الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق من كوباني

ديلان عزالدين حسين

2014 / 9 / 19
الادب والفن


للمرة الأولى بعد الألف، في هذا الخريف ايضا تتشرد عائلتي باتجاه الحدود، يجر أبي متعبا وراءه جدتي التي أنهكتها أعوامها الواحدة والتسعين، تستكشف بعينن باتا رماديين طريق الفرار وتسأل كطفلة خائفة بلهجة كردية صافية، إلى أين يا بني؟
يرد أبي بتأفف لبق ..هيا يا أمي هيا سينهكنا الطريق...
تصر أمي ألا تغادر الدار بدون هدايا عيد الأم التي أهدتها إياها بناتها الخمس ، تفتح مئزر ثوبها، تتأكد من غياب أبي، وتخبئ به خلسة ورقة صغيرة كتبت عليها آية الكرسي، فهي مصرة حتى الآن أن إسلامها هو الصحيح ، هي التي لم تقرأ القرآن يوما ولم تعرف من طقوسه إلا عزائم رمضان وسهرات ليالي القدر مع جاراتها...
تحمل أختى هاتفها المحمول،تطلب بسرعة رقما تتوجس كل لحظة أن يرد عبره أحد الرفاق فيقول، ألو هنا صديق الشهيد....
يحالفها الحظ هذه المرة أيضا، يرد هو، تناجيه بصوت مبحوح: (سنغادر ثانية، لقد باتو على مشارف الحدود)..تتلقى صمتا على الطرف الآخر فيخنقها الخوف والحب والألم والوطن...تمشي بجانب أخواتي الباقيات أربع جثث هامدة..
وعلى طول الرحلة الشاقة تتضارب الأخبار، يقول الجد برهي وهو ينهي للتو محادثة هاتفيه على خط الاتصال التركي..(يقولون أن ستة عشرة قرية سقطت بيدهم، لا أحد يعلم إن كانت هناك مجازر أم انها قرى مخلاة)..
ويرتفع الهمس وتتقطع الانفاس، وتتبادل الحشود المتتساقطة في الاستراحة المكشوفة للقذائف والطائرات نظرات مرعبه . يلتحفالخوف كل شيء..
ما من إشارة تدعو للاطمئنان سوى ثرثرة النساء وصوت جارنا أبو لوند، ذو الولاء الأبدي، وهو يقول في كل استراحة ،ستهون يا شباب سمعت أن إخوتنا من الجنوب قادمون للمؤازرة..
ويعلو صوتا شابين في الخلف من جهة اليسار.الله محيي الشباب
ترد عليهما ثلاثة نساء في السيتينات من العمر من الجهة اليسرى في آخر الدرب : لعنكم الله، ألم يكن أفضل لو تطوعتم مع اخوتكم الآخرين، الله لا يحييكن يا .......
وتعلو قهقهة أربعة نسوة تحمل كل منهن صغيرها ويمسك بطرف ثوب كل واحدة قطار صغير من كتل لحم أتعبها مسير الطريق وأنهكها الجوع.....تقول أم جكر: أي والله شر البلية ما يضحك.
ويصر أبا لوند ، يقول مفتخرا: سترون أنهم سيأتون، المسألة تحتاج بعض الوقت والموافقة من شباب الداخل وسيأتي لوند معهم..
يرد عليه أبو شورش بنفاذ صبر: حين استشهد شورش وشيرين ورفاقهم هناك لم ينتظرو موافقات ولا بساطا أحمر ذهبو وحسب، تعلو مسحة رقيقة من الحزن جبينه العال ..
ويسكت الجميع.. ففي حضرة الشهيد يسكت البسطاءوالمثقفون على حد سواء.. فان لم يكن اعتراف أخلاقيا بحجم التضحية فهو على الأقل طقس تملق وواجب..
تسأل أمي مندهشة وبصوت أشبه بالهمس: يا ابن الحلال هل هناك تسويات واتفاقيات حتى في هذه الأوضاع؟؟..
يصمت أبي المسالم دوما، يوجعه السؤال،يناول جدتي شربة ماء، يحملها من جديد ينظر للخلف (لنكمل طريقنا يا بنات)..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة