الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف الفرنسي في كوردستان والعراق

حسين عمر

2014 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كان لافتاً أنّ فرنسا هي أوّل دولة، وبسرعة قياسية، تستجيب لطلب إقليم كوردستان بالمساعدة في مواجهة غزوة تنظيم داعش الإرهابي. فعلاوة على المساعدات الإنسانية الفورية، كانت المساعدات العسكرية الفرنسية هي الأولى التي وصلت إلى الإقليم واستُخدِمَت في جبهات القتال ضدّ داعش. لم يكتف الفرنسيون بالمساعدات الإنسانية والعسكرية، بل تحرّكوا لأجل حشد الدعم السياسي فبادرت فرنسا إلى دعوة المجلس الأوروبي للانعقاد (في يوم عطلة رسمية في كلّ أنحاء أوروبا) لمناقشة سبل تنسيق جهود تقديم الدعم والمساندة لكوردستان في مواجهتها لغزوة داعش. وتوّجت فرنسا فرادة موقفها حيال كوردستان بالزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى هولير التي استُقبِل فيها من قبل الرئيس بارزاني بمراسم بروتوكولية رئاسية، وقد وصف القنصل الفرنسي العام في هولير آلان غيبرات يوم زيارة الرئيس الفرنسي إلى العاصمة الكوردستانية باليوم التاريخي والاستثنائي. في هولير، أشاد الرئيس أولاند بالأداء العسكري الكوردستاني وحسن استخدام السلاح المقدّم من قبل فرنسا وكذلك أشاد بالنموذج الكوردستاني في التنوّع والتعايش وأكّد أن فرنسا ستكون إلى جانب كوردستان والشعب الكوردستاني كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.
وكما كان الحال بشأن كوردستان، أظهرت فرنسا (الاشتراكية) ديناميكية استثنائية في التحرّك على الصعيد العراقي، إذ لم يكتفِ الرئيس أولاند بإطلاق مبادرة لعقد مؤتمر دولي حول الأمن في العراق تستضيفه العاصمة الفرنسية باريس، بل وكان أوّل رئيس يزور العراق في أعقاب نيل حكومة الوحدة الوطنية في العراق برئاسة حيدر العبادي الثقة في البرلمان، الحكومة التي طالبت فرنسا بأن تكون (جامعة) ليس لكلّ المكوّنات العراقية بل ولكلّ التيارات السياسية المختلفة وقد رهنت عقد مؤتمر السلام والأمن، الذي استضافته مشاركة مع العراق في باريس في 15 سبتمبر/ أيلول، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة وفق هذه الشروط.
ولكن ما الذي يقف وراء هذا الاهتمام الفرنسي والتحرّك النشط للدبلوماسية الفرنسية في كلّ من كوردستان والعراق؟
الهدف واضح: إعادة فرنسا، إحدى الدول الثماني العظمى، إلى مكانتها الدولية وفعاليتها السياسية التي تراجعت وانحسرت في أعقاب موقفها المفارق للتحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 للإطاحة بنظام صدّام البائد. فقد رفضت فرنسا (الشيراكية) الانضمام إلى التحالف، الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بالعلاقات الفرنسية-الأمريكية بل والأمريكية –الأوروبية الغربية، إلى حدّ إطلاق وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد تصريحات انتقد فيه ما أسماه بأوروبا القديمة أو (الشائخة) غامزاً من قناة فرنسا وملمّحاً إلى إمكانية الاستعاضة عن التحالف معها بالاتجاه نحو دول شرق أوروبا التي كانت تلهث وراء علاقات مميّزة مع أمريكا. ولم تقتصر عواقب ذلك الموقف الفرنسي على تردّي العلاقة مع أمريكا، بل تضرّرت المصالح الفرنسية في المنطقة وتراجعت مكانتها وتأذّت سمعتها الدولية وانحسر نفوذها.
أرادت فرنسا، في هذه اللحظة المواتية، أن تستعيد دورها الدولي وهي مدركة بأنّ العراق عموماً وجنوب كوردستان خصوصاً قد تحوّلا إلى منطلق لإدارة السياسات الدولية حيال المنطقة برمّتها، وأنّ المعركة التي يريد المجتمع الدولي خوضها ضدّ اللوثايان الجديد (داعش) ستُحسَم انطلاقاً منهما، ولذلك تندفع فرنسا في طموحها لاستعادة دورها الدولي والسعي إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية في المنطقة، مستفيدة من رخاوة الإدارة الأمريكية في المرحلة المنصرمة وحاجتها إلى حلفاء أقوياء إلى جانبها، مثلما تستفيد من حالة الخمود التي يعيشها الدبّ الروسي من جرّاء مأزقه في أوكرانيا.
صحيحٌ أنّ الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، في أعقاب وصوله إلى كرسي الاليزيه، سارع إلى محاولة كسر الجليد في العلاقات مع أمريكا، لكنّ اندفاعه الزائد نحو أمريكا أظهره في موقع الولاء والتبعية، خاصّة بوجود الرئيس جورج بوش الابن الذي عُرِفت عنه العجرفة والغطرسة حتى مع الحلفاء والأصدقاء، الأمر الذي يختلف مع إدارة فرانسوا أولاند الذي يُجاهر بالسعي إلى لعب الأدوار من منطلق الشراكة، بل ويحاول أحياناً التقدّم على الدور الأمريكي كما هو الحال مع الملفّ السوري – الذي سنتناول الموقف الفرنسي حياله في مقالتنا القادمة -.
ثمّة عاملٌ آخرٌ لا يمكن إغفاله لدى الحديث عن الموقف الفرنسي حيال كوردستان خاصّة، وهو عامل القيم، إذا يحرص الفرنسيون دائماً على إظهار أنّ جمهوريتهم هي جمهورية القيم، قيم الحرية والمساواة والإخاء والتنوّع والتعايش. وفي هذا الإطار، تُدرك فرنسا أن المنطقة برمّتها مجتاحة بنزعات التعصّب والانقسام الطائفي والمذهبي التي ترتسم تناحراً وتقاتلاً وتذابحاً بأبشع الصور، بينما تقدّم كوردستان نموذجاً راقياً في التعايش بين المكوّنات المختلفة حيث لا تكتفي كوردستان بحماية هذا النموذج بل وتتكفّل بأعباء الدفاع عن المكوّنّات المعرضّة للتهديد من قبل المتطرّفين والارهابيين، فتجد فرنسا في ذلك تشاركاً في القيم مع كوردستان الأمر الذي يحفّزها أكثر على توثيق العلاقات معها وتقديم الدعم والمساندة لها.
إذاً، تسعى فرنسا إلى إستعادة مكانتها الدولية وتأمين مصالحها الاقتصادية وإعادة الألق إلى إلى صورتها، وهي تُدرك أنّها قد تنجح في تحقيق ذلك من بوابتي كوردستان والعراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران :ماذا بعد مقتل الرئيس ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إيران تعيد ترتيب أوراقها بعد مصرع رئيسها | #التاسعة




.. إسرائيل تستقبل سوليفان بقصف مكثف لغزة وتصر على اجتياح رفح


.. تداعيات مقتل رئيسي على الداخل الإيراني |#غرفة_الأخبار




.. مدير مكتب الجزيرة يروي تفاصيل مراسم تشييع الرئيس الإيراني وم