الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباحث عدنان حسين أحمد وأدب السجون

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2014 / 9 / 15
الادب والفن



لم يكن أدب السجون والمعتقلات ظاهرة جديدة في المشهد الثقافي العراقي خاصة والعربي عامة ولكن قد عُرف هذا النمط من النتاج الأدبي في عصور موغلة في القدم , منها العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام والخلافة الراشدة والعصر الأموي والعباسي والأندلسي , لذلك يتأكد لنا إن وحشية النظام الدكتاتوري البعثي هي ظاهرة غير مسبوقة في ظلمها وقسوتها وبربريتها .لقد آن الأوان لتعرية النظام القمعي المقبور , وفضح جرائمه لكي لا تتكرر الفواجع والمحن مرة أخرى مع الشعب العراقي الخاسر الأوِحد الذي فقد الأخوة والأبناء والأخوات والآباء والأمهات , بدماء تمرغت الضحية في السجون والمعتقلات السرية لأجهزة النظام الأمنية والقمعية .
صدر عن دار الحكمة في لندن كتاب للباحث والأديب عدنان حسين أحمد كتابه الموسوم (أدب السجون خلال سنوات الحكم الدكتاتوري في العراق 1963-2003 – دراسة نقدية تطبيقية ) يحتوي الكتاب على 378 صفحة من القطع الكبير وعلى مقدمة وسبعة فصول وخاتمة تنطوي على النتائج التي توصل اليها الباحث ,يركز البحث على تعريف مفردتي (السجن والمعتقل) في أدب السجون في التاريخ , حيث يؤكد الباحث على واقع أدب السجون في العصر الجاهلي والمعاناة الشديدة للأديب السجين في ظل غياب الحريات , وقد كتب الكثير من الشعراء في تلك الحقبة عن معاناتهم في السجون وهي عبارة عن (قبور للأجياء), وقد ذكر الباحث مثال لشاعر أو أديب عن كل عصر من العصور الماضية وكيف تم تصفيتهم داخل السجون لاسباب شتى منها المعارضة او الانتقاد , لكن ما يؤكد الباحث على مرّ العصور ليس بهذا الكم من المعتقلين والسجناء لما حدث في فترة حكم البعث , حيث قبضوا على اغلب المعارضين لهم وزجوهم في السجون والمعتقلات والمنافي البعيدة , ومارسوا عليهم كل اشكال التعذيب المتعارف عليها , وكان من أشهر تلك السجون في العراق (أبو غريب وقصر النهاية والحاكمية وسجون الأمن في جميع المحافظات وسجون المخابرات ) حتى تجاوز عدد السجون 120 سجن, منها ما كان عبارة عن انفاق تحت الأرض , اما في الوطن العربي فقد عرفت اسماء السجون منها (أبو زعبل,وتزمامارت , والجويدة), لم يسلم أهل العلم والأدب والفكر من السجون والمعتقلات بسبب القمع والاضطهاد الفكريين .
لكن مع تغير النظمة والحكام نجد أن الجلاد نفسه قد يتحول إلى ضحية , لكن عندما نتابع ما يحصل الآن في البلدان الأوروبية والعالم المتحضر قد وضعت حداً لهذا القمع , أما في العراق والعالم العربي لم يقتصر القمع على نظام محدد دون آخر , فالأنظمة الجمهورية لا تختلف كثيراَ عن الأنظمة الملكية , فالأيديولوجيات العربية , سواء القومية منها أم اليسارية أم الدينية , لا تستطيع أن تمتد أكثر من مساحات الشعارات قصيرة الأجل , وقد شهدت كلها مراحل ولادتها وموتها على حد السواء, فكانت أجهزة السلطة هي كوابح لتطلعات المواطنين وأحلامهم المتطلعة للمعارك الديمقراطية مقابل نقيضها الحكومي الذي يلتجئ إلى العنف لقمع المواطنين , لذلك اصبحت العلاقة بين المثقف والسلطة علاقة تصادمية ودموية في الكثير من اوجهها , ونعني بالمثقف هنا كاتب النص الإبداعي على وجه التحديد كأن يكون قصة قصيرة أو قصيدة أو مسرحية أو سيرة ذاتية وما إلى ذلك , يذكر الباحث عدنان حسين في ص68 عن رواية الكاتب عبد الرحمن منيف (شرق المتوسط) التي صدرت عام 1975 يقول" تتوفر على زمكان افتراضي,فليس هناك ما يشير إلى سنة محددة بدأت فيها أعمال القمع والإذلال والتعذيب الوحشي , كما أن الرواية تخلو من أية إشارة مكانية محددة تحمل اسماً معيناً يحيلنا إلى بقعة جغرافية عربية , لآن الروائي استجار بعبارة (شرق المتوسط) وهي تعني سوريا,لبنان,الأردن, العراق, السعودية, الكويت , قطر وما إلى ذلك من بلدان الشرق الآوسط" هذه الرواية هي صورة حقيقية للحياة العراقية إبان الحكم البعثي الدكتاتوري , لكن ما أن يشرع القارئ بقراءة النص حتى يكتشف من دون جهد أو عناء كبيرين أن المكان الافتراضي هو العراق . وخلال قراءتنا لما كتبه عبد الرحمن منيف من أدب مكرّس عن السجون تبين لنا بالدليل القاطع أنه قد اطّلع جيداً على هذه الأمكنة سواء خلال المشاهدة العيانية أم الاستماع إلى قصص وشهادات السجناء السياسيين الذين مروا بهذه الأمكنة أو قضوا فيها مدُدداً زمنية طويلة , هذه الأمكنة قد تكون صحراوية أو سرية تستعملها أجهزة الأمن والمخابرات والأجهزة الأمنية الخاصة قد ظلت مجهولة وهي أغلبها انفاق ودهاليز سرية تحت الأرض.
من خلال الأطلاع على الرواية يبين لنا عبد الرحمن منيف بأن شخصية الجلاد هنا بدوية فإنه يكره القراءة والكلمة المكتوبة , فهم مصابون بعقدة الثقافة والأدب والفن .
أما في الفصل الثاني فقد تناول الباحث موضوع (الزمان والمكان الافتراضيان في أدب السجون) تارة عن طريق التمويه والتخفي والمواربة وتارة اخرى عن طريق الرمز والايعارة والافتراض لكي يدرؤوا عنهم الشبهات ,كما تناول الفصل مفهوم البطل السلبي وإشكالية السقوط السياسي التي تعرضت لها شخصيات متعددة في الرواية .
اما رواية عبد الستار ناصر ( نصف الاحزان ) يؤكد الباحث في ص73" هو الصوت الحقيقي لعبد الستار ناصر, والوجه الآخر المخبّأ له, إلا أن شخصيات عبد الرحمن منيف في (شرق متوسط والشجار واغتيال مرزوق وقصة حب مجوسية) هي شخصيات برمتها تتعرض للتنكيل الجسدي والقمع السياسي والإرهاب الفكري والاختطاف والتغييب القسري والتصفيات الجسدية والقتل البشع , هكذا تواصلت متوالية العنف على كسر إرادة الضحية , وتفتيت صلابتها .
أما في الفصل الثالث الخاص بثنائية الجلاد والضحية , يتناول الباحث عدنان حسين ثنائية القامع والمقموع التي ترسخت في فكر سلطة البعث خلال حقبتي انقلاب 1963 وانقلاب عام1968 حتى 2003 , حيث ارتكب الحرس القومي مجازر كبيرة انتقم فيها من كل مناوئيه من اليسار , لكنهم سرعان ما وجدوا انفسهم في السجون ذاتها , وقد وضح ذلك الأديب فاضل العزاوي في (الروح الحية والقلعة الخامسة) , يقول العزاوي " لا تصبح الضحية ضحية إلا لاعتقادها بأن دمها يسكب من أجل الحقيقية , ولا يصبح الجلاد جلاداً إلا لايمانه بأن سياطه تقود البغال التي تجر عربة التاريخ ", وبحسب فاضل العزاوي فإن الجلاد يهدم في الضحية قدرتها على الحب , كما تهدم الضحية في الجلاد ثقته بنفسه في الوقت ذاته.
كشف الباحث إلى أن أغلب السجون العراقية تقع في الأماكن النائية جداً وفي قلب الصحراء , إلا أن كتابات أدب السجون بنماذحها المختلفة تنتشر وتتضاعف عقب الثورات والانقلابات والهزائم , كما هو في روايات فاضل العزاوي وكتبه النقدية , لكن في قراءة نقدية فاحصة نجد هنالك امكانية تبادل الادوار بين الضحية والجلاد , فلا غرابة ان يصبح الجلاد ضحية كما في رواية (مدينة من رماد) وأن يتحول الضحية إلى جلاد كما في رواية (القلعة الخامسة ) حيث ظل العراقيين وقوداً دائمة لمحرقة الموت .
من خلال متابعتنا لأدب السجون العراقية نجد القاص و الروائي الوحيد الذي اعترف بخطأ وقوفه إلى جانب سلطة البعث هو الكاتب عبد الستار ناصر , فاعتذر للمثقف العراقي خاصة وللشعب العراقي عامة عن كل مواقفه السابقة التي اسقطته في فخاخ خديعة النظام.
في الفصل الرابع خص الباحث هذا الفصل (للسلامة الفكرية و للنصوص الابداعية وقانون المطبوعات وسلطة الرقيب وتوظيف السيرة الذاتية واستنطاق الذاكرة), فقد صاغت سلطة البعث قانون المطبوعات والنشر وقد اقتبس منها الباحث المادة (16) الخاصة بمحظورات النشر الذي يعتبر فخ للكتّاب العراقيين, يؤكد الباحث عدنان حسين في ص172 "الرقيب العراقي له تاريخ طويل من الرعونة والبلادة والغباء ...فإن رقيب صدام حسين لا يجد ضيراً في التوقيع على سجن أو إعدام أي كاتب عراقي ينتهك هذا الكم الهائل من الممنوعات , بل إن الكتابة في العراق قد باتت أشبه بالمشي في حقول الألغام", وهذا ما حصل للروائي عبد الستار ناصر الذي ذاق مرارة السجن الانفرادي بسبب نص إبداعي تجاوز فيه الخطوط الحمراء التي رسمها قانون المطبوعات العراقي , ففي عام 1974 نشر ناصر قصة قصيرة بعنوان (سيدنا الخليفة) في العدد التاسع من مجلة (الموقف الأدبي) السورية الصادرة في شباط 1974, وقد اشار الرقيب من دون لغة مجازية معقدة إلى أن (الخليفة) في القصة القصيرة هو نفسه (خليفة) العراق أحمد حسن البكر,ذكر الروائي مما تقوم به بعض قوى الامن ومنهم شرطة الآداب , كانت في تلك الفترة تقوم بجز الشعر الطويل للشباب والازدراء منهم وقص سراويل الشارلستون وطلاء افخاذ الفتيات اللواتي يرتدين التنورات القصيرة .
أما في الفصل الخامس فقد تضمن الكتاب ثقافة العنف واشكالية المثقف والسلطة والنص التحريضي والسوريالي وجدلية الهيمنة والاحتواء والعقيدة الوثوقية وثقافة العنف,ففي ص 217 ذكر الباحث ظاهرة الروائي حسن مطلك والقاص محمود جنداري"هذين الأديبين خططا لقلب نظام صدام حسين مع نخبة من الضباط العراقيين الأحرار إلى جانب عدد من المثقفين الذين ينتمون إلى عدد من القبائل العراقية مثل الطيب أحمد الغربي العُبيدي , وناصر محمود العبادي والكردي آواة حسن", فكانت للروائي حسن مطلك مواقف شجاعة وقف بها بوجه رموز النظام حتى القاء القبض عليه وتنفيذ حكم الاعدام شنقاً حتى الموت , مما أثار اعدامه نقمة الوسط الثقافي العراقي , فهوخطاط و فنان تشكيلي وقاص وروائي وكاتب مسرحي ينتمي إلى كتّاب القصة والرواية الطليعيين في العراق, كانت روايته الأولى (دابادا) التي نشرت عام 1988 عن الدار العربية للموسوعات , فقد وصفها د. عبد الله ابراهيم حيث يقول " لا تعتمد هذه الرواية... على التفسير ووصف سلوك الشخصيات والعناية بالاستهلال والذروة والحل..إذ تَعُدّ ذلك جزءاً من الموروث الذي لا بد من الانطلاق منه إلى ما هو جديد .. إلى ما هو مبتكر", فقد اختار الروائي حسن مطلك خلال العقد الثالث والأخير من حياته اصعب المسالك وأوعرها في كتابة نصه الابداعي المخاتل .
لذلك أن الأدب التحريضي يكتبه الأدباء الذين يعيشون احراراً في السجن الكبير كما هو الحال في رواية (الفتيت المبعثر)للكاتب محسن الرملي ورواية (إعجام) لسنان انطوان .
أما الفصل السادس فقد خصصه الباحث للسيرة الذاتية وأدب المذكرات ودور المرأة في الصحوة الاسلامية والعنف الجنسي لمذكرات عشر سجينات عراقيات تعرضنَّ للموت في سجون ومحاجر الطاغية وقد دونت هذه المذكرات من قبل علي العراقي وزوجته فاطة العراقي ,وفي الجزء الاخير من هذا الفصل عرض الباحث كتاب (في أروقة الذاكرة) للقاصة والروائية العراقية هيفاء زنكنة , لكن للأمانة العلمية أن أكثر الأحزاب تعرضت لمناهضة حكم الطاغية كانت احزاب اسلامية ويسارية , وقد تعرض مثقفيها واعضائها إلى التعذيب والقتل والتصفيات الجسدية .
الفصل السابع والأخير بحث الباحث في فن السيرة الذاتية منها السياسية والتسجيلية والروائية , منها السيرة الذاتية المزدوجة (جدار بين ظلمتين) التي كتبها كل من بلقيس شرارة ود. رفعت الجادرجي هي اسلوب فني جديد عالج فيها الكاتبان موضوعاً واحداً يعتمد على التقنية اللونية,كما كشف الباحث من خلال كتابه وسائل التعذيب المادية والمعنوية منها السب والشتم والتحقير والكلمات البذيئة والضرب بالعصي المكهربة والحرق بالمكواة وغيرها من وسائل التعذيب .
يعتبر الكتاب من الكتب المهمة الذي درس بدراسة نقدية تطبيقية أدب السجون وقد سدَّ فراغاً و نقصاً كان في المكتبة العربية .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو