الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عين واحدة تكفي

مزن مرشد

2014 / 9 / 13
الادب والفن


مازال الصبية ينادون عليه ،يعايرونه بعينه المريضة ، انزوى في زاوية الصف ،انتظر ان ينقذه أحد من هذا الجحيم المتواصل منذ أن فقد عينه اليسرى تحت شرفة المنزل.
عاد أيلول ،لا يعنيه ورقه الأصفر ، لا تعنيه تلك الرومانسية المنسوجة حوله ولا يعلم أصلاً من أين أتت.
أيلول الأسود قد تناسبه التسمية أكثر.
في بدايته وربما قريبا من منتصفه .
قيظ الظهيرة .
أمه العصبية ، الخائفة دائما على أولادها دون سبب ،مثل قطة شرسة على أهبة الاستعداد للقتال وكأن جلل يتربص بأولادها ،لن يستطيع أحد أن يفهم سر هذه المشاعر المستفزة دائما لديها ،حتى أعتى مختصي الفراسة أو المعرفة بقراءة الغيب ،قد يكون حدس الأم ،شعورها باقتراب خطر ما ،داهم ومتربص.
كريم ،كان الأصغر بين ثلاثة أولاد قدموا الى الحياة باستعجال تباعا ،لم يمهلوا والدتهم مسافة حمل بين حمل وحمل.
في ذلك الأيلول والذي اتفق ان يكون من أحر الأيلولات التي شهدها الصغير في عمره البالغ أربعة أعوام إلا شهر ،كانت السنة الدراسية قد بدأت لتوها ،والدته المدرسة لا في دوامها ،كريم الطفل الصغير الجميل ذو العينين العسليتين الجميلتين محبوب الجميع ، لا بد أن تتركه عند أختها الكبرى ،خالته التي لم تعرف الزواج ولم تعرف الأمومة ، تلك البريئة التي حملت في قلبها حب كل أمهات الأرض .
قضت يومها التعليمي ،عادت على عجل أخذت قططها الثلاثة وأسرعت لمنزلها البعيد في الحي الشعبي المكتظ ، بكى الصغير ،لا يرغب بمفارقة خالته..... خالتي، نزيها الرقيقة الوادعة ذات الأمومة الطاغية ،كل طفل في حضنها سيتمنى أن يبقى معها للأبد ،لكثرة ما سيلقى من الحب والدلال والغنج ، في طفولتي لم أكن أتركها قط كنت أفضلها على أمي وعلى كل الألعاب.
أمه ،أخذت أطفالها الثلاث عائدة لبيتها ،كريم باكيا متعلقاً بطرف ثوب نزيها ،لم يكن يوماً متعلق بالبقاء عند خالته مثل ذلك اليوم .
مازلت أسمعه وأنا في الطابق الثاني احاول تهدئة طفلتي التي بدأت البكاء لأجل كريم.
أسمع صوته حتى اليوم ،يأكلني الندم لأنني لم أدافع عن بقاءه عند خالته ،هدأت نوبة البكاء ،بدأ المساء ، جرس الهاتف دوى في المنزل ،رفعت السماعة باستعجال قبل ان يوقظ الرنين قيلولة الصغار .
• أين زوجك ؟
• ما الأمر؟
• اين هو؟
• ذهب للعيادة للتو؟
• طيب سنذهب اليه؟
• ما الأمر؟
• كريم...
وعاصفة بكاء اوقعت قلبي من صدري
• ما الامر؟
• كريم فقئت عينه؟
كلمة غيرت في قلبي مجرى الحب ،وألغت من قناعاتي مبدأ العدالة .
أي عدالة تفقد طفل عينه ،بلحظة طيش صغير اخر ،أراد اللعب بقطعة حديد رميت باستهتار في زقاق ملئ بالأطفال ...
شبَّ كريم على رحلة طفولة مليئة بالمشافي ،والأدوية ،والقطرات ،والبكاء .
ممنوع عليه أن يبكي كي لا يؤذي عينه .
كنت أنظر الى عينه الأخرى أرى جمال لونها ،نقاء سريرتها .
كنت أقول لأطفالي بأنه طفل وشاب مميز ،لأنه يملك عينا واحدة ،كافية لتعطيه الحياه ،لا تنظروا الى عينه المريضة بل الى اجمل عين في وجه الملاك.
ماتت نزيها ،ماتت دون طفل ،ماتت ولم أرها ،ما ذنبها ألا تجد من يحملها الى قبرها ،أو من يحفر قبرها.
كريم مَن شمر عن زنديه ،حفر القبر ،أنزل خالته فيه ،أهال عليها التراب ،وأهال معها حفنة من ذكرياته بين ذراعيها.
نزلت دمعة ،بكى هذه المرة دون أن يخشى على عينه فلم تعد موجودة وبقيت له عين واحدة كافية ليكون أجمل رجال الأرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس