الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (الجزء الثالث)

هبة عبده حسن

2014 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الثالث: السعودية، الولاء للمنشا ولكن مم البراْء؟

إن ارتباط المملكة العربية السعودية بالفكر الوهابي التيمي هو ارتباط وثيق كارتباط لحمة النسيج بسداته، ومنذ نشأة المملكة بعد التحالف بين محمد بن عبد الوهاب بمذهبه الجديد (المعتمد على فقه بن تيمية) ومحمد بن سعود (حاكم نجد وقتها) والذي تبادلا خلاله دعم كل منهما لللآخر (دعم الدين للسياسة والعكس بالعكس) وحتى وقتنا هذا نجد هذا التحالف يزيد قوة على قوة، حيث لازال اختيار المفتي السعودي من أبناء "الشيخ" أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قبل حاكم المملكة الذي هو بالضرورة من أسرة آل سعود. ولا يبدو أن هذا الوضع سيتغير لأن التغيير يعني تحدياً لماهية النسيج وأحد أهم أسباب وجوده، وفي ظل هذا التحالف الذي تتلفح عبره "الدولة-المملكة" بعباءة الدين بشكل يتماهي فيه الحاكم مع صورة الله ممثلة في مجموعة الفتاوى التي يقول بها المفتي الذي هو راعي المؤسسة الوحيدة المعتبرة في المملكة السعودية ألا وهي المؤسسة الدينية يمكن إعادة قراءة التبادلات الاستراتيجية في الرقعة الجغرافية محل الدراسة.

ولتقدير قوة هذا التماهي وتبيان خطورته أيضاً، اخترت أن أشارك معكم مجموعة بسيطة من فتاوى بن تيمية (مؤسس المذهب الذي تتبناه الوهابية في المملكة السعودية) ويرجى ملاحظة البساطة التي يمكن بمقتضاها لإنسان مسلم موحد، ناطق للشهادتين، مقيم للشعائر والعبادات أن يفقد حياته بضرب العنق (أسلوب الإعدام في المملكة السعودية) لأسباب جداً بسيطة (واهية حتى).
من مجموع الفتاوى لابن تيمية:
من جاهر بنية الصلاة معتقداً أنه واجب يستتاب وإلا قتل
من قال على المسافر أن يصلي أربعاً يستتاب وإلا قتل
من اعتقد بوجوب اتباع إمام واحد دون غيره يستتاب وإلا قتل
من لا يقول أن الله فوق سماواته على عرشه يستتاب وإلا قتل
من قال لا يجوز الفطر في السفر إلا عند العجز يستتاب وإلا قتل
من لعن التوراة يستتاب وإلا قتل
من أوّل (قام بتأويل) الآية "وكلّم الله موسى تكليماً" يستتاب وإلا قتل
من أفتى بغضب الله على من سلّم ساهياً في الصلاة يستتاب وإلا قتل
من يقف في عرفات في غير وقت الحج للتعبد أو لغيره يستتاب وإلا قتل
من يحتفل بعيد النصارى تقرباً لله يستتاب وإلا قتل
من يعدو بين جبلين للعبادة يستتاب وإلا قتل

من كان قد قرأ مقالي السابق المنشور على نفس الصفحة: "بين معارك 1926 ومذابح 2014..." يتذكر هذا المشهد المنقول عن مجلة اللطائف المصورة المصرية، العدد بتاريخ 22 مارس 1926 والذي جاء فيه: "كان عبد العزيز آل سعود يخوض سلسلة من المعارك المتواصلة بعضها ضد الطوائف والقبائل الأخرى وبعضها ضد دول خارجية وداخلية. المشهد فوضى كاملة، العثمانيون يختفون من المنطقة، والإنجليز يبحثون عن رجل مناسب وسلطة يمكنها السيطرة على تلك المساحة الشاسعة من الأراضي الصحراوية والأرض ساحة الصراع كانت تعرف وقتها بمملكة الحجاز وفي 1925 غزتها قوات آل سعود في معركة راح ضحيتها سبعة آلاف قتيل. وفي سنة 1926 أصبح عبدالعزيز ملك نجد والحجاز، وتغير اسم المنطقة ليصبح اسمها مملكة السعودية". إن استرجاع هذا المشهد في السياق الحالي مهم كونه تأسيس للاستراتيجية السعودية وأسلوبها في حماية مصالحها وخاصة في مواجهة الدولة الإيرانية.

تتمثل قوة أي فكرة وقدرتها على البقاء في إمكانية تصديرها خارج حدود منشأها. إن قوة النسيج "السعوهابي" داخل حدود المملكة الشاسعة (رغم تحدي المجموعات الشيعية في شرق المملكة، والتي يتم قمعها دورياً) قد ظهر عند ضربه للنسيج المجتمعي المصري منذ منتصف السبعينيات وخصوصاً بعد الارتفاع المذهل لأسعار البترول عقب حرب 1973 والانهيار العنيف الذي شهده الاقتصاد المصري الخارج من سلسة حروب استنزفته بالكامل (5 حروب في أقل من ربع قرن!). بل أستطيع الزعم بأن هذه الضربة العنيفة في العمق تعود إلى منتصف الخمسينيات عندما تم السماح لقادة جماعة الإخوان المسلمين بالنزوح إلى المملكة السعودية والاستقرار فيها بأمان ليتم بعدها تدشين المنتج الاقتصادي الإسلامي الذي كان النتيجة الطبيعية للزواج السياسي الديني.

تتردد في رأسي عبارة مضحكة قليلاً: "إمّا نسيجي أو نسيجك!" ولكنه واقع الحال أينما وليت وجهك على اتساع البقعة الجغرافية التي تحدثنا عنها في الجزئين السابقين من هذا المقال، حيث ستتأكد من صحة هذه العبارة الكوميدية، وهناك أكثر من دليل خارج حدود الوطن المصري، وعلى سبيل المثال: الدولة الإسلامية (داعش سابقاً والإبن المارق لتنظيم القاعدة) وطالبان... وهناك جبهة النصرة والجيش الحر في دول ليست بالضرورة ذات امتداد تاريخي "كدول" على نفس شاكلة الدولة المصرية ولكنها –أي هذه الدول- على أية حال كانت دولاً وكيانات معترف بها قبل اجتياح الفوضى الخلاقّة للخريطة الشرق أوسطية مع إرهاصات حرب العراق-إيران الأولى في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وليس مع بداية الألفية الثالثة كما يحب أن يردد مروجو نظرية المؤامرة الجدد.

إن بقاء النسيج "السعوهابي" في مصر (وبالتبعية في المنطقة) يقتضي أن تنتهي وإلى الأبد لحمة وسداة المجتمع المصري والذي يتمثل في التشابك الجغرافي التاريخي الذي صنع تلك الشخصية المتسامحة الضامة الهاضمة. ولكن العكس صحيح أيضاً فإن تماسك هذا النسيج (المصري بعناصره الإثنية والدينية وبعمقه التاريخي المتصل) يمثل خطراً على الفكرة الإسلامية التيمية، وشواهدي متعددة ليس أولها سحق الوجود الفاطمي (الشيعي المذهب) ولا التحول الحثيث للأزهر من الأشعرية إلى الوهابية التيمية، وليس بالتأكيد آخرها التخلص الوحشي من الشيخ حسن شحاتة "المنتقل من السنية إلى الشيعية" ومجموعة من أتباعه والتمثيل بجثثهم في صيف 2013 على الشكل الذي أصاب رجل الشارع العادي بصدمة قاسية، ولكن لهذا حديث تتمته في الجزء الأخير من هذا المقال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير سياسي من مبابي بشأن انتخابات فرنسا


.. بوتين يزور كوريا الشمالية لأول مرة منذ 24 عامًا.. وهذا ما سي




.. ضحايا وعشرات المصابين على إثر حريق مستشفى خاص في إيران


.. الجيش الإسرائيلي يحقق في احتمال تهريب حماس رهائن إلى خارج رف




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة| #ال