الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألف ليلة وليلة الفرنسية – قراءة في رواية زديج لفولتير

كلكامش نبيل

2014 / 9 / 19
الادب والفن


بعد قراءتي لمجموعة قصص وحكايا الفيلسوف الفرنسي فولتير، تأتي روايته "زديج أو القدر" لتعمّق الشعور بأنّه كان متأثّرا بقصص ألف ليلة وليلة التي قرأ ترجمتها الفرنسيّة، بالإضافة إلى إنبهاره بسحر الشرق، فهو يشيد بالتسامح في الهند، ويبدو مغرما بزرادشت، ويكثر من ذكر مصر وسوريا، بل ويرى بابل رمزا لباريس في أكثر من قصّة، بما فيها هذه القصّة التي تستعرض في حبكة مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة،حكاية ومغامرات البطل البابلي زديج أو صادق وغرقه في مشكلات متتاليّة تحل بسرعة لتوصل رسائل تربويّة عديدة وصولا إلى النهاية السعيدة. يحاكي فولتير في هذه القصّة عقليّة الشرق المتسامحة مع القدر والتي تقبل به، بل ويصل إلى فهم شامل لخضوع الشرق – المعيق في نظري – للقدر وعدم محاولة تغيّيره وبأنّ كل شيء يجري في هذا العالم له سبب ولم يأتي إعتباطا، فنراه يرفض الصدفة ويدين الإعتراض على ما يرد في كتاب القدر - في الفصول الأخيرة - المستوحاة بوضوح من قصّة الرابي يوحنّان بن ليفي وإلياهو الملك الوارد ذكرها في التلمود وقصّة موسى والخضر المذكورة في القرآن.

في هذه القصّة – وكغيرها من قصص فولتير الشرقيّة – نراه يغرق في وصف بابل والبصرة والبتراء ومصر وبلاد العرب، ويخلط أحيانا تاريخيّا بعض الأمور كوجود البصرة كمدينة تجاريّة كبيرة في الوقت الذي لا تزال فيه بابل مملكة كلدانيّة عظيمة، ونراه يذكر أمر نفي إلى سيبيريا وممارسة العرب لحرق النساء بعد وفاة أزواجهن جريا على عادات هنديّة، بالإضافة إلى كون الزرادشتيّة ديانة البابليّين، وكل هذا يمكن أن نغضّ الطرف عنه لأنّه يتكلّم عن فكرة ولا يستعرض تاريخا، فهو يقصّ قصّة خياليّة مشفّرة لمحاكاة عصره وإيصال أفكاره – مع قلّة المعلومات التاريخيّة الآثاريّة عن كل هذه الحضارات في عصره – ولكنّه ومع ذلك يذكر أمورا مثيرة للإهتمام كذكر "يونان أو يونس الحوت" ووصفه له بأنّ له ذيل مذهّب ورأس إنسان، وبأنّه يخرج من المياه ليعظ لمدّة ثلاث ساعات كلّ يوم، وهنا يذكّرنا بوضوح بأوانّيس – الأبكالو الآشوري وصورته في منحوتات نينوى. كما يناقش فولتير بعض الحقائق من خلال القصّة الخياليّة ككون الشمس مركز الكون وأنّ السنة مؤلّفة من 365 يوما وربع اليوم ويلمّح في مواضع كثيرة إلى محاربة الكهنة للعلم أو رفضهم لكل ما يؤثّر على مصالحهم ويحاول تعريتهم وكشف زيفهم وحقيقتهم الفاسدة في مواضع أخرى.

القصّة ذات رسائل تربويّة كثيرة تعرضها بصورة ضمنيّة، منها أنّ كل الأديان والعقائد متماثلة وإن أغرق هنا في روحانيّة شرقيّة مفرطة، وكلامه عن الحب والخيانة، عن شؤون الحكم ومخاطر التقرّب من السلطان، عن الغيرة والمؤامرات، عن مسالة العدل ورفضه للظلم وإن كان مفهومه "إنقاذ المجرم خير من الحكم على البريء" محل جدل ونقاش لأسباب كثيرة تتعلّق بالمرحلة التي يمكن أن نسمح فيها بتطبيق هذه العدالة المثاليّة وكون ذلك لا يتعارض مع السلم الأهلي للأمّة بكاملها.

ختاما الرواية قصيرة وجميلة وقد اجاد الأديب الكبير طه حسين ترجمتها بلغة منسابة وعذبة، وإن كانت حبكتها عاديّة جدّا وتشعرك بأجواء قصص العصور الوسطى أو حكايا شرقيّة شعبيّة إلاّ أنّ فيها الكثير من الأفكار الجميلة المعروضة بطرق إسطوريّة غاية في التسليّة والإمتاع.

بعض الإقتباسات التي راقت لي:

إذا أكلت فأطعم الكلاب، وإن أغراها ذلك بعضّك. زرادشت

ما قوام السعادة؟ كل شيء في هذا العالم يضطهدني حتّى الكائنات التي لا توجد!"

إنقاذ المجرم خير من الحكم على البريء.

الحب الناشيء المكبوت لا بدّ من ان يفتضح، أمّا الحب الذي ظفر بالرضا فهو قادر على أن يستخفي.

لقد مضى أكثر من خمسمائة وألف عام، والنساء يحرقن، فأيّنا يجرؤ على أن يغيّر قانونا قدّسه الزمن؟ وهل يوجد شيء أجد بالإحترام من ظلم بعُد به العهد؟ قال زديج: "إنّ العقل أقدم من هذه العادة."

الناس يزعمون أنّ الشقاء يخف على الإنسان إذا لم يكن وحيدا. ولكنّ مصدر ذلك فيما يقول زرادشت ليس هو الدهاء، وإنّما هي الحاجة، فالإنسان الشقي يجد بأنّه مجذوب إلى إنسان شقيّ كما يجذب النظير إلى نظيره، بحيث يصبح إبتهاج الرجل السعيد كأنّه إهانة للبؤس. ولكنّ الشقيّين إذا إلتقيا كانا أشبه بشجرتين تعتمد كل واحدة منهما على صاحبتها فتتثبّتان بذلك للعاصفة.

إنّما الشهوات هي الرياح التي تنتشر قلاع السفينة، وهي تغرق السفينة أحيانا، ولكنّ السفينة لا تستطيع أن تجري من دونها. إنّ المرارة تدفع الإنسان إلى الغضب، وقد تجلب عليه العلّة، ولكنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدونها، كل شيء في هذه الأرض خطر، وكلّ شيء في هذه الأرض ضروريّ لا بدّ منه.

الزمان ليس شيء أطول منه لأنّه مقياس الأبد، وليس شيء أقصر منه لأنّه يقصر عن آمالنا. وليس شيء أبطء منه للمنتظر، وليس شيء أسرع منه للمبتهج، وهو يمتد في السعة إلى ما لا نهاية، وينقسم في الصغر إلى ما لا نهاية، والناس جميعا يهملونه والناس جميعا ياسفون على ضياعه. لا يُصنع شيء بدونه وهو ينسى ما لا يستحقّ الخلود ويخلد جلائل الأعمال.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي