الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بني قريظة الى شنكال، مروراً بالانفال و دارفور - معاناة ألاقليات مع العرب و المسلمين

عبدالله جاسم ريكاني

2014 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



ما حدث أخيراً للأقليّات الدينية و العرقيّة و المذهبيّة في العراق عموماً و كوردستان خصوصاً، على أيدي "مجاهدي الّدولة الاسلامية" يُذكّرنا بالمأسي و الكوارث التي حلّت بالشعب الكوردي و شعوب المنطقة الاخرى من جراء السياسات الشوفينية البغيضة التي مورست بحقهم على يد النازية العربية المتمثلة بحزب البعث العربي الاشتراكي بشقيه العراقي و السوري و بدعم و مساندة بل و مباركة المتأسلمين من مُتزلّفي الدكتاتورية المجرمة. إنّ ما اًرتكب و لا يزال يرتكب بحق الاقليات الاثنية و الطائفية و الدينية من الفظائع و الممارسات التي تتنافى مع ابسط حق من حقوق الانسان يعيد الى الواجهة مجدداً مأساة الاقليات العرقية و الدينية و الاثنية التي تعيش بين ظهراني العالمين العربي و الاسلامي.

لقد أهمل موضوع الأقليات في العالم العربي زمناً طويلاً، وما زال مهملاً إلى الآن، الأمر الذي يترك آثاراً سلبية جمة على الحياة السياسية والاجتماعية لشعوب هذه الأقليات. وكأن "الاهمال" العربي المعهود للإشكاليات القائمة، هو الدواء الناجع لتناسي موضوع الأقليات الخطير، وخاصة في مصر (الأقباط، النوبيون، البربر، الغجر)، وسوريا (الأكراد، العلويون، الدروز، الاسماعيليون، المسيحيون غير العرب، ، الترك، الشركس)، ولبنان (الشيعة، الدروز، المسيحيون)، و تركيا (الأكراد، العلويون،ألارمن، السريان، اليونانيون) والخليج الفارسي (الشيعة، الأسيويون)، والمغرب العربي عموماً (الأمازيغ، الشيعة، الطوارق). بل لقد بلغ الأمر بمعاقبة كل من يثير موضوع الأقليات في العالم العربي، ويدعو إلى اعطائهم حقوقهم السياسية والاجتماعية كما حصل مع الناشط المصري سعد الدين ابراهيم صاحب كتاب (الملل والنحل والأعراق – هموم الأقليات في الوطن العربي) الذي سُجن عدة سنوات، لتبنيه قضايا الأقباط في مصر والأقليات الأخرى في العالم العربي.

إن الظلم و التعسف الواقع على الاقليات يعود لاسباب عدة من اهمها ظلم انظمة الحكم في الدول التي تأسست على أسس قومية متعصبة ، وفي تعسف المؤسسات الدينية المسيسة، حيث أن الإسلام السياسي لا يعرف شيئاً إسمه أقلية أو أكثرية ، فقط أنت مسلم أو غير مسلم ، و ليس هناك وسط بينهما و لا درجات. تاريخنا السياسي الإسلامي لا يعرف حكومة و معارضة ، فقط يعرف إجماعاً مطلقاً مع إرادة الحاكم ، و ما عداه لايسمي معارضة و لا أقلية ، إنما رِدّة، أو خروج عن الجماعة. و في الحالتين يُكَفّر صاحبها و يستحقّ القتل .الإسلام كَحُكم لا يعرف منافسة سياسية على السلطة بين الأكثرية و الأقلية ، لأن الحديث المنسوب للنبي (ص) يقول : " من خرج يدعو لنفسه أو لغيره و على الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه " ، و " إذا بُويع لخليفين فاقتلوا أحدهما ". و السبب الاخر يكمن في طباع عصبية البداوة لدى العرب، التي تكلم عنها ابن خلدون في مقدمته. . الحل البدوي هو القتل فهو لا يترك المهزوم معارضاً ، الصراع صفري دوماً : إما أنا أو أنت ! و لا وسط !
واذا كان الإسلام كدين سماوي قد ساوى بين البشر، ولم يميز فئة عن أخرى أو طائفة عن أخرى إلا بالتقوى ، فإن معظم المسلمين لم يفعلوا ذلك على مر التاريخ الإسلامي، وكانوا في موقفهم تجاه الأقليات المختلفة يتمسكون بقيم العصبية والقبلية، وبقيم الدين التي تم تزييفها وتحريفها واستخدامها استخداماً سياسياُ سيئاً.

لقد فتك العرب المسلمون باليهود في المدينة المنورة، فيما عُرف بنكبة اليهود بعد ان نقض يهود بني قريظة حلفهم مع المسلمين و انحازوا الى قريش و حلفائها في معركة الخندق. و حُكِم عليهم بقطع رقبة كل ذَكَرٍ منهم، ممن نبت له شارب أو إحتلم ليلاً في تراجيديا، إنتهت بمقتل كل ذكور القبيلة و سبي نساءهم و بيعهِنّ في اسواق نجد مقابل أسلحة و إسترقاق اطفالهنّ. و لنا ان نتصور عمق المأساة عندما يؤتى بعائلة كاملة و من ثم يقتل الاب و تؤخذ الاُم لتفصل عن إبنها لكي تباع لعربان نجد و من ثم يُستعبدُ الطفل المكلوم. ألم يكن بالأمكان قتل روؤس الخيانة فقط ممن بيدهم الحل و العقد من بني قريظة و العفو عن الغلابة الاخرين و خاصة النساء و الاطفال او على الاقل ترك الام مع طفلها بدلاً من بيعها. و في الفصل الثاني من التراجيديا تم طرد كل اليهود و النصارى من جزيرة العرب تحت شعار (لا يجتمع في جزيرة العرب اكثر من دين)، هذا الشعار الذي لا يزال معمولاً به الى يومنا هذا في بعض الدول التي تتفاخر بأنها وحدها الحريصة على ثوابت الاُمة حيث يمنع غير المسلمين من كافة الملل و الاديان من ممارسة دياناتهم و بناء معابدهم و كنائسهم في دول الخليج الفارسي على الرغم من ان اكثر من خمسة عشر مليون من العمالة الاجنبية من مختلف الاديان و الاعراق يعيشون و يعملون فيها منذ عقود، في الوقت الذي تسمح لا وبل تدعم الحكومات و الشعوب التي نسميها "الكافرة" للقاطنين فيها من المسلمين في بناء المئات من المساجد و المراكز الدينية الاسلامية بكل حرية في كافة انحاء العالم غير الاسلامي.

وفي العصر الحديث تعتبر مذبحة الكرد الشهيرة في حلبجة في 16/3/1988 ، بمثابة هولوكوست مرعب وفظيع في تاريخ العرب والكورد على السواء حيث لم يفتك العرب بغيرهم كما فتكوا بالكورد في 1988 وسط سكوت و تعتيم عربيين بأستثناء عدد قليل من الكتاب العرب الشرفاء. ولقد لعبت الإيديولوجية البعثية النازية دوراً مهماً في تصعيد هذا الفتك ووحشيته. و من المفارقات، أنّ سيناريوا أبادة بني قريظة قد طبق بالكامل على الكورد ايضاً حيث قتل كل الرجال البالغين و كل من نبت له شارب من الشباب اليافعين و بيعت العديد من نسائنا في دول الخليج و السودان و مصر دونما وازع من ضمير او اخلاق او دين.
ثم جاءت قضية شعب دارفور المسلم و "لكن غير العربي" في تسعينات القرن الماضي. أن استبداد نظام الاخوان المسلمين في السودان بزعامة عمر البشير أجّج نعرات الخلافات بين المجموعات القاطنة بتلك المنطقة. اندلعت الحرب في شهر أبريل 2003، بين قوات تحرير السودان و ميليشيات العرب الجنجويد المدعومة مباشرة من الحكومة المركزية السودانية و ذلك على خلفية إعلان شعب دارفور رفضهم عملية التعريب القسْري للمنطقة. السودان أعلن وبشكل همجي، حربا دائمة وشعواء تجاه سكان إقليم دارفور ،حيث قتل اكثر من 300000 شخص و هجر اكثر من مليونين و نصف المليون من ديارهم الى الدول المجاورة وسط صمت عربي و اسلامي مشين . وكشفت تقارير الامم المتحدة، انه، قد استُخدم الاغتصاب من جانب ميليشيا الجنجويد وبعض الجنود الحكوميين لإذلال النساء وبث الرعب في قلوبهن والسيطرة عليهن وإجبارهن على مغادرة ديارهن، وبالتالي تدمير البنية الاجتماعية لمجتمعاتهن. وفي حالات عديدة اغتصبت النساء علناً أمام أزواجهن أو أقربائهن أو الناس عموماً. ولم تُوفَّر النساء الحوامل وخُطفت فتيات لا تتجاوز أعمارهن ثماني سنوات واحتُجزن في العبودية الجنسية، بعضهن طوال شهور عديدة. وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد أعلنت في أن 500 سيدة تعرضن للاغتصاب خلال 4 أشهر.

و ليس ببعيد علينا ما يحصل في البحرين هذه الايام، كمثال حي و صارخ على المعايير المزدوجة في التعامل مع انتفاضات شعوب الشرق الاوسط، من قبل الانظمة الظالمة المتسلطة على رقاب شعوبها، حيث هب العرب السنة الى نصرة نظام الاقلية السنية البحريني ضد الاكثرية الشيعية المضطهدة و المحرومة بدعوى الطائفية و الاجندات الخارجية و أرسلوا ما يسمى بدرع الجزيرة لأرتكاب مجازر قد تذكرنا بمجازر كربلاء.
أما ما حدث للمسيحيين على ايدي داعش، من اجبارهم على ترك دينهم او دفع الجزية او الرحيل من بيوتهم حفاة، و الاستيلاء على بيوتهم و ممتلكاتهم، فشيئ لا يصدّق في القرن الواحد و العشرين.
و من ثم، جاء الفتح العربي المبين على الايزديين المساكين، الذين اُعمل فيهم السكّين دون رادع من ضمير أو دين. و على أثر الهجمات الإرهابية، من قبل ما تسمى بـ الدولة الإسلامية ( داعش )، على إقليم كوردستان، في المناطق المتاخمة لسهول الموصل، واستيلائها على قضاء شنكال، المعقل التاريخي لأبناء شعبنا من الكورد الإيزيديين، وقيامها بارتكاب مجازر وحشية مروعة بحق سكانها، وصلت إلى حد دفن أكثر من ( 500 ) شخص من الأطفال والنساء والشيوخ... في مقابر جماعية وهم أحياء، وفقاً للعديد من التقارير الصحفية والحقوقية، وكذلك جز الرقاب وقطعها في الشوارع والطرقات، ناهيك عن حالات الأسر والمعاملة القاسية لهم والبعيدة كل البعد عن قيم الإسلام وعن قيم الإنسانية عموماً، وكذلك حالات سبي النساء وبيعهن في أسواق النخاسة، واقتحام المباني والمصارف والدوائر الحكومية ونهبها وسرقتها، وتفجير المزارات الدينية.
ماذا يمكن ان يقوله بعض العرب و بعض المسلمين لمن يطلقون عليهم "بالأخوة" من الاقليات المضطهدة؟ أقل ما يقال، أننا كنا و لا زلنا مجرمين في حقكم. ورغم هذه الجرائم الكبيرة الشنعاء إلا أننا لم نسمع من مسؤول عربي، أو مسلم كلمة إعتذار واحدة بحق احد من هذه الشعوب بل راحوا يبررّون إجرامهم بشتى الحجج و الذرائع و يلقون باللوم و كعادتهم على الغرب و الاستعمار. لقد سكتوا طويلاً عن الحق، و ما زال اكثرهم للحق كارهون.
لقد اعتذر الألمان لليهود و لبقية الشعوب عما فعله هتلر النازي بهم. فهل يمتلك العرب والمسلمون قطرة من المروءة الألمانية، والأخلاق الجرمانية ؟ بالطبع لا!!
ما ذكرناه هو فقط غيض من فيض، و ما لم نذكره، أدهى و أمرُّ
المصادر:
1 . الشيخ صفي الدين المباركفوري: الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية). والكتاب حازعلى جائزة رابطة العالم الإسلامي.
2. العفيف الاخضر: مسألة الأقليات في أرض الإسلام. ايلاف: 21 /3/2007
3 . د. شاكر النابلسي: في ذكرى الهولوكوست البعثي. ايلاف: الاحد 25 مارس 2007
4 . د. شاكر النابلسي: الهولوكست الكردي و ازمة الضمير: الحوار المتمدن - العدد: 2252 - 2008 / 4 / 15
5 .د. شاكر النابلسي: ألاقليات فوق صفيح ساخن. ايلاف- الخميس 7 ديسمبر 2006
6 . سفيان الشورابي: في حقيقة أزمة دارفور: الجنجويد قادمون "للحصول على نصيبهم من الزكاة. موقع الاوان
7. المحامي مصطفى أوسو:المأساة الإنسانية المتفاقمة للكورد الإيزيدديين من أبناء شعبنا وخطر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والديني.

18/09/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة