الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبيط...الشوك الدامى - الفصل الثامن عشر

أنور مكسيموس

2014 / 9 / 17
الادب والفن


الفصل الثامن عشر
فهم عبد الرحمن بك تلميحات بلال أبو سنة, عندما أخبره بوفاة شاعر الربابة, فى نفس اليوم الذى صفعه على وجهه. كما أضاف كى يطمئن عبد الرحمن بك بأن الولد اختفى ولم يعثر على أى أثر له, وربما فى هذا التلميح أراد أن يكون لعبد الرحمن بك يد فى ذلك.
استمع اليه دون أن يعلق, وكى يظهر قوته ونفوذه وعدم تأثره بما يقول هذا الأهوج الخبيث, أمره أن يصمت حتى يأذن له بالحديث!...
ظل بلال يجرى ويلهث خلف دابة عبد الرحمن بك, صامتا ومبتسما فى خبث, حتى وصل عبد الرحمن بك الى مزارع القصب, ثم مصنع السكر حتى ذهب الى مكتبه آخر الأمر وانشغل كلية فى عمله ونسى كل شئ آخر, حتى قرب ميعاد عودته الى منزله ليستريح قليلا.
...................
وكان بلال أبو سنة فى أنتظاره, فساعده على امتطاء دابته, وانطلق خلفه, يمسك بيمناه طرف عصاه وطرفها الآخر على كتفه...
وبينما هما سائرين, تحسس بلال كلماته وهو يقولها على استحياء, وكما يقولون ورزقه على الله:
- سعادة البك!...أهل أى بلدة هم أدرى بطبائعهم, وخلائقهم...حتى انهم يحفظون بعضهم بعضا عن ظهر قلب...ونيات كل منهم, نحوالآخر.... يحفظون دروب البلدة وكل شئ فيها عن ظهر قلب...وهم قادرون على خداع بعضهم البعض, وفى نفس الوقت لا يأمنون لأحد منهم...
كان عبد الرحمن بك يستمع لبلال, وتركه ليقول ما يشاء, ولما لم يجد بلال أى رد فعل عنيف من البك, قرر أن يكمل:
- سيادتك أنا من أهل هذه البلدة, أنا أختلط بهم....وأعرف الكثير جدا عنهم...عن دسائسهم ضد بعضهم البعض...يحكون لى للدس بعضهم ضد بعض...وان نجحت دسيسة أحدهم ضد الآخر...أعطاهم الظن والاحساس, بأنه صاحب حظوة ما عند أصحاب السلطة...
كان بلال يتحدث عن نفسه ويصفها, ولذلك كان كلامه يعط الاحساس بشئ من الصدق...
- أنا نفسى!...قد خدعت, حتى اننى لم أعرف شيئا عما يحدث...الا بالصدفة من أم نحمده...التى عرفت بالصدفة من زهية, جارة أم حجاج...عندما اشتعلت بداخلها نار الغيرة من سيدة أم حجاج...وقد ظنت أن هذا الشئ واقع لا محالة!...
- وما هو هذا الشئ الواقع بلا محالة؟!..
- تردد بلال قبل أن يفصح, وقد ظن أن البك قد يفهم مقصده دون التصريح المهين, لكنه قال: تخاريف نساء, وأحلام مريضة, وطموحات فى نسب الأكابر...
- لم أفهم؟!...
- تصنع الخوف والتردد قبل أن يكمل: لقد أشاعت تلك الشيطانة, أن ولدها هذا العويل...سوف يتزوج بنت سعادتك...وجعلت هذا يسرى فى البلدة كلها...وكانت تدفع لشاعر الربابة, من خير سعادتك عليهم وعلى الجميع...كى يأتى هنا ويقول ما يقول...يظنون أن أولاد الأكابر قد يفهمون هذه اللغة وهذا الكلام...
- لماذا لم تبلغنى عندما علمت؟!...
- كنت أخشى سعادتك, لم يكن من السهل الحديث فى ذلك الموضوع...وأنا أعلم غلاوة الست سوسن عند سيادتك وفريدة هانم...لكننى لم أنام الليل وأنا أفكر فى أنهاء هذا الموضوع, قبل أن تعلم سيادتك...
- وكيف يمكن أنهاء موضوع مثل هذا؟!...
- هل تترك لى سيادتكم, بضعة أيام, كى انهى هذا الموضوع نهائيا دون شوشرة, أو أثر!...
- وماذا ستفعل؟!...حذار أن تفعل شيئا قبل أن تخبرنى!..
- سوف أقول لسيادتك, قبل أن أفعل أى شئ...
- الآن تصمت!. لا أريد أن أسمع شيئا آخر الآن!...
سرح عبد الرحمن بك فيما يجب عمله, وخصوصا هذه الفترة الحرجة فى عمله. جمع محصول القصب من مزارع الباشا, والفلاحين, وعمل مصنع القصب بكل طاقته وكل الورديات, ومقابلات الباشا ومطالبه وأوامره...وأهم من كل ذلك ابنته سوسن, التى افتقدها كثيرا, ولا يمكن رجوعها الآن. وربما لزمن طويل...
فى ذلك الوقت, كان بلال قد شرد أيضا فى أحواله. كانت فرصة لقتل الصبى, فى هذه الفوضى السائدة دون أن يمسه شك فى هذا الموضوع. سوف يكون بعيدا عن دائرة الشك فى رأس زعيم المطاريد وسوف تطوى صفحته المشينة مع الصبى. وربما قام هلال الديب بقتل عبد الرحمن بك. نعم سوف يفى هذا بكل الغرض, فى فترة حزن السيدة فريدة, على عبد الرحمن بك, سوف يتقرب اليها أكثر فأكثر, فتشعر باخلاصه, وهيامه بها, وربما قبلت الزواج به, فى فيلتها التى سوف يتركها لها الباشا, بكل تأكيد...
لكن كيف يتم قتل الصبى؟...
.............
بعد أن وصل عبد الرحمن بك الفيلا, قرر بلال ألا يذهب الى منزله...فأكل وهو شارد فى أفكاره وأحلامه, مما أتته به أحدى الخادمات...
وفجأة خطر له أن يذهب الى غرفة خزن الغلال, حيث تعود الصبى, أن يأتى فى هذا الميعاد.
جلس على الدكة الموجودة, فى الغرفة, فى انتظار أن يأتى الصبى, ويرى ما سيفعل.
وبينما هو يدير وجهه, يمنة ويسرة, لمح على أقصى اليمين بندقيتى صيد أحدهما بندقية بمسورتين, والثانية بمسورة واحدة, وسرح فى أفكاره. وبينما هو يفكر, اذا به يسمع, صوت أقدام خافته, تأتى الى الغرفة, وفجأة ظهر حجاج. ارتبك أول الأمر, لكنه قام ودفع الصبى الى خارج, قائلا له: عبد الرحمن بك سوف يأتى الى هنا لحصر غرفة الغلال, دعنا نذهب...
مانع الصبى أول الأمر, لكنه استجاب, عندما رأى بلال ينسحب سريعا, دون أن يطيل عليه الرجاء, أن يذهب...
ذهب الصبى, ورأى أنه قد يأتى فى وقت آخر, فهو لم يرى سوسن منذ عدة أيام, ولم يعلم أنها سافرت مع خالها...
بدأ بلال يرسم خطته فى قتل الصبى...يأخذه الى مكان بعيد فى البلدة داخل مزارع القصب, ويقتله, خنقا او بسكين, لكن الصبى عفى, وقد يشك فيه, أو يغلبه. سوف يستخدم البندقية...لكن! صوت الطلق النارى سوف يكون شديدا ويسمع عن بعد...كما أنه لا يستطيع قتله فى الفيلا, فسوف يثير الشبهات, فى كل العاملين فى الفيلا وسوف يتوصلون له لا محالة, وسوف يقع بين مطرقة البوليس, وسندان المطاريد...
وفجأة هبطت على رأسه فكرة, لا تأتى الا من الشيطان؟...لماذا لا يقتل الصبى نفسه؟. سرح فى هذه الفكرة, التى سوف يوافق عليها بكل تأكيد, عبد الرحمن بك, وهى سوف تنفى عن كليهما تهمة القتل العمد, وان سرح الخيال بأحد من أهل الصبى, سوف يلصقونها بعبد الرحمن بك, وربما أوحى هو بذلك, ليتم قتله, ويخلو له الجو, وينفرد بفريدة هانم!؟...فالمرأة لا تستطيع أن تعيش دون رجل, يشبع غرائزها!؟....سوف يصبح هوسيد الفيلا, وفارس فريدة هانم, بدلا من ذلك البدين جدا, عبد الرحمن بك...وسرح كيف كانت علاقته بها تتم, وهوالبدين جدا, وهى النحيفة...
ولقد كان العمال فى الفترة الأخيرة يتضاحكون على خيالاتهم هذه...ولم يكن هذا السيد الطيب والحازم, يدرك أسباب ضحكهم...فكان يتركهم لشؤنهم!. لا مانع أن يعملوا وهم مسرورين...
.........................
قبل أن يذهب عبد الرحمن بك الى مكتبه, قال لزوجته فريدة شاكرا: لولا انت, لكنت تصرفت بحماقة واندفاع ليس له مثيل...شكرا يافريدة...نعم الزوجة...
سألته ماذا سيفعل, فأجابها اجابة مختصرة ومفيدة: طالما بدأت أفكر بهدوء, ودون عصبية, فالموضوع على وشك الانتهاء...لا تقلقى من شئ...الضغوط كثيرة...لا تقلقى...
انطلق عبد الرحمن بك, خلفه بلال أبو سنة, وقد رأى على وجهه, ما يدل أنه وصل لحل, لكنه لم يرى ولو مرة واحدة من قبل, انه سر برأى من أرارء هذه المعتوه, لكنه هذه المرة أبهره, وجعله يفكر فى حذر منه!.
- أننى أرى على وجهك, راحة وابتسامة, هل هناك ما تخبرنى به؟!...
- نعم يا سعادة البك, كل شئ سوف يسير حسبما تريد, ولن يكون علينا أى غبار؟...
- ماذا تقصد ب علينا أيها الغبى؟!...
- لا أقصد سيادتك, لا تؤاخذنى فى حديثى الغبى...لن يكون للفيلا أى دخل, فى هذا الموضوع...
- قل ما تريد قوله...فيما بعد يجب أن تتعلم كيف ومتى تقول أى شئ عندما تتحدث معى...
- نعم سعادتك. ثم أردف قائلا: ما رأى سيادتكم, أن الصبى سوف يقتل نفسه, بعيدا عن أى شبهات, فى الفيلا!...
- كاد عبد الرحمن بك يعيد عليه ألا يلمح هذه التلميحات مرة أخرى...لكنه ترك ذلك وأمره أن يكمل!...
- لقد وجدت فى غرفة الغلال بندقيتين...
- وقبل أن يكمل: هل تريد قتله ببنادق خاصة بالفيلا, ايها الغبى وتقول لى, بلا أى شبهات تخص الفيلا,....غبى!...
- لا...لا...سيادتكم فهمتنى خطأ...ثم أردف مصلحا خطأة...ربما أخطأت فيما أقول!...واردف سريعا: سوف يعبث الولد بأحد البنادق المحشوة؟...
فهم عبد الرحمن بك مقصد هذا الشيطان, وقال له تريد حشو أحد البنادق؟!...
- نعم سعادتك!..
- وأين ستكون أنت؟.
- سوف أكون بجواره.
- فهمت!...
- أريد حشو البندقية ذات الماسورتين "ببارودتين" أى بطلقتين!...
- نظر عبد الرحمن بك, اليه وضحك وقال: هل يقتل الانسان نفسه مرتين, أو يصيب نفسه أول مرة, ثم يقتل نفسه فى المرة الآخرى...فكرة جيدة...لكنى لو تركتك سوف تقودنا الى مصيبة...وماذا أيضا؟...أوافقك على هذه الفكرة, لكن طلقة واحدة وصائبة!...طلقة واحدة وصائبة...
- لقد فاتتنى تلك الملحوظة...طلقة واحدة فقط...وسوف تكون صائبة, وفى الصميم....سوف أجعله أول مرة, يحتضن البندقية ذات "الروحين" ويطلق, حتى يطمئن...ثم أجعله يحتض البندقية الأخرى المشوة بطلقة واحدة, ويضعها تحت ذقنه, ويطلق...أو أنا من يطلق ما رأى سيادتكم؟...
- فكرة لا بأس بها, هل تعرف كيف تستخدمها؟...
- علمنى سيادتكم, وأنا اتعلم بسرعة...
- غدا بعد عودتى, سوف ترينى كيف تتصرف, والتفاصيل.
- أهم حاجة سعادتك, ألا يكون أحد خارج الفيلا, وألا يخرج أحد بعد الطلق النارى مباشرة...
لم يعقب عبد الرحمن بك, لكن الفكرة راقت له...وتعجب كيف أن الظروف, جعلت الحديث أخذ ورد بينه وبين بلال, الذى لم يكن يجرؤ على فتح فمه, وهو يلهث بعصاه وراؤه...
ألم يكن هناك حلول أخرى...طرد الولد وابيه, وكل العاملين فى الفيلا, واحضار عمال من بلاد أخرى بعيدة...طمعوا فى جسد ابنته وهذا ليس سهلا عليه, وهذا "الحيوان" الذى تجرأ وقبل ابنته التى لا تعرف شيئا, عن هذه المواضيع...ثم هذه الفضيحة التى يروجون لها...عقول شيطانية, لابد أن يموت هذا الولد ويفقدوا رأسمالهم الذين يراهنون عليه, وسوف يقوم بطرد جميع العاملين, عنده فى الفيلا, وفى التفتيش, ولكن فى هدوء!...وبعد انتهاء موسم عصير القصب!....
.........................
فى اليوم التالى دخل عبد الرحمن بك مع بلال غرفة الغلال, اخذ البندقية ذات الماسورتين, وعلمه كيفية استخدامها.
فأخذها بلال وأراه كيف سيضمها هو ويطلق, حتى يطمئن الصبى.
وأتاه بلال بالبندقية الأخرى ذات الطلقة الواحدة, وأراه عبد الرحمن بك, كيف سيستخدمها.
ثم أراه بلال الوضع الذى سوف يكون عليه الولد, وهو يحتضن البندقية, وهى تحت ذقنه تماما, ثم يطلق.
أمره أن يأتى أكثر من مرة حتى لا يخطئ, وسوف يقول له, متى ينفذ.
كان عبد الرحمن بك يفكر, يوم عودة الباشا من القاهرة, والكل يأتى ليسلم عليه, كما أنه سوف, يحظى بتوصيات الباشا, وعدم أطالة مواضيع التحقيق!...
أعاد بلال المشاهد كلها فى رأسه, واطمئن تماما لخطته. لكن أفزعه شئ!؟...هو ما قاله لعبد الرحمن بك: اذا لم يطلق الصبى, أطلقت أنا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل