الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون وحراس الكراهية

سمر يزبك

2005 / 8 / 16
الادب والفن


لأن الزمن الذي نعيش فيه هو زمن سكوني، بارع البطء، متعدد أوجه الموت، فلا بد لوقفته على الهاوية أن تليق بلحظته التراجيدية، ولأنه يحيلنا الى مرجعيات الحركة التي أدت الى سكونيته، فلا بد أيضاً من الحديث عن الزمن الساكن الذي انتهى إليه المثقفون في سوريا، ولماذا رغم حرج المرحلة والهامش المفترض لدور أصيل لهم، يقفون على الحياد؟ ولماذا لا نستطيع الحديث بصراحة كما يليق بفداحة الخراب الذي ينتظر أيامنا الماضية قُدما بالكراهية...؟ كراهية تأكل العقل والروح معاً، كراهية الآخر التي يجد المثقف نفسه مدفوعاً إليها، فالآخر هو فرصة لإلغائه، والآخر هو عدو خارجي، لأنه محكوم بعقلية مستبدة، تأمر ولا تحاور. تلغي ولا تعدد، ضمن منظومة رغبات عليا لها علاقة بمصلحة بعض الأفراد على حساب الأكثرية. عدا عن التناحرات والخصومات وسياسة المناورات والطعن. فهناك من ينتظر أن تطعنه، أو يطعنك، وغياب المعنى الحقيقي لدور المثقفين، أمام حجم وكمية الكراهية التي يجدون أنفسهم داخلها، بعد أن تم ولزمن طويل إلغاء وجودهم وحسهم الإنساني بالحياة، ليس فعلاً عبثياً، إنه فعل مدروس وعن سابق قصد وتصميم تلجأ اليه كل الأنظمة الدكتاتورية في العالم.
لا يستطيع المثقف أن يحب عمله، سيكرهه أيضاً، بكافة مواقعه، إن كان كاتباً، سيكون محكوما بالرقابة، والتعسف والمصادرة، أو موظفاً فهو محكوم بالبيروقراطية والفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والتي لا يملك هو نفسه، ومهما كان موقعه الوقوف بوجه هذا الفساد، فيتحول سخطه وحسه بالمسؤولية، إلى كره داخلي يأكله ويأكل من حوله. هذا في أحسن الأحوال، إن لم يتحول الى لاعب آخر في مرمى الفساد ذاته.
وإن كان المثقف، مسؤولاً في جريدة حكومية، أو مؤسسة إعلامية (التلفزيون) فهو محكوم بالكراهية: كراهية من ينتظر هفواته ليقصيه، وكراهيته هو نفسه لمن يحيط به، ليحافظ على وجوده. والمثقف العادي المنطوي في بيته، محكوم بالكراهية، لأنه غير قادر على تحقيق وجوده، وإظهار رأيه، وهو مغبون في طرق وأساليب عيشه، ومحكوم بكراهية شديدة الوطء على روحه، لأنها كراهيته للسلبية التي يعيشها، ولا يتوقف الأمر عند الكراهية بل يتجازها الى الحوار، فلا حوار بين المثقف والمجتمع، لا أحد يسمعه، ولا أحد يريده أن يتكلم، والكل يقصيه، لأن قيم المجتمع هي قيم نفعية مادية، تخص قدرة كل فرد على شطارته في الربح والكسب مصدر حمايته الفعلية حيث يشعر أن لا قانون يحميه، وقوته تكمن في حصانته من خلال ثرائه المشروع وغير المشروع، لذلك لا يلتفت أحد الى نزاهة الفعل بقدر التفاتهم الى مبدأ البقاء للأكثر انتهازية، حتى المثقفين أنفسهم، لا يصغون الى حواراتهم.
وليس ذلك بسبب عدم قدرتهم على الحوار، ولكن المناخ الذي يعيشون فيه هو متاخ إلغائي، أحادي الجانب والتوجه، لا روح فيه، ولا لون سوى لثقافة واحدة تختلف وجوهها في الظاهر، وتتفق على وجه واحد في المضمون. وهنا يتحول الكثير من
المثقفين كل المثقفين باختلاف تقسيماتهم، وكما سماهم > هم المعنيون بأشغال المجتمع الحديث إما الى مثقفين خائقين مذعورين من الحوار، لأن المحاور الآخر قد يكون مخبراً، وناقلا لأقوالهم (على سبيل المثال) وقسم آخر يلجأ الى السلطة نفسها، ويتنبى خطابها، ويحارب الطرف الآخر، بأبشع الأساليب من ادعاءات وشائعات وتهميش وتنكيل، وقسم من المثقفين، يعيشون على الهامش ضاربين بعرض الحائط كل قيم وجود المثقف، معارضين لكل حركة جديدة معنية بالشأن العام مسفهين كل تطور وجديد ممكن أن يطرح للمناقشة والبحث، بأسلوب لا يقل استبداداً عن أسلوب السلطة نفسها. وأما القلة القليلة جداً الباقية من المثقفين، فهم الفاعلون في الحياة العامة، والفئة الأكثر تراجيدية ونبالةً، فكل ما يخص بلدهم، يخصهم حسب سارتر: المثقف هو الذي يتدخل فيما لا يعنيه بعد أن نجوا من محرقة التحول المسخي الذي أرادته السلطة للمثقفين، ولأن السكون الذي قادت إليه الأزمنة الماضية، ينذر بالحراك والخلخلة، فلم يعد ممكناً انتشار روائح الكراهية والقتل، ودفن الرأس، بعد أن ذرت الرياح كل الرمال، وهو بالتحديد ما على المثقفين التفكير به، على اختلاف تنويعاتهم، بأن يفسحوا مجالاً داخل أراواحهم للحب والحوار والتعددية، ليعود لهم موقعهم الحياتي الملغى، وحتى لا تستمر آلهة السكون بتحويلنا إلى تماثيل تمر نأكل بعضنا البعض.
أو كما يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: >.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب