الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفولة والتلقائية

اسعد الامارة

2005 / 8 / 18
حقوق الاطفال والشبيبة


تنظر العائلة في اي مجتمع للطفل على انه محور نتاج تلاقي محبة الوالدين(الام والاب)في الوضع الطبيعي فتمنحه كل حبها وعطفها وحنانها وهو مؤشر سوي لنشوء الطفل نشأة متكاملة سوية،فالاسرة التي تلبي كل مطالب الطفل وعبر مراحل العمر المختلفة تزرع في نفسه الاشباعات المختلفة ولا تجعله في حاجة وخصوصاً الحاجات البيولوجية ثم النفسية،ويرافق هذه الاشباعات الحاجة الى التوجيه والارشاد النفسي،فالطفل كما يحتاج الاكل والشرب والعناية يحتاج الى الارشاد والتوجيه،ويحتاج الى الضبط والنظام،هذا الضبط يتعلم من خلاله الطفل التكيف مع البيئة المحيطة به ومع الاقران من نفس العمر،يتعلم تحمل المسؤولية وهو امر شاق وعسير ويحتاج الى تدريب وخبرة لكي يدرك الاخر ويتقبله.الطفل محق كما يقول علماء نفس الطفولة في الحاجة الى ان يتعلم منا الكثير ،فهو يتعلم كيف يسلك سلوك الراشدين،وهو يتعلم الثقة او عدمها منا نحن معشر الكبار رغم انه لا يمتلك حدود الصح والخطأ في القرارات واحياناً يفاجئنا الطفل نحن البالغين بقوله:انكم دائماً ترسمون لي امور الحياة وخطواتكم وتجربتكم الخاصة وكأنكم تنسخونها طبق الاصل ومن هنا يرفض الاستماع لما نقول ويرفض التقيد بما نريد وعندما لا يخضع لما نعطيه من توجيهات،ننفعل،ونرى تلك الافعال اول بادرة منه لحالة العصيان ضد سلطة الابوين، نحن نعرف حق المعرفة ان طفل الانسان عاجز بيولوجياً ويحتاج الى الاعتماد العضوي على ابويه وعلى من يعيله لكي يعيش، فهو لا يستطيع ان يطعم نفسه او يوفر الحماية لنفسه من المخاطر الا بوساطة الكبار ولهذا فهو تحت رحمة مربيه او من يحميه او يطعمه،فهو اسير واختياره محدود،وهو اذن يتحمل اخطاء وهفوات وشطحات والديه ويتحمل وزر نتائج تربيتهم الخاطئة او الصحيحة.
تدلنا دراسات علم النفس العام وعلم نفس الطفولة ان الطفل يتمتع بقدر من التلقائية والقرب من طبيعته التي تجعل مشاعره وسلوكه اصدق من مشاعر ابويه الا انه بصفته الطرف الاضعف في العلاقة فهو يقتل هذه البراءة والتلقائية ويبيع نفسه لكي يتجنب شر الكبار ويسعى الى ارضاءهم،وبقتل هذه التلقائية فهو يرتكب اول مخالفة لاحساسه الصادق كما يقول د.محمد شعلان اي اول عصيان يوجهه نحو ذاته ويعارض تلقائيته في فطرتها ونقائها لكي يرضي الكبار على حساب نفسه.ان الطفل بهذا الفعل مارس حريته مجبراً على الخطأ،يرتكب الخطأ بحق نفسه لكي لا يزعل الكبار او يغضبهم حتى وان اغضب نفسه وانفعل وانكفأ نحو ذاته الغضة ،لاندري نحن مجتمع الكبار لماذا اجبرنا هذا الطفل على الخطأ ووضعناه في اول طريق حرية الاختيار وهو اختيار الخطأ الذي سوف يدفع ثمن هذه الخطيئة بقية عمره وهذه الخطيئة هي انه ارضى الكبار على حساب فطرته الناصعة وعشوائيته الطرية الغضة،ترك الكبار يفرحون لانه استجاب لجميع مطالبهم،تركهم يفرضون عليه ما يخالف طبيعته النقيةوهي بداية الخنوع والخضوع ،وما يريده الكبار يفعله،لكن الكبار وجدوا في ذلك الفعل اعظم استسلام لمطالبهم من قبل الطفل حتى وان تعارض مع قيم المجتمع وتوجهاته اوما يتعارض مع ما حملوه في انفسهم من اتجاهات خاطئة او اراء متعصبة او نوايا خبيئة او انماط سلوكية ترسخت بفعل الخبرة،وتدلنا خبرات التحليل النفسي ان معظم حالات مرض الذهان"المرض العقلي"(الاكتئاب،الفصام،البرانويا،الهوس)تكونت في مراحل مبكرة من النمو اثناء الطفولة،وان الصراع الذي نشأ في نفس الطفل منذ ذلك الحين بين الرغبة في البقاء في سلام وأمن وحماية الابوين وما يدور في خلده من متطلبات ظلت مكبوتة تتعارض مع متطلبات الابوين وتوجهاتهم، وبين ما حملته سنوات البلوغ من آهات فيها من الرغبة في الموت،وفي الوقت ذاته تفضيل حالة الموت،ويقول د.محمد شعلان ان الطفل في الانسان هو التلقائية وهو القلب النابض،فالكبار عندما يكونون قساة في اوامرهم على الابناء يخفون التلقائية في داخل انفسهم ويقتلونها ولا يحتملون اي ايقاظ لما بداخلهم مثلما تثيره تلقائية اطفالهم،فهم حين ينجحون في هذا القتل انما يدفعون الثمن ايضاً بأن يبقوا تلقائيتهم مقتولة كما هو حال اطفالهم فهم يستمرون في الرضوخ لهذا القتل،فالاطفال في تقبلهم والامتثال لاوامر الكبار حرفياً وبالكامل انما يساهمون ايضاً في قتل تلقائيتهم وكلاهما يدفع الثمن،الاب والابن.
نحن عالم الكبار نضع لمساتنا على الابناء بكل ما حملت من مساوئ وحسنات،نحن على علم تام باننا لا نريد لاطفالنا غير الخير والمستقبل المضئ،ولا يعتقد اي منا ان اباً او اماً يكره ان يكون ابنه او بنته فاشلاً،فالاباء والامهات يتمنون في قرارة انفسهم ان يكون الاولاد احسن منهم،يتمنون ارشاد الابناء الى كيفية الاعتماد على انفسهم. الوالدية بكل ما حملت من عاطفة هي العامل القوي والدافع الفعال لنمو الاطفال،واحسن نموذج لهذا الحب هو ذلك الاحساس الذي يمنحانه من دفء وحنان وعاطفة للطفل،هذا الدفء والحب يحرر الطفل من القلق الدائم،انهم يشجعون الابناء في المواجهة لكي ينمو اسوياء غير اعتماديين على الغير،ولا ننسى ان زرع الثقة بالنفس عند الاطفال يأتي اولاً من الوالدين قبل غيرهم،وكذلك الاعتدال والاتزان النفسي،فأن بذر الاباء بذور التعصب يكونون قد تعلموا اساساً آخر من اسس النضج الاجتماعي الذي سيجنون ثماره لاحقاً،لذا فأن الطفل على مر العصور هو مرآة لاسرته وتربية والديه،ولانغالي او نبالغ اذا قلنا ان الطفل يطالب بحقه في الحياة،هذا الحق ينطلق من الدفاع عن الطفل باعتباره الضعيف المقهور كما هو حال المرأة،ودائماً يكون الظالم هو الرجل، رغم ان الكل يجمعهم الكيان الانساني الواحد،والكيان الانساني وحدة متكاملة لا ينفع تحرير جزء منها واغفال جزء آخر،فالانسان طالما يستعبد آخاه الانسان،سواء كان ذلك طفلا او امرأة،فهو بقبوله لهذا الوضع فأنه يقبل بالضرورة ان يكون هو المستعبد. ما من شك ان احترام حقوق الاخرين هو سلوك التحضر،الاخر اياً كان رجلا او امرأة او طفل فالكل يستجيب للمثل العليا التي يقيمها النظام القيمي،فيجب ان تسود العدالة اولاً في كيفية عدم مصادرة تلقائية الطفل لكي لا ينشأ طفل اليوم مريض في المستقبل،فعلى الاباء ان يكونوا متسامحين وعادلين حتى نضع امام اطفالنا نموذجاً صالحاً في السر والعلن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مضمون القرار الأمريكي بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجن


.. القاهرة وواشنطن تدعوان إسرائيل وحماس لإتمام اتفاق تبادل الأس




.. تعرف على أبرز ردود الفعل على مجزرة مدرسة الأونروا بمخيم النص


.. 40 قتيلا من النازحين بغارة إسرائيلية على مدرسة لـ-الأونروا-




.. -يونيسف- تحذر من كارثة ضد أطفال غزة: 90% منهم يواجهون مجاعة