الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (الجزء الرابع والأخير)

هبة عبده حسن

2014 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الأخير: مصر... الرسائل الملتبسة وثمن الاختيار!

أكتب هذا الجزء الأخير من المقال وأنا أشاهد برنامجاً على قناة روسيا اليوم يناقش قيام السودان (الشمالي!) بإغلاق المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم، ولأني أشاهد البرنامج على "اللاب توب" الذي استخدمه للكتابة أيضاً فأنني قد أتوقف عن الكتابة للمشاهدة ثم قراءة تعليقات جمهور المشاهدين ثم اعود للكتابة وهكذا (وهنا يجب أن أشكر جوجل وكل منتجاته وأهمها يوتيوب جزيل الشكر). وبعودة لموضوع المقال، ودون إخلال بالمكونات الأصلية له، فلقد تأكدت تماماً بعد مشاهدة هذا البرنامج وقراءة تعليقات المشاهدين أسفل الفيديو (والتي تحولت إلى سباب ولعائن) بأن المواجهة السنية الشيعية لن تكون أبداً حكراً على التبادلات الاستراتيجية بين أهم دولة سنية (السعودية) وأهم دولة شيعية (إيران) حيث تسري الكراهية المتبادلة (والتي ترتكن في معظم الأمر إلى جهل شديد مخز ومخجل) عميقاً في ذهنيات الأفراد العاديون وهو الأمر الذي ألوم الأنظمة عليه بشدة وخاصة فيما يخص نظم التعليم التي يجب تنقيتها من المرجعية الدينية كتفسير وحيد للأخلاق.

لا يعرف الكثيريون من المصريين (أو قل لا يريدون أن يعرفوا) أن مصر كانت تتبع المذهب الشيعي (والذي سمي بهذا الاسم بعد انحياز بعض المسلمين إلى جانب على بن الخطاب في حربه مع معاوية بن أبي سفيان فتمت تسميتهم بشيعة علي) وخاصة بعد لجوء آل البيت إلى مصر هرباً من مذابح الدولة الأموية بعد قتل الإمام الحسين، ولكنها (أي مصر) تحولت إلى المذهب السني بعد مواجهة رهيبة كانت قد جرت بين صلاح الدين الأيوبي وبقايا الدولة الفاطمية والتي كان صلاح الدين قد دحرها تماماً، وتقول المصادر التاريخية أنه تضييقاً للخناق على آل البيت (أبناء فاطمة الزهراء) فقد تم تم حبسهم في قصر كبير في قلب القاهرة بعد انتصار المماليك على الفاطميين، وفيه تم عزل النساء عن الرجال تماماً بحيث لا يتزاوجون ومن ثم ينقطع نسلهم بشكل طبيعي (الأمر الذي يعد تطهيراً عرقياً سلبي النزعة أي بدون قتل).

وبغض النظر عن التاريخ وأيضاً بغض النظر عن العبارة المربكة التي يرددها الكثير من المصريين عن كون مصر سنية العقل شيعية القلب، فإن الإرباك المقصود بشأن العلاقات المصرية الإيرانية هو أمر عصي على الفهم تماماً. نعم أن إيران تبعث هي الأخرى برسائل سخيفة من نوع إطلاق اسم قاتل الرئيس السادات على أحد شوارع العاصمة طهران وهو أمر ينم عن افتقار الذوق واللياقة ناهيك عن كونه دون مردود حقيقي، أو كونها تعاقب مصر لأن الأخيرة قبلت بلجوء الشاه إليها ودفن جثمانه بها وأمور أخرى من هذا النحو المضحك. أنا أرى (كما يرى الكثير من الفطنين الفاهمين) العقل والمنطق في قيام علاقات اقتصادية وسياسية وسياحية وغيرها بين قوتين إقليميتين بحجم مصر وإيران.

لقد سأل مذيع قناة روسيا اليوم وزير الدولة السوداني عن حقيقة أن "بعض الدول الشقيقة" كانت وراء إغلاق المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم وعلى الرغم من أن هذا الأخير قد تكلم بلا انقطاع لمده ثلاث دقائق كاملة رداً على السؤال، إلا أنه لم يقل شيئاً مفهوماً أو ذي قيمة (بينما باحت حركته ونظرة عينيه ونبرة صوته الأحادية بكل ما حاول إخفاءه) في الوقت الذي اكتفى فيه المذيع بابتسامة خفيفة ماكرة لم تفارقه طيلة الحوار، خاصة عندما تكلم الوزير المنوط بالسياسة الخارجية لبلده عن حماية "سنية" السودان ولسان حاله يشي بالخشية من انقطاع معونة "بعض الدول الشقيقة". إن السودان الذي قطعوه إرباً بقسمه الشمالي الوهابي الفقير والمعتمد تماماً على "بعض الدول الشقيقة" هو قنبلة موقوتة لا نعلم متى تنفجر ولكن يمكننا أن نتخيل حجم الكارثة الإنسانية التي من الممكن أن تنشا على الحدود الجنوبية لمصر، وطبعاً هناك الكارثة الأكبر على الحدود الغربية... هذا ليس نأياً بالحوار عن موضوعه (مصر بين إيران والسعودية) بل هو أحد أهم الفروع الصابة في نهر الموضوع: الجانب الإنساني.

ومع خاتمة هذه الرباعية عن موقف مصر في المجابهة السنية الشيعية (أو السعودية الإيرانية) ومع ماهو واضح من انحياز السياسة الخارجية المصرية لتفاهمات متشابكة مع حليفتها الاستراتيجية والداعمة الأكبر للاقتصاد المصري فإنه يمكن القول بأريحية أن الذائقة الشعبية المصرية (وأعتقد العربية بشكل عام كذلك) لم تعد تستسيغ المذاق المر للتفسير الوهابي التيمي للإسلام، كما يمكن القول بأن حقيقة جديدة بدأت في الوجود على أرض الواقع ألا وهي المد الشيعي الذي يطرح وجهاً مغايراً للدين الإسلامي غير ذلك الموسوم بالدم وقطع الرؤوس وسبي النساء والدعارة تحت مسمى الجهاد.

إن المؤسسات الرسمية العربية، في محاولة منها لحماية مذهب أو طائفة (في عالم يدعو لقبول الآخر والتعايش السلمي)، تقوم بتصرفات مضحكة ومثيرة للشفقة، فالاجتماع الأخير لوزراء الخارجية لدول المغرب العربي خرج بتوصية أن تقوم الدول المغاربية بضرورة "حماية" الإسلام السني، ومن قبلها بكى بعض شيوخ الأزهر على شاشات الفضائيات دفاعاً عن البخاري حيث وصفوا كتابه بأنه "الأصح" بعد القرآن رغم مافيه من أحاديث تنافي الفطرة السليمة، ناهيك عن المنطق والعقل. ولأنني أزعم فهمي للواقع المصري المتداخل ومكونات الشخصية المصرية (المعقدة في بساطة) أستطيع القول بأن أمواجاً بدأت تتشكل في المجتمع بين كل الشرائح والطبقات تعلي من قيمة الخيار الشخصي والحرية الفردية ومن بينها حرية المعتقد. وبالرغم من الواقع المزري للمنطقة العربية، فلقد بدأ العقد الثاني من الألفية الثالثة بكسر كل الأطواق والأساور وبتحطيم أصنام عوملت في الماضي كآلهة. هناك حقائق جديدة على الأرض تشي بأن كل الصخور الضخمة الراسخة سوف تقلب وسوف يتم النبش تحتها، وقديماً قالوا أنك لن تستطيع أن تحجب القمر بأصبعك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
هبة عبده حسن ( 2014 / 9 / 13 - 03:25 )
جاء في الفقرة الثانية... السطر الثاني أن بعض المسلمين انحازوا إلى علي بن الخطاب. الصحيح هو -علي بن أبي طالب-... وجب التصحيح والاعتذار

اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع