الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«داعش».. توحيد للعالم الآن فقط!

طيب تيزيني

2014 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


انطلقت عواصم الغرب منذ بعض الوقت تعلن بصوت لاهث، دعوتها للوقوف في وجه "التسونامي" الإجرامي الجديد "داعش"، الذي يمثل ظاهرة خطيرة في الحقل الأكثر حساسية، أي في حقل الأديان والعقائد والأيديولوجيات، فهذه جميعاً تبرز هنا بصفتها حقولاً مغلقة بإطلاق لا تحتمل قراءة متحركة أو قراءات متعددة ممكنة، فإما أن تأخذ بها جزءاً وكلاً، وإما أن تأخذ مكانك بمثابة حالة مطلقة ومغلقة وغير قابلة للاحتمالية ولا للتأويل، بصيغة ما وبوجهة ما، فإن موقفاً من هذا النمط يُعرّف بذاته من دون غيره.

إن قيام المسلم ببذل جهد صادق في قراءته وتأويله النص القرآني المقدس، يعتبر مدخلاً مقبولاً، مع حثّه على الاجتهاد وتدخل هنا كذلك الفكرة المستنبطة من الحديث النبوي القائل أن «القرآن ذو وجوه متعددة، فخذوا بوجهه الحسن»، لتعمق أبعاد القراءة القرآنية (الحسنة).


ذلك جميعاً يجعل أمثال "داعش" حالة أو قراءة أو أمراً مستعصياً على البشرية وخارجاً عن القراءة الحسنة وما عليها، وهذا بدوره يضع الناس المؤمنين في آخر فسحة من عنق الزجاجة، مما يُخرج الموقف من المنظومة الدينية الإسلامية والمنظومة الأخرى الإنسانية النبيلة.

ما وصل إليه "داعش"، وما يطالب به يُمثل حالة تعجيزية بحد أقصى، وهذا يعني أن (داعش) نفسه يمثل ضحية الفساد والإفساد والظلم والاستبداد والإفقار، الذي عمّ العالم واخترقه، والملاحظ الطريف أن هذا الواقع الهائل في ظلاميته ومأساويته هو الذي يُراد له الآن أن يوحّد العالم تحت راية (مكافحة الإرهاب)، لماذا يعيش هذا العالم في ذعر مريع؟ لأن الموس وصل إلى ذقونهم جميعاً! والحق، إذا ما تتبعنا تاريخ الإرهاب بدقة، وجدنا إحدى مراحله ماثلة في مداخل ومظاهر متعددة، منها الدولة الطبيعية الطائفية بسلطة استبدادية تلتهم ثروة المجتمع وحق العمل وعدالة العمل ومصداقية المدرسة وشفافيتها، معاً مع تكريس إعلام الوطن والشعب والبناء لخدمة رؤوس أو رأس الدولة والمجتمع، ومع قضاء فاسد يلتهم الحق والحقيقة ويزج في السجون عشرات ألوف الشرفاء والمهمشين… الخ، إن مجتمعاً يقوم على الحرية والعدالة والمدنية والديمقراطية والمساواة هو الذي يحول دون نشوء الفساد والإفساد والاستبداد والإفقار والإذلال والتهميش والتجهيل المعرفي والثقافي، ومن ثم الإرهاب وهذا ما هيمن على المجتمعات الرأسمالية الاستعمارية والأخرى المتخلفة والمخلَّفة والمحكومة من قبل آليات النظام الأمني الاستبدادي واستئثار بالثروة والسلطة والإعلام والمرجعية المجتمعية.

هكذا نضع يدنا على قاع الإرهاب وجذره، إنه مجتمع القلّة الفاسدة المجرمة التي أثْرت وتُثري على حساب الأكثرية الكادحة. هذه القلة التي قد توظف الهوية الطائفية أو الدينية أو الإثنية في خدمة التأسيس لتفكيك مجتمعها وإفقاره وإذلاله وتهميشه من طرف أول، إضافة إلى أنها قد تستفز هذا المجتمع وتورّد له أنماطاً من المشكلات والاستفزازات ذات الديمومة الزمنية من طرف آخر، تلك التي تبرز منها مثلاً مأساة الشعب الفلسطيني، ومن ضمنه أطفال ونساء، وكذلك مأساة الشعب السوري الذي يعيش مأساة إجرامية غير مسبوقة، ومن ضمنها صورة تهز الأعماق لطفل بعمر ستة أو سبعة أعوام، وهو نائم بين قبرين لأمه وأبيه.

الإعلان عن تشكيل قوات عسكرية عالمية لمواجهة "داعش" أمر مشروع وفي غاية الأهمية، ولكن من دون غض الطرف عن كون الإرهاب الذي يهز العقل والضمير والإنسانية والذي يعيشه العالم، لم يأت من "داعش" فحسب، بل هو ذو تاريخ أسود أنتجته وكرّسته وعمّمته مرجعيات العصابات الدولية خصوصاً في البلدان التي تقوم على جهود عصابات متخصصة بالقتل والذبح، الذين يبرزان بمثابة استراتيجية دولة أو بعض دولة، إن "داعش" تعبر عن أكثر الجرائم خِسّة وشناعة، ولكن الفريق الآخر الذي يحصر الإرهاب في حقل الغرب الراهن ويبرر بلداناً من الشرق ليست بعيدة عن المشاركة في الحرب ضد الشعب السوري وفي سبيل تكريس نمط من الإرهاب الدولي.

ليس ثمة ما يسمح بتسويغ أعمال الطرف الآخر من المعادلة، أو ما يُخفي أعمال هذا الطرف الآخر، كلاهما، الغرب والشرق متورط بأعمال إرهابية موجهة إلى الشعب المظلوم، وعلى أرضه، ويبقى القول حاسماً بأن الدعوة إلى تأسيس قوة دولية مضادة لداعش، إنما كان على من يُطلقها ألا يسوغها، لأن الأيام والسنين السابقة عليها لم تكن تخلو من أعمال إجرامية قام بها الغرب وألحق عبرها الأذى الهائل بحياة وحقوق شعوب عربية مكافحة، في فلسطين وفي العراق وفي سوريا ولبنان وغيرهما، إذن، لنقل دعوة لتوحيد العالم عبر إسقاط قوى الشر والإجرام والإرهاب في كل العالم، ومن أجل تحقيق شعار العصر: الحرية والعدالة والكرامة والمساواة في مجتمعات وأوطان من نمط وموطن حر وشعب سعيد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظات 2
أنيس عموري ( 2014 / 9 / 16 - 10:18 )
في قولك: (ما وصل إليه -داعش-، وما يطالب به يُمثل حالة تعجيزية بحد أقصى، وهذا يعني أن (داعش) نفسه يمثل ضحية الفساد والإفساد والظلم والاستبداد والإفقار، الذي عمّ العالم واخترقه)،
فهذا تشريف لداعش لا تستحقه. ظاهرة داعش لا علاقة لها بالفساد والإفساد بل بالتعليم والشحن الديني الذي شحنت ناشئتنا. الآن يشارك في صفوف داعش ألوف من الأوربيين، فهل انضم هؤلاء إلى داعش بسبب ما عانوه في بلدانهم من فساد وإفساد وظلم واستبداد وإفقار؟ هل الذين شاركوا في (غزوة نيورك) كانوا يعانون من الظلم، وهم ينتمون إلى الطبقات الميسورة الحال، وأمامهم مستقبل واعد؟ التطرف مهما كانت خلفيته لا يجب أن نجد له تبريرا سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا بل دينيا فقط، لأن الإسلام هو مصدر التطرف.
في قولك- (والحق، إذا ما تتبعنا تاريخ الإرهاب بدقة، وجدنا إحدى مراحله ماثلة في مداخل ومظاهر متعددة، منها الدولة الطبيعية الطائفية بسلطة استبدادية تلتهم ثروة المجتمع وحق العمل وعدالة العمل ومصداقية المدرسة وشفافيتها … الخ،؟) يتبع


2 - ملاحظات 3
أنيس عموري ( 2014 / 9 / 16 - 10:20 )
هنا أسألك سؤالا بسيطا: هل الحرب الدائرة في سوريا من طرف جماعات كلها إرهابية (بالإضافة إلى إرهاب النظام طبعا)، انطلقت من أجل تكريس (الحرية والعدالة والمدنية والديمقراطية والمساواة) في سوريا؟ أتحدى أيّا كان أن يأتيني بمثال واحد عن فصيل ثائر يحمل هذه الأفكار. بل حتى ممثلي المعارضة لم يتفقوا على هذه القيم الحضارية.
في قولك: (إن مجتمعاً يقوم على الحرية والعدالة والمدنية والديمقراطية والمساواة هو الذي يحول دون نشوء الفساد والإفساد والاستبداد والإفقار والإذلال والتهميش والتجهيل المعرفي والثقافي، ومن ثم الإرهاب وهذا ما هيمن على المجتمعات الرأسمالية الاستعمارية والأخرى المتخلفة والمخلَّفة والمحكومة من قبل آليات النظام الأمني الاستبدادي واستئثار بالثروة والسلطة والإعلام والمرجعية المجتمعية.)
فهل عندك نموذج للحكم أفضل من النموذج الرأسمالي اللبرالي الذي هو إلى حد الآن أفضل ما أبدعه البشر، دون أن يكون نهاية التاريخ طبعا؟ زودنا به إذن. كل النماذج التي حاولت تجاوز هذا النموذج انتهت إلى بناء نماذج أسوأ منه. وليس بين أيدينا الآن نموذج يمكن أن يكون بديلا للنظام الديمقراطية اللبرالي.
يتبع


3 - ملاحظات 4
أنيس عموري ( 2014 / 9 / 16 - 10:27 )
هكذا يفكر الكثير من اليساريين، بينما الواجب هو بناء مجتمعات لبرالية حرة ديمقراطية بدل تثبيط عزائم المناضلين عبر هذا الموقف التعجيزي.

اتهام الغرب غير مثمر. بل هو موقف جحود وناكر للجميل ومعرقل لعقول الناشئة التي تبحث عن مخرج. الغرب قدم لنا ما لو فهمناه وتقيدنا به لخرجنا من هذه المحن: الديمقراطية والعلمانية والحريات المختلفة. الغرب فتح لنا أبواب العلم والتعلم. الغرب لجأ إليه منا كل من انسدت في وجهه السبل وضاقت به الأرض بما رحبت، الفشل كل الفشل والإرهاب بضاعة ظللنا نمارسها منذ قرون استنادا إلى موروثنا المقدس، حتى قبل التقائنا بالغرب الاستعماري، وفشلت كل الجهود الصادقة ليس بسبب تدخل الغرب بل بسبب البنى التقليدية الاجتماعية والدينية التي ظلت تنخرنا عبر القرون. نحن في حاجة إلى التواضع حتى نتمكن من التعلم من تجارب الغير التي أثبتت نجاعتها. ما أحوجنا إلى محاكاة الأسيويين في تعاملهم مع الحضارة الغربية، إن تمكنا من التَّخَفُّف من أثقال ماضينا الإرهابي.
هذا فيديو حول تخريج الإرهابيين في السعودية:
http://www.youtube.com/watch?v=HS1v1sSO9hQ
تحياتي


4 - ملاحظات 1
أنيس عموري ( 2014 / 9 / 16 - 12:38 )
في قولك: (إن قيام المسلم ببذل جهد صادق في قراءته وتأويله النص القرآني المقدس، يعتبر مدخلاً مقبولاً، مع حثّه على الاجتهاد وتدخل هنا كذلك الفكرة المستنبطة من الحديث النبوي القائل أن «القرآن ذو وجوه متعددة، فخذوا بوجهه الحسن»، لتعمق أبعاد القراءة القرآنية (الحسنة).)
لا اجتهاد مع النص، فهو مقدس كما قلتَ، هذا ما أجمعت عليه كل المذاهب الدينية. استرشادك بالحديث النبوي: (القرآن ذو وجوه متعددة، فخذوا بوجهه الحسن»، لتعمق أبعاد القراءة القرآنية (الحسنة).)، يحتمل كل أنواع التحايل. هل يمكن أن نتفق على ماهية هذا (الحسن)؟ أنا أطالبك أن تقدم لي موقفا واحدا وقفته داعش ويخالف (حسن) الإسلام كما مارسه الأسلاف: الغزو، سبي النساء، الرق، وحتى الذبح، رفض المعتقدات الأخرى والحكم عليها بالكفر. ألم يقل عمر بأن جزيرة العرب لا يجتمع فيها دينان؟ وقبله قال النبي: أمِرْتُ أن أقاتل الناس.....الخ
في قولك: (ذلك جميعاً يجعل أمثال -داعش- حالة أو قراءة أو أمراً مستعصياً على البشرية وخارجاً عن القراءة الحسنة وما عليها)، يوحي وكأن (داعش) خارجة عن (حسن) الإسلام. النقد يجب أن يوجه للإسلام وليس لمن يطبقه.

اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب