الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قناة السويس الجديدة والهروب من الحلقة المفرغة

شريف عشري

2014 / 9 / 18
الادارة و الاقتصاد


كثيرة هى المقالات والنقاشات التى تناولت مثل تلك القضية الهامة بالوصف والتفنيد ...لكننا فى هذا المقام نود أن نتناول القضية من منظور تحليلي مستطردين فى بحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية المحتملة والمترتبة على إقامة مثل هذا المشروع العظيم ... بداية نقول أن الدول على اثر الازمات كالحروب والنزاعات المسلحة او على اثر الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والعواصف ..الخ ينتابها كساد محتم يقود اركان اقتصادياتها ويبطئ من دوران عجلات انتاجها ...وهذا بالطبع ما يدخلها فى حلقة مفرغة تبدأ من انخفاض المدخرات نتيجة انخفاض الدخول ومن ثم انخفاض الاستثمار وهذا يؤدى الى ارتفاع البطالة ومن ثم انخفاض نصيب الفرد من الدخل القومى ومن ثم انخفاض مستوى الصحة والتعليم فانخفاض الانتاجية فانخفاض الناتج القومى ومن ثم الدخول فى بداية نفس الحلقة المفرغة ومن أول وجديد ..حلقة مفرغة لا تنتهى سوى بكسرها من اضعف نقاطها ..ألا وهو الاستثمار .اذن اى دولة منكوبة فى اقتصادها او انها تمر بحلقة مفرغة يتعين عليها الخروج من تلك المتاهة بحقن اقتصادها بمشروع استثمارى ضخم يمثل الحجر الملقى فى بركة مياه راكدة ...مشروع يتميز بروابط خلفية وأمامية backward and forward linkages كبيرة تنعش الاقتصاد وتحرك المياه الراكدة وتعجل من بدء حركة دوران جهاز انتاجه ...والتاريخ الاقتصادى ينبئنا عن أحداث جاءت على نفس هذا المنطق ...بل أن ادبيات التنمية الاقتصادية وتجارب الدول فيها تكاد لا تخلو بصورة او بأخرى من تجربة على تلك الشاكلة ..ومن أشهر الأمثلة فى التاريخ الاقتصادى هو مشروع مارشال والذى كان هدفه إعادة إعمار أوربا – اقتصاديا- بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم التخفيف من حدة البطالة والكساد والفقر والتى كانت بيئة مواتية لانتشار الشيوعية فى تلك البلدان والتى تعين على أمريكا مواجهتها من خلال هذا المشروع الضخم .
تقريبا مشروع قناة السويس الجديدة يتشابه مع مشروع مارشال فى أوجه عديدة وعلى رأسها أنه مشروع اقيم خصيصا للخروج من الحلقة المفرغة للكساد والفقر بعد سلسلة من الاضطرابات الثورية دامت ثلاث سنوات وأدت الى تجمد عجلة الانتاج ...مما تسبب فى خلق بيئة مواتية لانتشار الفكر المتطرف وتنفيذ الاعمال الارهابية ...فكان لزاما على الدولة خلق مشروع جديد ضخم يتميز بروابط خلفية وأمامية كبيرة تحدث انتعاشة كبيرة فى الاقتصاد ويتجمع حوله المواطنون فيقوى ولائهم لوطنهم ويتوحد صوتهم فى مواجهة الارهاب والتطرف الذى لا يعرف دين ولا وطن !
فالبيئة الاقتصادية فى مصر يجتنفها العديد من المشاكل المؤسسية ذكرنا معظمها فى مقالات سابقة إلا ان ما نود التركيز عليه ان التنمية الاقتصادية فى مصر يعوقها مشكلة الازدواج الاقتصادى والاجتماعي بمعنى ان هناك مجتمع كبير فقير جدا مزروع بداخله مجتمع صغير جدا وغنى جدا ..وبالتأكيد هذا ما هيأ البيئة المواتية لسلسلة الاضطرابات التى شهدتها مصر فى الآونة الاخيرة ...ناهيك عن مشكلة التكدس السكانى حول حوض النيل وترك مساحات شاسعة من الوطن يدون توظيف ! لذا فالمشروع هام جدا لمواجهة تلك . بقى نقطة هامة متعلقة بالتمويل ...فتمويل مثل هذا المشروع الضخم لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يعتمد على فكرة الصكوك الاسلامية كما كان يروج لها الاخوان المسلمين فى عهد مرسي ...كما لا يمكن ان يعتمد على تدول أصوله فى البورصة - كما ينادى البعض - ففى تلك الحالتين يكون مشروع قومى فى متحكم فيه من قبل رؤوس اموال خاصة أجنبية أو حتى وطنية ..خاصة ومستغلة ..فيخرج بذلك مشروعنا خارج سيادة الدولة وربما يصبح عرضة للسطو او منفذ للتدخل الخارجى فى شئون مصر الداخلية ...وهذا ما لا نريده ولذلك اعتمد تمويل هذا المشروع على الاكتتاب في شهادات استثمار مقيدة بمدة زمنية محددة ...حتى يستفيد الطرفان الممول والمنشئ بدون أى تدخل سافر فى إدارة هذا المشروع الوطنى ..فالمشروع مصرى بحت ويخدم كل المصريين وملكا لهم لكنه فى ذات الوقت ينبغي أن يدار بأيدى وطنية أمينة دون أدنى تدخل من أعداء الوطن المحتملين فى الداخل أو الخارج !.. عموما يمكن اجمال الآثار الاقتصادية والاجتماعية للمشروع فى التالى :
1- حفز الاستثمارات الجديدة ومن ثم مواجهة البطالة وخلق فرص عمل حقيقة جديدة ..فكما ذكرنا ان مشروع بهذا الحجم يستلزم اقامة مشاريع اخرى من الامام ومن الخلف ..من الامام بمعنى انها تعتمد على مخرجات مشروعنا كمدخلات لها ..ومن الخلف بمعنى انها تنتج مخرجات تكون بمثابة مدخلات لمشروعنا ...فمثلا اقامة مشروعات شحن وتفريغ أو استيراد وتصدير أو محلات تجاربة أو مصانع ومجمعات سكنية أو مستشفيات ومدارس ...الخ كلها مشروعات مرتبطة بمشروعنا من الامام ...أما اقامة خدمات صيانة للمراكب مثلا أو شركات انتاج مستلزمات اقامة وبناء وتشغيل مشروعنا من اسمنت ومواد تشطيبات وبناء وحديد وصلب ..الخ تعتبر مشروعات مرتبطة بمشروعنا من الخلف .
2- إنشاء مجتمعات سكنية جديدة ومن ثم التخفيف من حدة الكثافة السكانية حول حوض النيل .
3- خلق طبقة من صغار رجال الاعمال قادرة على قيادة الحركة التنموية وغير خاضعة للسلطة ومن ثم مواجهة ظاهرة تزاوج المال بالسلطة . فضلا عن منح قبلة الحياة للطبقة المتوسطة من صغار رجال الاعمال و مهندسين وأطباء ومحاسبين ..الخ وهم طبقة الصفوة Elite class التى تعول عليها معظم البلدان فى قيادة مسيرة تنمويتها . طبقة لديها دائما الحافز على النجاح وتحمل المخاطرة Risk فى سبل تحقيق هذا النجاح .
4- اضافة عائد لموازنة الدولة يمكن تخصيصه للإنفاق على مجالات اخرى كالتعليم والصحة والخدمات العامة ...فضلا عن توفير مورد ذاتى يواجه العجز المزمن فى الموازنة العامة وما يترتب عن هذا العجز من مشاكل فى الدين العام الخارجى والداخلى وتوزيع عبئه المثقل على كاهل المواطنين .
5- تضييق الفوارق الاجتماعية ومن ثم مواجهة مشكلة الازدواج الاقتصادى والاجتماعى Social & Economic Dualism داخل مصر فضلا عن تقوية روح الانتماء لدى المواطنين من خلال الاعتماد عليهم فى تمويل المشروع فيشعرون انهم جزء من المشروع والمشروع – أيضا - جزء منهم ...وبالتأكيد المنافع متبادلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -فيتش- تُعدل نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر إلى إيجابية


.. عيار 21 الا?ن.. سعر الذهب اليوم السبت 4 مايو بالصاغة




.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام