضة المتفقة على هذا ، والمختلفة في كل شيء آخر على رفضها العفو رغم قبول كل الطوائف في أرجاء المعمورة به الأمر الذي يجبر الإله بإعادة فتح أبواب النار وخاصة ما يعرف بالدرك الأسفل ورمي أتباع المعارضة فيه ) بسبب التبادلات الحجاجية ضمن حوارية تفاوضية ، حاولت أن تصيغ مفاهيم جدلية . إن الوسط ( القناة ) التي يتم فيها التواصل ، يمثل ركيزة مهمة ؛ لأنها المكان الذي يضم المتحاورين ، وبالنتيجة يتم فيها تداول الرسالة في سياقها كما في القصة الأخيرة ( خلاف ) إذ يحقق هذا النص السردي مقولة هيجل ( إن العالم هو المرآة التي تنعرف به على أنفسنا ) فالمظهر التداولي يبرز لتقريب الدلالة إلى المتلقي ( وسط سعير النار والعذاب ، وما يعرف بالدرك الأسفل اشتد الصراع المؤجل واخذ كل طرف يتهم الآخر ، بأنه السبب بما حصل له كونه كان الرافض ، وتعالت الأصوات وتنوعت لغة التهديد والوعيد والاجتهادات والفتوى فيما بينهم ) في تلميح إلى شدة الاشتباك بين الناس ، لدرجة أنهم لم يصلوا إلى اتفاق موضوعي بينهم مما ادى إلى تفرقهم ( وتم انتخاب رئيسا جديدا لكل طرف من خارج مجلس الشورى على أمل أن يدلي كل منهما بصوته ، وينتهي الأمر لكن قبل ذلك تساقط العديد أمواتا ، هنا تبسموا على أمل سقوط موتى في طرف أكثر من الآخر لكن تبين أنهما متساويان ) إن القاص هنا يفرش لنا النكوص النفس الذي يمر بالإنسان ويجعله يسوغ ما حصل له بسبب الآخر من خلال ما تطرحه هذه القصص ضمن أدوات تداولية تتمحور حول :
1. وجهة النظر : وهي سعي إلى إقناع المخاطب بقبول الدعوى المطروحة .
2. القضية : وتستعمل لتسويغ القضية المطروحة من المرسل ( المدعي ).
3. الاعتراض : ويفرض بالضرورة وجود اعتراض على وجهة النظر .

المرافقات : القصص
ثلاثية الرب
حسين رشيد
صيام
بالنسبة له انه اليوم الاول من رمضان، دخل وهو متجهم، الوجه يشكو من السهر. وهي علامات او اشارات عليكم ان تتلقوني اليوم كوني صائم. وكانه صائم لنا، ساعات اولى مضت التفت نحوي متسائلا هل انت صائم، تجاهلت السؤال كرره، وكررت تجاهلي، اعاده بنبرة اعلى، واعدت تجاهلي لسؤاله بصمت اعلى.
لم يحتمل نهض من مقعده متجها نحوي وذات السؤال، حتى سمع الاجابة بالنفي، عاود الجلوس وهو يتأفف ويتعوذ، بدوري فتحت الدولاب واخرجت كيسا من القهوة الجاهزة واذبته في الماء الساخن واخذت ارتشفه خارج الغرفة، ورغم ذلك لم اتخلص من لذعة لسانه.
في اليوم الثاني عاود بث نفس الاشارات مع زميلنا الآخر في الغرفة والذي اتى صائما، وبعد دقائق من الجلوس كرر سؤال الامس هل انت صائم، وبنفس التجاهل، وليعاد سيناريو الأمس السؤال والتجاهل وكيس القهوة، وقبل ان ينتهي الدوام الرسمي الذي قلص ساعة، اتفق الاثنان على تقديم النصح والإرشادات لي وتحذيري من الحساب ويوم القيامة واليوم الموعود ودقات الساعة، واذا الارض زلزلت الخ من ايات واحاديث، وهما يشرحان نعيم الجنة من خمرة وفاكهة وغلمان وحوار حسان، وعذاب النار والدرك الاسفل الذي هو مكاني مثلما قالا، قبل نهاية الدوام الرسمي بدقائق، وبعد ان صمت، اقترحت عليهما الصيام في السنة المقبلة، رغم العبوس الذي بان عليهما، الان ان غبطة ازالته ونظرا الى بعضهما البعض وهما يقولان يبدو ان حديثنا قد اثمر. لكني اصوم بشرط هو ان تأتيا في اول رمضان المقبل وانتما صائمان سوية وتفطرا سوية كذلك، عاد العبوس الى محياهما ونطقا بذات الوقت يبدو انك لن تصوم ابدا؟!
عذاب
طوال ايام الاسبوع الاول من شهر رمضان والاسبوع الذي تلاه، وهما يتحدثان عن الجنة والنار، والعذاب والراحة والنعيم، وناكر ونكير، وعذاب القبر، والمرور على الصراط المستقيم، وابواب جهنم التي ستكون مشرعة لي ولأمثالي المفطرين. وهذا ما استمرا عليه حتى الاسبوع الرابع وقرب نهاية شهر رمضان حيث بانت الفرحة على محياهما وهما يعدان دقائق الايام الاخيرة ومتى سيكون العيد وكم يوما سيطول. وقد يكون هذا الامر الوحيد الذي يفيدنا فايام العيد المقررة ثلاثة ربما تستمر خمسة او اكثر حسب اجتهاد كل طائفة ومذهب ومعتقد. كل تلك الايام وانا استمع لحديثهما من غير رد او نقاش، لكن قبل نهاية الشهر بيومين حدثتهما عن امر قد يحدث في ذاك اليوم الموعود، حيث يصدر الله عفوا الاهيا عن جميع البشر ويدخلهم الجنة جميعا ويغلق ابواب النار او جهنم مثلما يقولون. علامات الاستهزاء والاستخفاف تدور في عيونهم وملامح وحركات وجهيهما وهما يشككان بكل ذلك، مع تحفظهما على هذا العفو الرباني. حين اكملت لهما ان جميع من في المعمورة سيفرح ويرضى بهذا العفو حيث سيكون هناك اجماع على هذا القرار ممن كانوا يظنون انهم سيدخلون الجنة ومن كافة الاديان والطوائف والمذاهب. الا ان صوت من كان يظن انه ضمن الجنة، واننا في نار يتحول الى معرضة هذا العفو. وتدور رحى صراع جديد. اذ يعلن الاعتصام والاحتجاج على هذا القرار وانه غير عادل وغير منصف حيث ستقدم لائحة طويلة عريضة بما فعله كل طرف. وبعد طول نقاش ومفاوضات وارسال وفود وعودة وفود، تصر المعارضة المتفقة على هذا والمختلفة في كل شيء آخر، على رفضها العفو رغم قبول كل الطوائف في ارجاء المعمورة به. الامر الذي يجبر الاله باعادة فتح ابواب النار وخاصة ما يعرف بالدرك الاسفل ورمي اتباع المعارضة فيه.
خلاف
وسط سعير النار والعذاب وما يعرف بالدرك الاسفل، اشتد الصراع المؤجل، واخذ كل طرف يتهم الآخر بانه السبب بما حصل له، كونه كان الرافض. وتعالت الاصوات وتنوعت لغة التهديد والوعيد، والاجتهادات والفتوى فيما بينهم. الامر الذي اجبر الاله على ارسال مبعوث ونذير اخير لهم، نزولا لطلباتنا، وجاء الامر بغلق فوهات النار وتبريد المكان، دخل عليهم المبعوث ناقلا رسالة الاله، كنا نأمل ان يعودا الى رشدهما، لكنهم بدل ذلك عاودا العناد بينهما، بشان الاغلبية ومن الاكثر، وحين تم العد والفرز تبين ان اعدادهم متساوية، فاحتكموا الى أي طرف رجاله اكثر، وكانت الارقام متساوية ايضا، كذلك عدد النساء، والشيوخ والشباب حتى جزعوا من وجود نسبة تفضل طرف على آخر. والمبعوث الالهي ينظر لهم ويسجل كل شيء صوت وصورة. ويبث بشكل مباشر الى الجميع.
شعروا بالتعب والوهن حتى اخذوا يتساقطون واحدا تلو الآخر، حتى صرخ بهم المبعوث ماذا قلتم هل انتم موافقون، نظر كل طرف الى الاخر، وحولوا نظرهما الى كبارهم او مجالس الشورى التي شكلت حديثا، وبدورها المجالس اختلت كل على جهة وتناقشت، وسط هرج ومرج وصياح ونفور بالتالي ارتكنت الى التصويت، وهنا تعادل الطرفان، وبقى صوت الرئيس في كلاهما، لكن قبل ان يدليا بصوتيهما، سقط الاول ميتا، وتبعه الثاني، وعاد الخلاف، وتم انتخاب رئيس جديد لكل طرف من خارج مجلس الشورى على امل ان يدلي كل منهما بصوته وينتهى الامر. لكن قبل ذلك تساقط العديد امواتا، هنا تبسموا على امل سقوط موتى في طرف اكثر من الاخر، لكن تبين انهما متساويان، وعاد الاختلاف ومع اعلان التصويت، سقط عدد آخر مرة اخرى، واخرى واخرى وهكذا الامر الذي دعى الى استدعاء المبعوث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??