الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوا الطائرَ يجوب السماء .. دعوا الطائرَ يرتجل الغناءَ

صبري هاشم

2014 / 9 / 21
الادب والفن


***
دعوا الطائرَ يجوب السماء .. دعوا الطائرَ يرتجل الغناءَ
***
هو الغيظُ المزهرُ في الأفئدةِ ، الذي تتفوّحُ رائحتُهُ بعد الصدمةِ المُفاجئةِ .. بعد الدهشةِ التي تُسببُها لوثةُ القراءةِ الأولى لنصٍّ كُتِبَ بلغةٍ متدفقةِ الجنونِ .هو الغيظُ الذي يكمنُ في غورِ كائنٍ متوارٍ خلفَ عفّةِ الكتابةِ الزائفةِ ، لينتجَ خفّةً غيرَ محسوبةِ العواقبِ ، مدفوعةً بالغَيْرَةِ القاتلةِ ، تدفعُ بصاحبِها إلى أنْ يُطلِقَ مكنونَ صدرهِ ، كأحكامٍ جاهزةٍ عقيمةٍ وجافّةٍ تتدحرجُ مِن على منبرِ الرّدحِ إلى أقربِ حاويةِ نفاياتٍ لكي تحتلَّ فراغَها .غيظٌ هو نتاجُ العجزِ البشريِّ أمام المُدهشِ والمُبهرِ الذي يحرثُ الطُّرقَ المُعبدةَ لهؤلاء التقليدين والجامدين نتاج المؤسساتِ الشموليةِ والأصوليةِ ، ويعبثُ في أحشاءِ أرضِهم المزروعةِ بالنباتاتِ المشوّهةِ . يتساءلون : كيف نواجُهُ روايةً ، صدرتْ في غفلةٍ منّا .. في غيابِ القمرِ ! ، مكتوبةً شعراً أو بلغةِ الشِّعرِ ؟ مِن أين جاء هذا الكاتبُ المغمورُ ، النكرةُ لكي يتصدرَ زهوَ الكتابةِ ويحتلَّ أنفاسَ الورقِ المُحصّنِ ؟ كيف نفسحُ له في طريقِنا السالكةِ وهو يتنكّبُها نحو الوعورةِ ؟ هل نرجمُهُ مِن شرفاتِ القصرِ بأحجارٍ مِن سجّيلٍ أم نُطلقُ عليه كلابَ الملكةِ لتمزقَ جسدَهُ ؟ يجيبون : أجل .. أجل مشروعٌ كلُّ هذا ولكن بلا دماء نافرةٍ لكي لا يفتضحَ الأمرُ وتفرّ مِن بين أيدينا طيورُ الحجّةِ وغيومُ الإدانةِ حال إقصائه أو حال ضرب الحصارِ عليه في ظلِّ حربٍ باردةٍ .
هكذا إذن أيّها الكتّابُ / الروائيون / الشعراءُ الصنيعةُ ، الأدعياءُ . أغلقوا نوافذَ المُشتهى وتنفسوا الألمَ . وماذا بعد في جِعابِكم ؟ لا شيء .. أما نحن فسنجعلُ الروايةَ تطلُّ مِن هامِ القصيدةِ وبمعنى أدقُّ سنجعلُ القصيدةَ تتوسلُ نزولَ الروايةِ مِن عليائها إلى مائدةِ الليلِ . نعم الروايةُ عندئذٍ ستكون على يمينِ العرشِ . هاجموها إنْ شئتم فهي أمسكتْ بتلابيبِ المُفردةِ الأنيقةِ المُنتقاةِ بدقّةٍ كبيرةٍ وخبرةِ مَنْ له ذائقة عظيمة . الروايةُ / الشِّعرُ جاءت لكي تهدمَ تراكيبَكم اللغوية المُنفرة وعباراتِكم الكسيحة .أما مللتم مِن كتابةِ الحواراتِ السمجةِ ؟ ألم تملّوا مِن كتابةِ قال لها أحبُّكِ وقالت له أحبُّكَ وأنتم لا تعرفون الحبَّ ؟ ألم تتعبوا مِن مُتابعةِ وصفِ شجرةٍ وهي في حديقةِ دارِكم أو شارعِ أنتم تطلون مِن الشرفةِ عليه أو وصفِ بنايةٍ وأمامكم ملايين الأطنانِ مِن كتلِ الإسمنتِ ؟ ما أنتم ؟ ألم تتغيرْ الإيقاعاتُ في الطبيعةِ ولم تتغيرْ في آذانِكم ؟
أكثر مِن 400 سنة مرّتْ على كتابةِ الروايةِ ومازالت تُكررُ نفسَها : نفسُ الحواراتِ ، نفسُ طريقة السّردِ ، نفسُ الوصف ، نفسُ المفرداتِ المستخدمةِ في الإستهلالِ . في المنلوجِ ، في الحلمِ وفي الإهداءِ . ما هذا ؟ أهذا أدبٌ أم ماذا ؟ وإذا كانتِ الروايةُ جنساً أدبياً ، فيجب أنْ تُكتبَ بلغةٍ رفيعةٍ ، شعريةٍ ومكثفةٍ ثم تستخدمُ المُحسناتُ البديعيةُ كما يجب . سيقالُ إنّ الروايةَ نثرٌ . نجيبُ إنّ القصيدةَ الآن هي قصيدةُ نثرٍ فلماذا تُكتبُ بلغةٍ هي غيرُ لغةِ الروايةِ. كما إنّ قصيدةَ النّثرِ هي بديلٌ غيرُ شرعيٍّ للخاطرةِ . حسناً فلنعتبرِ الرّوايةَ جنساً أدبياً مكتوباً بلغةِ الأميين وننتظرُ النتيجةَ . أما نحن فسنكتبُ الروايةَ شعراً أو بلغةِ الشعرِ . ماذا نفعلُ وقد أكرمتْنا السماءُ لغةً ، مِن رحمِها ، عظيمةً ، خصّتْ بها العربَ قبل نزولِ الوحيِّ بزمنٍ غيرِ معروفٍ وغيرِ مُقدّرٍ ولا نَدري مِن أيِّ نقطةٍ بَدأ مسيرتَهُ . لغةُ العربِ لغةٌ خارقةُ الجمالِ تتميزُ عن سواها بغرابةِ سحْرِها . إنّها سيدةُ لغاتِ الأرضِ وهي لغةٌ لم يتقنْها أحدٌ وتلحنُ بها حتى النصوص المُقدسة ، لغةٌ مَنْ يتحدث بها بلا لحنٍ يُرفع إلى مصافِ الآلهةِ .. نحاولُ أنْ نكتبَ بها رغمَ اللحنِ البيِّنِ ، لقد ابتليْنا بجمالِها الذي يجذبُنا إليه بدونِ تحفّظٍ . إنّها تكتبُ نفسَها.. تفرضُ نفسَها بأبهةٍ كحوريةٍ تخرجُ مِن حوضِ السباحةِ مُزَغّبةَ الجسدِ . نكتبُ الروايةَ شعراً أو بلغةِ الشعرِ .. ما العيبُ في هذا ؟ لِمَ نتعرضُ لسهامِ غضبِكم أيُّها الأفذاذُ وجهابذةُ المنافي الذين تخشون مُحاذاةَ اللغةِ أو الغوصَ في مكنونِها الساحرِ الأخّاذِ أو تتجنبون السباحةَ في مياهِ بحارِها عالية الموجِ ؟ تهاجمون المُدهشَ وتستسهلون ما هو مُتاح مِن مفرداتٍ اعتادتها العينُ ومجّها الورقُ ولكنها تدرُّ عليكم روايةً أو روايتين بائستين في العامِ وكأننا في سباقٍ مع حشوِ الورقِ بما هو غثّ .. سباق نحو الشهرةِ التي تأتي مِن خلالِ أنصافِ مترجمين بحثاً عن عالميةٍ زائفةٍ ، لقد أسأتم إلى أدبِنا بترجمةِ ما هو رديء فالجميلُ عادةً تصعبُ ترجمتُهُ ، لا أدري كيف استطاعَ الوصولَ إلى العالميةِ مَن لم يسجلْ حضوراً محلياً باهراً ؟ لكن هذا قد حصلَ . لا بأس أعدائي فالكتابةُ بلغةِ الأميين تجدُ لها سوقاً في الترجمةِ ورواجاً في أروقةِ المؤسساتِ التي تُناصبُ العربَ العداءَ . والآن ألا يكفيكم طحناً على جسدِ اللغاتِ العاهرةِ التي تنقادُ إلى كلِّ مَنْ هبّ ودبّ . منذُ أنْ عرفْنا الروايةَ في الوطنِ العربيّ ابتذلْنا لغتَها وكتبْناها بلغةٍ فيها مِن التسطيحِ ما يجعل اللغةَ العربيةَ مهزلةً في نظرِ القاريءِ وكتبْنا بلهجاتٍ عاميّةٍ انحدرتْ بها إلى أسفلِ السافلين مما جعلَها توصمُ أحيانا بالمحليةِ وهنا تكمنُ الخطورةُ في تحويلِ لغةِ العربِ إلى لغةِ بلدٍ بعينِهِ ربما كان صغيراً إلى درجةِ المجهريةِ وابتذلْنا أنفسَنا معها بتحويلِ الذّاتِ إلى ذاتٍ مُتضخمةٍ في فراغٍ حتى انحدرتْ إلى الحضيضِ. هزُلتْ وبانَ نخاعُها . ألم يحن وقتُ النهوضِ بالرواية إلى مستوٍ يجعلُها عصيةً على التناولِ أم أنَّ الخروجَ على قوالبِها الجامدةِ ــــــــــ ونحن نُحبُّ الجمودَ ومِن عُشّاقِه ــــــــــــ المعروفة ، يصلُ إلى حدِّ الكفرِ ؟ أجل لِمَ لا نستتخدم لغةَ الشّعرِ ؟ لِمَ لا نستخدم تراكيبَ جديدةً في السّردِ الروائيِّ ؟ لِمَ لا نستخدم رؤىً بنائيةً جديدةً ؟ لِمَ لا نكتب الروايةَ بأشكالٍ أخرى ؟ لِمَ لا نكتب نصّاً عصيّاً على الكسلِ النقديِّ أو الغباءِ النقديِّ .. ذلك النقدُ الذي يعتمدُ المقولاتِ الجاهزةَ ويبني فوق النظرياتِ النقديةِ تنظيراتِهِ التي تبدو غائمةً وتنتهي كالحةً ؟ نُريدُ نصّاً لا يمكن اخضاعهُ في حالةِ نقدهِ إلى هذه المدرسةِ البنيويةِ أو تلك التفكيكيةِ أو الأخرى الشكلانيةِ .. لا أعلمُ كيف سوَّقوا لنا نظرياتٍ نقديةً أوربيةً لروايةٍ عربيةٍ ثم أخضعوها قسراً لتلك المقاييس دونَ أنْ يُفكروا بنظريةٍ لواقعِ الروايةِ العربيِّ . نُريدُ نصّاً ليس واقعياً اشتراكياً ولا واقعياً سِحْريا ولا سريالياً .. نصّاً مقروءاً في كلِّ الأزمانِ وفي كلِّ الأمكنةِ لا يتعصبُ لدينٍ أو لقوميةٍ أو لطبقةٍ أو لعنصرٍ بشريٍّ .. نريدُهُ إنسانياً (خلاسياً) خالصاً ومبهراً مكتوباً بعنفوانِ اللغةِ ولأنّ لغتَنا قادرة على كلِّ هذا فيجب أنْ نظهرَها إلى العالمِ في أجملِ صورِها . أيُّها السادةُ أنّ ما تسمونه شعراً هو مجرّدُ كلماتٍ رشيقةٍ صُبتْ في تراكيبَ مُدهشةٍ ولم تكتبْ بلغاتٍ أجنبيةٍ ، وليس هنالك لغةٌ بلا إيقاعٍ أو خارج دائرة الحركة والسكون . أين اعتراضُكم ؟ أعلى الموضوعِ أم على الشكلِ ؟ أين الخروجُ على شروطِ الروايةِ .. دلّونا ؟ وإذا خرجْنا على هذه الشروطِ فمَن هذا الذي وضعها ؟ ومَن هذا الذي كبّلَنا بها ؟ واعلموا أنّ ليس هنالك كتابة خارج الزمانِ والمكانِ وليس هنالك كتابةٌ بلا حدثٍ أو شخوصٍ (أبطال) وليس هنالك كتابةٌ بلا سردٍ ولو كان سردَ اللحظةِ المكثفةِ ، ألم تخرجْ العربُ ومِن قبلِهم الأوربيون على قوانين الشعرِ .. ألم نكسرْ قواعدَ الخليل ؟ متى كنّا نفزعُ مِن الشّعرِ خوفاً منه أو عليه ؟ هل كان نهجُ البلاغةِ شعراً ؟ الجوابُ كلا لكنهُ مؤلفٌ مكتوبٌ بلغةٍ عربيةٍ فصيحةٍ .. اُستخدمت فيها علومُ البلاغةِ الثلاثةُ فاعتمدت في علمِ البيانِ التشبيهَ بكلِّ أنواعِه والاستعارةَ والكنايةَ ومِن علمِ البديعِ اُستخدمت محسناتُه مِن جناسٍ وسجعٍ واقتباسٍ وطباقٍ وتوريةٍ ومقابلةٍ وتلميحٍ وغيرِها الكثير مما يدخلُ في جمالياتِ اللغةِ كما استخدمَ بكثافةٍ علمُ المعاني ، أي أننا بمقدورِنا أنْ نقولَ في كتبٍ كـ " كنهج البلاغة " مِن البلاغةِ ما يغطي سطحَ الكوكبِ ومِنِ الروائع ما يوحي للقارئ بجمالِها الآسرِ الأخّاذِ الذي يسلبُ الألبابَ . لا يفهمُ الجهلاءُ هذا ويغتاظُ الروائيون لأنّهم يَقِفون عاجزين أمامَ أعمالٍ كهذه ، أو الإتيانِ بمثلِها ، كما يغتاظُ الشعراءُ ـ المراهقون منهم ـ لأنّها تتجاوزُ أشعارَهم المُترهلةَ ، الرخوةَ . لقد حولّنا لغةَ الحدثِ المسرودِ الباردةَ إلى لغةِ سردٍ شفيفةٍ دافئةٍ . نحن لا نزاحمُ الشعراءَ على كتابةِ القصيدةِ لكن مَن الذي دفعَ القصيدةَ إلى الترجّلِ عن صهوتِها مَن ذا الذي دفعها للتنازلِ عن العرشِ وتكتب نفسَها نثراً ؟ لماذا تُزاحم النثرَ على بساطِهِ الواسعِ المُهلهلِ ؟ لِمَ لم تبقَ القصيدةُ عصيةً على الكتابةِ نثراً ؟ لِمَ لا تنعم بالحريرِ والديباجِ واللؤلؤِ وأطواقِ الياسمين وتغترفُ مِن السلسبيلِ ولها الكأسُ المُعلاةُ التي منحتْها إياها السماءُ . وهي بهذا المستوى سوف لن تصمدَ لأننا قررنا أنْ نجعلَ رواياتِنا تطلّ مِن هامِ الشّعرِ فحافظوا على شعرِكم ـ ولكن على أيِّ شعرٍ ـ مِن شرِّ الكائنِ الخلاسيّ الجديدِ واذبحوا شقيقاتِكم ، الروايات ، الهزيلات شكلاً ومضموناً . إنّه زمنُ محو الحدودِ .. سنمحو الفوارقَ كما نمحو أزمانَكم وأطلالَكم وأصنامَكم وسنكتبُ الروايةَ شعراً ونثراً وقافيةً وسجعاً ( إنْ لم نعتبر السجعَ قافيةً ) وإلى غيرِ ذلك مادمنا لا نخلُّ بشروطِها ( وما هي شروطُها ومَن اعترفَ بها أو لم يعترفْ ؟ ) . أيُّها المُجحفلون ، الخارجون مِن لهيبِ الورقِ ، القادمون مِن عذاباتِ الإثمِ لا تكتبوا رواياتِكم بغيرِ الشعرِ أو بلغةِ الشعرِ وابتعدوا عن مغازلةِ الترجمةِ والمترجمين فإنَّ النصوصَ الهزيلةَ لو تُرجِمت إلى كلِّ لغاتِ الأرضِ فسوف تبقى هزيلةً لكتّابٍ مُتواضعين . في الختامِ سويةً دعونا نتأملِ الطائرَ يجوب السّماء .. دعوا الطائرَ يُدهشنا .. دعوه يرتجل الغناء

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??