الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زهور على جبين 57357

فاطمة ناعوت

2014 / 9 / 19
حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة


لماذا هُم زهور؟ لأنهم مشرقون يشيعون البهجةَ في القلوب، كما تشرقُ الزهرةُ من الطمي الأسود فتُدهشُ العيونُ: كيف ينبتُ اللونُ الأزهرُ من قلب العتمة القاحلة! وكما تهزمُ زهرةٌ واحدة القبحَ المنثورَ حولها، فإنهم كما الزهور هزموا أعداء لا تقوى على هزيمتهم جيوشٌ ذات عتاد وجندٍ وسلاح. إنهم أطفالُ مستشفى 57357 من أبنائنا الذين اختبرتهم السماءُ بأشرس مرض عرفته البشرية، فلم يخضعوا ولم يركنوا للضعف والوهن والكسل، بل خاضوا رحلة العذاب الشاقة بصبر الأنبياء، وصمود الفرسان، وخرجوا منها أقوياء ذوي بأس يدكُّ الصخور.
أجلسُ الآن وسط حشود حاشدة في مسرح مستشفى سرطان الأطفال، نحتفل بأبنائنا المتفوقين أوائل الجمهورية في الثانوية العامة من أبناء ذلك الصرح الطبي العظيم. أتأمل أولئك النابهين في أرواب التخرج السوداء، وفوق هاماتهم القبعات الأكاديمية ذات المربع الأسود، الذي يرمز لكتاب المعرفة والنور تحمله رؤوسهم، وأغوص في ابتساماتهم تعلو وجوههم، أحاول أن أفكَّ شفرتها.
في أجسادهم النحيلة يعتركُ خصمان شرسان عنيدان: المرضُ اللعين القاتل، والدواءُ الكيماوي المرهق. فمن أين تأتي الابتسامةُ، ومن أين يأتي إشراق الوجه؟!
أعرفُ من أين يأتي البِشرُ. من الإيمان بالقوة الروحية الهائلة التي غرسها اللهُ بيده في أرواحهم، فيما يغرسُ المرضَ/الاختبار بيده الأخرى، في أجسادهم.
اعتدنا أن نقول إن مصر يتربّصُ بها أعداءُ ثلاثة: الفقر والجهل والمرض. فماذا إن وجدنا إنسانًا أعزلَ يهزمُ بمفرده عدوّين منهما: الجهل والمرض. أولئك الصِّبية والصبايا الواعدون والواعدات، هزموا المرض الشرس، وانتصروا عليه بإيمانهم بحقهم في الحياة، وهزموا الجهل بإيمانهم أن العلم ضرورة حياة. لم يتعلّموا وفقط، بل تفوّقوا، لا، بل حصدوا أرفع الدرجات فأصبحوا من أوائل الجمهورية. أما أمهم الاعتبارية، مستشفى 57357، فقد تفرّغت للعدو الثالث: الفقر، بأن منحت أولئك الأبناء الرعاية الطبية والعلاج المكلّف باهظ الثمن، بالمجان "الكامل". فهذا الصرح الطبيّ العظيم، بكامله، من مبان شاهقة أنيقة وأجهزة طبية حديثة، وعقاقير مكلّفة وغرف عمليات وأطباء أكفاء وممرضين مهرة، ممولٌ بالكامل من أموال أهل الخير في بلادي الطيبة، لكي يقدّم خدماته الطبية لأطفالنا المرضى دون مقابل.
مصريون لا شك فيهم‬-;-. فالمصريُّ القديم، جدي وجدك أيها القارئ الكريم العنصرين، هو أول إنسان فوق الأرض يهزم المرض. اِذهبْ إلى المتحف البريطاني واصعد إلى قسم "المصريات" وتوجّه إلى صندوق زجاجي بداخله جمجمةٌ بشرية، واقرأ الشارة المكتوبة تحتها: “عملية تربنة: جراحة من جراحات المخ. مصر القديمة. 2000 سنة قبل الميلاد". وإذن كان هناك طبيبٌ قبل أربعة آلاف عام، يثقب الجمجمة البشرية ويُجري عملية دقيقة في أدق أجهزة الجسم، المخ، قبل اختراع غرف العمليات والبنج والمشارط والليزر والمناظير المكبّرة. ذاك الطبيبُ كان مصريًّا. والمريضُ الذي هزم المرض معه، كان أيضًا مصريًّا: يشبهك ويشبهني، ويشبه أولئك الأبناء الرائعين الذين هزموا السرطان بإرادتهم.
مصريون لا شك فيهم‬-;-. فالمصريُّ القديم، جدي وجدك أيها القارئ الكريم العنصرين، هو أول إنسان فوق الأرض احترم العلم والمعرفة وابتكر التخصص الدقيق فقسّم ألوان العلوم والفنون إلى طب وجراحة وفلك وهندسة وعمارة وكيمياء وفيزياء وقانون وقضاء وآداب وتشكيل وديكور وموسيقى ونحت ورقص ومسرح وحُليّ وأزياء وتجميل وعطور..... فذاك المهندس العبقري الذي شيّد معجزة العمارة والفلك: "معبد أبي سمبل" ومعجزة العمارة والفيزياء: الهرم، كان مصريًّا، يشبهكَ ويشبهني ويشبه أولئك الأبناء الواقفين الآن في أروابهم الفضفاضة السوداء، يصافحهم رئيس الوزراء مهندس إبراهيم محلب، ويكرّمهم وزير التعليم لتفوقهم.
‬-;- يقول الشاعرُ البريطانيّ ت. س. إليوت في قصيدته الشهيرة "الأرض اليباب": "ينبتُ الليلكُ في الأرض الميّتة." واليوم شاهدتُ بعيني زهراتِ ليالك يانعات، نبتتْ من أرض المرض اليباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي


.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل




.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل


.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق




.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا