الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفتاح الفرج

هبة عبده حسن

2014 / 9 / 13
الادب والفن


دخلت وحدها تجرجر قدمي فيل ضخم وألقت بنفسها على أول كرسي صادفها، تبدو ببطنها الضخم الذي تدلى ليغطي أعلى فخذيها وكأنها مرتدية إحدى بذلات الحيوانات الخرافية في مسرحيات الأطفال... جذبت مفتاح طرف ثوبها الأسود المتسخ لتمسح حبات عرق كبيرة تفصدت عن جبينها الضيق ثم كومت طرف الثوب ودسته في فمها وعضّت عليه لتكتم صيحة الألم التي انتابتها، ولكن آهة مكتومة خرجت من بين شفتيها الغليظتين تلتها آهة أكبر أظهرت أسنانها التي تناصب البياض العداء.
انحنت مفتاح باتجاه غرفة الكشف ولكنها لم تر أثراً لمخلوق عبر الفتحة الضيقة للباب الموارب، على الرغم من أنها كانت تسمع بوضوح الصوت الآمر للمرضة نادية وهي توبخ شخصاً ما بالداخل... يئست من خروج نادية فأراحت رأسها على الحائط مستسلمة للألم يهدهده الصوت الرتيب للمروحة المعلقة بسقف الغرفة فاستسلمت للنعاس لثوان تلقت خلالها ضربة موجعة من داخلها جعلتها تفتح عينيها فجأة فبدا وجهها مخيفاً إلى حد ما. تلقت ضربة أقوى هذه المرّة فانحنت تلملم بطنها المتهدل بين ساقيها.
"فرجك يا رب... يا خلق هوه، أين أنتم؟؟؟"

غامت عيناها الضيقتان في نوبة غثيان لم تستطع معها منع اندفاع جوفها للأعلى... تراخت يداها السمينتان على فخذيها الضخمين فسقط بطنها متدلياً مرة أخرى. ارتمت إلى الوراء لتستند إلى الحائط فتدلى ثدياها الطويلين على جانبي بطنها... تبدو ميتة ويداها متدليتان ورجلاها مفتوحتان هكذا...
"الطف يا رب، ما هذا؟ سمية تعالي... اسرعي!"
في قفزتين وصلت الممرضة نادية باتجاه الطاولة الخشبية العتيقة الملاصقة للحائط حيث يستقر هاتف أسود من طراز قديم، رفعته وبسرعة تكلمت...
"هذه مفتاح يا دكتورة، حالتها متأخرة... الحقينا"
"آآآآآآآآه... يا رب... يا مصطفى ويا علي ويا طاهرة ياأم المقام... آآآآآآه يا أم النور يا عدرااااا"

أخاف عويل مفتاح الممرضة نادية أكثر وخاصة أنها أقعت على الأرض فجأة وأفرغت مافي جوفها. جاءت سمية وحاولت مع نادية أن ترفعاها ولكنهما فشلتا. وفجأة أيضاً سكنت مفتاح إذ زال الألم هكذا... فجأة.
"أتيت هنا وحدك يا مفتاح؟" انتبهت المرأة إلى صوت الطبيبة التي ربتت على كتفها قائلة أنها علامات الولادة.
"كيف يا حكيمة، أنا في السابع" قالت مفتاح وهي تمسح العرق عن وجهها بكمها.
"أذن ربك يا مفتاح، هكذا شاء. توكلي على الله"
"لا... الله يخليكي يا حكيمة... الأولاد في البيت لحالهم يا حكيمة" قالت مفتاح للطبيبة ثم أردفت "اضربي لي إبرة وأنا سآتي في الصباح... نعم نعم... سآتي... في الصباح"

ابتسمت الطبيبة وربتت على كتفها مرة أخرى مشيرة للممرضة والمساعدة بحملها. تساعدت النساء الثلاث على حمل مفتاح بجسدها الضخم المترهل. تأففت الممرضة نادية لائمة مفتاح...
"تسع عيال يا مفتاح وهذا العاشر، ألا يكفي؟؟"
"أبو العيال لا يسكت عني يا ست نادية، ماذا أفعل!!!"
ضحكت النساء الثلاث وهن يضعنها بمعجزة على سرير الكشف. انشغلت سمية بأخذ نبض مفتاح بينما كانت نادية تضبط وضع ساقيها حتى تستطيع الطبيبة تحديد استعدادها للولادة.
"أين أخفيت التوأم يا مفتاح؟" صاحت الطبيبة بقلق هذه المرة إذ لم تستطع الوصول لفتحة رحم مفتاح رغم أم كفها اليمنى ونصف ساعدها اختفيا داخل مفتاخ... وعندما بدأت تتحسس أعلى بطن المرأة المسجاة أمامها بيدها اليسرى شعرت بالقلق... فهي لم تشعر بحركة الأجنة.

"فيه شيء غلط، اتصلي بطبيب التخدير وأعدوا غرفة العمليات بسرعة. سنفتح بطنها" قالت الطبيبة موجهة أوامرها إلى الممرضة نادية التي كانت تنظر إليها وكأن شيئاً في الكون لا يعنيها.
"الدكتور محمود لا يحب أن نقلق نومه يا دكنورة" تمتمت سمية.
"اذهبي وكلميه الآن... أنا آمرك" صرخت الطبيبة فهرولت سمية للتليفون القريب من طاولة الكشف، أصاخت السمع قليلاً حتى رد عليها الطبيب. تأسفت على إقلاقه من نومه وقالت له أن الطبيبة ستأخذ مريضتها الآن "لإجراء جراحة قيصرية وأن"... ثم... "حاضريا دكتور محمود... لكن يا دكتور محمود... المريضة... يعني أقول...." كانت المسكينة سمية تحاول إكمال عباراتها دون جدوى. لقد اسمعها طبيب التخدير مالايرضيها فأعادت سماعة الهاتف لمكانها بعصبية ثم عادت للطبيبة...
"يقول لك أنه مات يا دكتورة وأنه سيصحو من الموت غداً بعد الظهر"

استيقظت مفتاح من إغماءتها القصيرة فقالت لها الطبيبة أننا سنجري عملية قيصرية لأنها لا تشعر بالأجنة ولأن علاماتها الحيوية غير مطمئنة. قامت مفتاح كالملسوعة من فوق طاولة الكشف وقفزت بخفة غريبة ثم خطت خطوتين باتجاه باب الخروج وهي تلهث... "لا والله... تسعة عيال يا طبيبة ولدتهم جميعا من مكان بذرهم أبوهم، والآن تريدين فتح بطني كالسمكة؟؟؟ لا والله... لا والله..."
"متى سيأتي الدكتور محمود يا سمية؟؟؟" سألت الطبيبة بتصميم.
"قلت لك أنه قال لي أن أقول لك أنه مات" ردت سمية بعصبية هذه المرة.
وكبطلة في مسرحية درامية انتصبت الطبيبة أما باب الوحدة الصحية لتسده بجسمها مانعة مفتاح من الخروج بينما تسمرت نادية وسمية بجوار طاولة الكشف في انتظار ما سينتهي إليه الموقف...
"صغيرة وهذه أول مهمة لها في الأقاليم" همست الممرضة نادية في أذن مساعدتها سمية التي كانت مأخوذة بالكامل في هذه المواجهة بين الطبيبة والمريضة. مفتاح – بين خوفها من الجراحة والألم العاصف الذي بدأ من جديد – سجدت على الأرض مطلقة عويلاً يخلع القلب. فزعت الطبيبة وقعدت على الأرض بجانب مريضتها تطمئنها أن لا أحد سيلمسها بدون موافقتها... ثم نظرت لنادية بيأس والتي بدورها نظرت للمساعدة سمية التي نظرت بدورها للطبيبة.

"خليها على مولاك..." قالت سمية بعزم وهي تشمر عن أكمامها... "قومي يا امرأة... ساعديني" أمرت سمية مفتاح وهي تنزل بجسمها لتلف ذراع مفتاح اليمنى حول كتفها اليسرى..."يا قوي..." صاحت سمية وهي ترفع المرأة الضخمة ثم نظرت بقوة لعيني الطبيبة وأمرتها أن ترفع ساقي المرأة وأمرت الممرضة نادية أن تأتي بسرير الكشف إليها. حملت النساء الثلاث مفتاح ووضعنها على السرير ودفعته سمية مهرولة إلى غرفة الكشف...
"قفي أمامها يا دكتورة لتتلقي العيال..." صاحت سمية آمرة الطبيبة، ثم أمرت نادية أن تتمسك بالسرير بقوة ثم صعدت لتقف على طرف السرير من ناحية رأس مفتاح التي كانت قد استسلمت لسلطان أوامر المساعدة سمية...
"يا قوي..." صاحت سمية وهي تندفع نازلة على أعلى بطن مفتاح بكفيها... زامت مفتاح زومة من أتاها طلق الولادة، ثوان قليلة، ثم استراحت وهي تلهث كفرسة سبق...
"اطلقي يا مفتاح... ساعديني وساعدي نفسك يا امرأة..." صاحت سمية بابتسامة واثقة هذه المرة رغم أنها بدت كوحش أسطوري بشعرها الذي تهوّش والعرق الغزير يتصبب من وجهها كله... "يا قوي!!!" ثم نزلت بقوة مرة أخرى على بطن مفتاح. دافعة بكفيها للأسفل مرة ثانية...

"الفرج من عندك يا رب..." صاحت نادية بفرحة وهي ترى الطبيبة تتلقى الصغير الأول... نطت لتتسلمه من بين يدي الطبيبة وتقص حبله السري وتلفه في فوطة بيضاء وتضعه في سرير صغير أتته بها سمية التي كانت تلهث مهوشة الشعر.
"تعالي خذي اخته يا نادية" صاحت الطبيبة وهي تسلم الصغيرة المكتنزة الصاخبة البكاء للمرضة... وضعت نادية التوأمان – صبي هاديء مفتوح العينين وصبية صاخبة مكتنزة – في السرير الصغير والتفت النساء الثلاث تعتنين بالوالدة والصغار وهن تضحكن غارقات في عرق التعب ودموع الفرقان ودماء الولادة.

أذن ديك الصباح فأطلت شمس الشتاء الخجول مفترشة مدخل الوحدة الصحية حيث كان التمورجي مصطفى قد وصل لتوه ليقش المدخل بالماء والصابون مصخياً السمع لصوت النساء الثلاث يمازحن مفتاح التي كانت ترضع الصغيرين، لاعناً هاتيك النسوة اللائي لا تحلو لهن الولادة إلا في منتصف الليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_