الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام يتحيز للرأسمالية

محمود جرادات

2014 / 9 / 16
الادارة و الاقتصاد


الكثير ن العبادات الإسلامية تستوجب القدرة المادية للقيام بها ، منها ما هو متضمن داخل أركان الإسلام الخمسة ، على سبيل المثال : الزكاة و الصدقات و الحج و الأضحيات (القرابين) ، و حتى كفارة الإفطار المتعمد في رمضان تحتمل خياراات تتعلق بالقدرة المادية لدى مرتكب هذه (الجريمة) ، ففي الوقت الذي يكتفي المقتدر بإعتاق رقبة أو إطعام ستين مسكيناً (خيارات سهلة نسبياً) لا يجد الفقير سوى خياراً بالغاً في الإنهاك و الصعوبة ألا و هو صيام شهرين متتاليين !!
قد يقول قائل أن هذه العبادات اشترطت القدرة للقيام بها و بالتالي فإن غير القادر تكفيه النية و العمل الصالح للحصول على أجر من عملها ، عدا عن أن عائدات هذه العبادات ستذهب للفقراء (مثل الأضاحي و اموال الزكاة) . هنا سنقف عند نقطة جديدة قبل العودة إلى هذا التساؤل المنطقي إلى حد الآن : ماذا عن العبادات المرتبطة بالحياة اليومية ؟؟ أو لنكن دقيقين أكثر ... ماذا عن (عبادة) الزواج على سبيل المثال ، و ما يلحق بذلك من مثنى و ثلاث و رباع و ملك يمين " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت ايمانكم" . أليست هذه الآية خاصة بالمقتدرين مادياً دون سواهم، أليست تشريعاً يتيح للجنس أن يكون مرتبطاً ارتباطاً سببياً بالوفرة المادية دون سواها ؟؟ في المقابل يقدم الإسلام حلاً عبقرياً لغير القادرين " فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ، دعونا نحلل هذا الحل العبقري: من المعلوم أن الطاقة الجنسية تستوجب طاقة جسدية ، و الامتناع عن الطعام سيؤثر سلباً في الطاقة الجسدية و بالتالي الجنسية ، و سيتم تثبيط الغريزة بهذه الوسيلة فيما يبدو أشبه بالتعذيب و الحصار ، هو ليس حلاً بمقدار ما هو مفاقمة للمشكلة الأصلية ، و إذا أردنا أن ندع البراءة و حسن الظن جانباً ، فالأمر يبدو مقصوداً لتحويل الغريزة الجنسية إلى شكل آخر آخر و هو العنف الديني (كنت أشرت له في مقال سابق بعنوان الكبت الجنسي في خدمة العنف الديني ) .
عودة إلى التساؤل المشروع المعروض سابقاً عن أن هذه العبادات تشترط القدرة كمتطلب للقيام بها ، و من جهة أخرى فإن هذه العبادات ستخدم الفقراء بشكل أو بآخر . للرد عليها سنأخذ بدايةً فريضة مثل الحج و ما يلحق بها من سنن مؤكدة مثل العمرة ، إن التكاليف الباهظة لهذه العبادات لن تفيد أي فقير و لن تحسن من وضعه المادي إلا بشكل يسير جداً في أفضل الأحوال (إذا ما استثنينا لحوم الأضاحي المتعلقة بالحج فقط لأن العمرة لا تستلزم التضحية كما نعلم) ، ذلك أن معظم التكاليف ستذهب للتجار و أصحاب الفنادق و الجهات المنظمة لهذه العبادات و للسلطة الحاكمة التي تتبع لها الأماكن المقدسة، أي أن هذه الأموال ستخرج من جيوب الأغنياء لتذهب إلى يوب أغنياء آخرين . إن المليارات التي يدفعها ملايين الحجاج و المعتمرين لممارسة عبادة لا تفيد الحضارة البشرية في شيء، كان من الممكن أن تستثمر بشكل يفيد الناتج القومي و يفيد المعوزين مادياً .
تساؤل آخر يتوجب أن يطرح و هو أن الإسلام حاول التقريب بين الطبقات المادية بدليل ما جاء في القرآن "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" و "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" و غيرها من يات الصدقات و الزكاة الكثيرة . للرد على هذا التساؤل نطرح تساؤلاً استنكارياً آخر : هل فعلاً حاول الإسلام القضاء على الفقر بشكل جذري نهائي ، أم أن جل ما فعله هو حلول تخفيفية للفقر تحد منه و لا تقضي عليه ؟؟ على مر التاريخ الإسلامي لم تأتِ أي مرحلة تم القضاء فيها على الفقر و التناقض الطبقي بشكله النهائي ، بما في ذلك فترة النبوة المحمدية و ما تبعها من خلافة راشدة (و التي تعتبر في الأدبيات التاريخية أفضل مراحل الدولة الإسلامية) حيث تردنا مئات القصص عن فقراء معدمين في نفس الوقت الذي وجد فيه أصحاب الملايين و المليارات (وفق المقاييس الموجودة في تلك الأيام) أمثال عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان ، و برزت هذه التاقضات الطبقية أوجها في زمن خلافة عثمان و أقاربه و التي انتهت بثورة ضد الخليفة و مقتله في نهاية الأمر . أما ما يرد عن عمر بن عبد العزيز من أساطير و قصص مفخمة فيبدو أنها لا تعدو عن كونها خرافات شعبية لا يقبلها عقل و لا منطق ، فالفترة الزمنية القصيرة جداً التي تولى فيها عمر الخلافة لا تكفي لحل مشكلات اقتصادية لدولة مترامية الأطراف ضعيفة في خطوط الإتصال (وفقاً للحياة البدائية تكنولوجياً الموجودة في ذلك الوقت) بكل ما فيها من تفاوت طبقي ورثتها عن الخلفاء الأمويين السابقين.
لماذا نعتبر هذه الحلول آنية و ليست جذرية ، تخفيفية و ليست نهائية ؟؟ إن الطريقة الرئيسية لتوزيع الأموال على المعوزين (اذا استثنينا جنود الحرب و ما يدخل عليهم من غنائم) تعتمد على الزكاة و الصدقات و مساعدات بيت المال ، و كون الصدقات أقرب ما تكون إلى عملية اختيارية غير مرتبطة بقانون إلزامي ، تبقى الزكاة عاملاً أساسياً في التوزيع المالي ، لكن الجمود التطبيقي و النسبة الثابتة لهذه (الضريبة) التي لا تراعي الوضع المادي المتغير للشعب من زمن إلى آخر ، و ظروف الدولة بشكل عام ، يجعلها أقرب إلى خطأ اقتصادي فادح. فعلياً لا اعلم كيف يمكن لـضريبة تبلغ نسبتها 2.5% أن تحل مشاكل اقتصادية، في الوقت الذي تلجأ فيه معظم دول العالم إلى فرض ضرائب تتجاوز الـ 50% لحل مشاكلها و توفير متطلبات حياة كريمة للشعب . أما عن المساعدات المباشرة من بيت المال إلى الفقراء ، فهي لا تتعدى ما يحصل الآن من مساعدات وزارات التنمية الاجتماعية و المبالغ البسيطة التي تصرفها للفقراء كي تكفيهم حاجاتهم الأساسية ، ذلك أن التحكم بالمال العام يخضع للعديد من الاعتبارات التي تختلف أيضاً باختلاف الظرف العام للدولة و ناتجها القومي و الأولويات التي تخضع لها ، و في كل الحالات و حتى في صرف مستحقات للفقراء من المال العام خارج إطار الزكاة و الصدقات ، ستبقى الفروقات المادية واضحة بشكل كبير و ستبقى الطبقات موجودة و ربما تتوسع أيضاً . إن كل القوانين و الأدلة الشرعية التي تتحدث في حقوق الفقراء ليست سوى اعتراف ضمني باستمرار هذه الظاهرة .
الإسلام يبدو أقرب لأن يكون يكون رأسمالياً لم يعطِ أية حلول مناسبة للعدالة المادية و للقضاء على الطبقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليته كان رأسماليا
محمد البدري ( 2014 / 9 / 16 - 00:00 )
لو انه دين ينتمي الي النسق الراسمالي لوجدنا شيئا يمكننا الدفاع عنه من اجله لكن وبكل اسف فان ما تفضلت انت به وعددته من ممارسات ذات تكلفة وتحتاج لاموال فهي كلها ليست اكثر من مطالب ابتزازية اما ممن لم يعتنق الدين بدفع جزية او تحميل من آمن به اعباءا مالية دون اي فائدة منها. الراسمالية انتاج واستهلاك واعادة لتدوير العوائد لكن ان تتم الجباية وفقط وان يتم ابتزازه بالصدقة فهذا ليس من الراسمالية في شئ. فالتجارة التي هي الاساس الذي قام عليه هذا الدين هي عملية طفيلية بين منتج ومستهلك يحملها التاجر النبي ولا دخل له بطرفي العملية. دعنا نري الابتزاز الايماني، ففي سورة المجادلة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ . غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) هكذا يجري الابتزاز لكل من جاء ليخاطب صاحب الرسالة مهما كانت وضعيته المالية. فليس غريبا ان يكون المبشرين بالجنة كلهم من كبار تجار واثريا قريش لكنهم يخدعونا بانه إمام الاشتراكيين. تحياتي وتقديري واحترامي


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 9 / 16 - 00:10 )
هل يخبرني الكاتب بـ(دين) أو (فلسفه) قامت بمثل عمل (الإسلام العظيم) من (زكاه) أو (صدقات)؟... لا يوجد .
فلسفة (ماركس) سقطت و أنتهت منذ ربع قرن , و لم تستمر سوى 70 عام فقط! .


3 - لا يمكن المقارنة
nasha ( 2014 / 9 / 16 - 01:43 )
تحية للكاتب
الاستاذ الكاتب انت تقارن بين العلم والمعرفة التي تمثلها النظم الاقتصادية العالمية سواء الرأسمالية او غيرها بنظام بدائي من اكثر الانظمة بدائية في العصور السابقة للنهظة العلمية.
الاسلام بني على الغزو واستحلال اموال الغير ولم يكن لديه اي نظام اقتصادي او اجتماعي واضح لادارة امور ما يسمى بالدولة الاسلامية لقد كانت الادارة ارتجالية عرفية قبلية لا تعتمد على نظام ثابت.
والدليل اذكر لي اسم عملة نقدية اخترعها حصراً المسلمون في تأريخهم ، قد تجد عند الامويين عملة ولكنها اصلاً فكرة بيزنطينية وبتسمية غير عربية وجائت بعد احتلال الشام والعراق.
الاسلام لا يجب ان يفهم او يقارن بما يدير الاقتصاد والدول العصرية.
شكراً لك


4 - طبعا يتحيز للرأس مالية
HAMID SAYADI/Kirkuky ( 2014 / 9 / 16 - 10:28 )
أولا أنها غير علمية وخرافية و أقتصادها في البداية كانت ترتكز على الغزو والسطو الغنيمة وحاليا تعتمد على النفط شعب ليست فيها طبقات وأنما سعوب و دويلات معاشية شره وغنية لحد الإنفجار[ داعش أحد إنفجاراتها المالية ] المخولة من الخليج الفارسي.
ثانيا بواسطة الأسلام قضيت على الأتحاد السوفيتي [بن لادن و اموال السعدان والخليج]
ثالثا أستعمال أية شكل من الإسلام هى في صالح الإمبريالية, لأن آلإسلام دين عنيف ويذبح كل فكر يساري وعلمي وخاصة ألحادي وشيوعي. أنها خندق عميق في الفكر الرجعي الأنساني لصالح الرلأسمالية الغربية في بلدان العالم الأسلامي. من حماس وإخوان و شيشان و أبو سيف و أكيور في الصين والسيعة في إيران والعراق والسنة الغيبية في الحجاز والنصرة وداعش في سوريا وأوردغان الرجعية التركية الجميع أنتاج أو تجميع أمبريالي لتذليل الجماهير وأشغالهم بمشاكل دينية بدلا من الطبقية[ فقط لاحظ كتابات المعلقين الأسلامين لا يكتبون حول النضال الطبقي وإنما النضال البضري الختاني النكاحي! هذا وشكرا إذا لم تحذف تغليقي هذه!


5 - الاسلام ليس رأسماليا
على سالم ( 2014 / 9 / 16 - 18:54 )
كنت اتمنى ان يكون الاسلام يؤمن بالراسماليه ,حقيقه الاسلام نظام غريب وعجيب ولا تجد له مثيل فى تاريخ البشريه ,النظم الارأسماليه والاشتراكيه والشيوعيه تسير على نظام وفهم ودراسه وعدل ,اما الاسلام فشئ يختلف تماما ,مايسمى بالاقتصاد الاسلامى كذبه وافتراء كبير ,فى بدايه دعوه الاسلام كان محمد يعتمد على الاغاره على القوافل الامنه وسرقتها ,اى انه كان سطو مسلح فى المقام الاول واما بيت المال فهذا ايضا افتقاده الى الشفافيه ,كيف للص ان يقوم بالسطو المسلح وبعد ذلك يوزع السرقات على الفقراء والجوعى والمحتاجين ,هذا ضد المنطق من الاساس لان اللص يفتقد الى الشرف والاخلاق والنزاهه والعدل ,اللص منحرف نفسيا واخلاقيا واجتماعيا

اخر الافلام

.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر


.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل




.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و


.. قناطير مقنطرة من الذهب والفضة على ضريح السيدة زينب




.. العربية ويكند | 58% من الأميركيين يعارضون سياسة بايدن الاقتص