الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- صخرة أخرى في الجدار -

صفوان الطّرابلسي

2014 / 9 / 21
كتابات ساخرة


اليوم يعود الجميع إلى صفوف المدارس. أسألكم في خجل، لأنني أحدكم، ما الذي تعلمناه في هذه الغرف المقرفة ؟ القليل من تقنيّات التعامل مع الكلمات والأرقام؟ بعض العلوم البدائيّة؟ جعلوا مني ومنكم علبا سوداء محشوّة بالترّهات. قد يعتبرني بعضكم مغرورا، متكلّفا، جاهلا، فوضويّا، لكن فكّروا معي للحظة، فكّروا خارج نطاق دائرة العادة وخارج شبكة المصالح الإجتماعيّة، ما نفع كل هذا ما لم نتعلّم حب الحياة، ما لم نرسم هدفا خارج متناول الواقع. لقد مات الإنسان يا أصدقائي حين فقد القدرة على الهرب. هذه الجدران التي نسمّيها "مدرسة" ليست سوى مقابر للإنسان، مقابر جماعيّة، ندفن في دُهْمَتِهَا جوهرنا وبوادر جنوننا ونتفرّغ بعد حلقات لا متناهية من التكوين، لتدمير الأرض والإستمناء على وجوه بعضنا البعض.
أريد أن أعلمكم، نحن ننقرض. لست حزينا. غدا سأعود مثلكم، لا شيء يذكر، سأرتدي قميصا عاديّا تماشيا مع الموضة واحتراما للذوق العام، سأتظاهر بأنني أنا وأنني موجود هنا رغم يقين بأنه لا شيء يشبهني وكما يقول درويش لا شيء يعجبني، لا هذا الكلام كلامي ولا هذا الوجه وجهي ولا هذه الأفكار التي أتبجّح بأنها تملأ رأسي أفكاري، أنا مجرّد نسخة، مثلكم جميعا، أرتدي نفس القناع وأتظاهر بالفرديّة المطلقة . لا تسألوني كثيرا، حين تشاهدون المبغى الذي يسمّونه "جامعة"، ستفهمون كيف تحوّل شعب عمره ثلاثة آلاف سنة الى قطيع من الغنم. لم أعد بحاجة إلى بناء صنم، الصّنم في داخلي وجذوره ضاربة في كبدي. زرعه والديّ وأكملت تقاطيعه مؤسّسات الدّولة.
تبدأ القصّة حين نولد في الفقر، تحته بقليل أو فوقه بقليل، ليس هنالك فرق، خطّ الفقر سميك كخطّ الإستواء. نعيش السلام الى حدود اليوم الذي نربط فيه أول حرفين لتكوين كلمة، ينظرون لانفتاح شفتيك مستغربين، مستفسرين: ماذا دهاك؟ يتمتم الأهل وهم يبتسمون:" ها قد بدأت المتاعب." لكن المعركة لا تبدأ، تؤجّل إلى أوّل سؤال. يبدؤون في حصارك، بدل أن يتعبوا أدمغتهم في اختراع أجوبة بهلوانيّة لأسئلتك السّاذجة، يسكبون في أذنيك تعويذة الخطيئة، يحمّلونك كتاب الوصايا، يرسمون على مقلتيك صورة الأب والأم والرّوح القدس. إيّاك أن تكون مختلفا بينهم، إيّاك أن ترى أشياء لا يرونها، إيّاك أن تبحث عن شيء فهم سيعلمونك كل شيء.
حين تظهر أعراض التمرّد يرسلونك إلى المدرسة. تقنيّو المعرفة سيتكفّلون بتجذيب أغصانك، سيصعّدون كل عقدهم على جلدك، سيدبغون شخصيّتك الفتيّة ببولهم الحامض. أول الدّروس، درس في القناعة، جاهر بما تريد لكن في الجوهر كن محافظا أو لا تكون، أكتب أشعارا ثوريّة وفي الإنتخابات سر مع السّائرين إلى مكاتب الإقتراع. في العشرين ستكون قد تعلّمت كيف تتعامل مع الواقع كما يجب فالتغيير بداية الخراب ومن يرى الحقيقة كاملة يصيبه العمى. لهذا يجب أن تكتفي بما يسردونه في الكتب المدرسيّة، لا تخرج عن المنهج حتّى لو قرؤوا التّاريخ بالمقلوب، ارفع رأسك بالإيجاب. سيقولون أن شكري كان كافرا و أن جيفارى كان إرهابيا و أن أبى ذر كان غريبا عن أهل الإسلام و أن معاوية كان أحق بالخلافة من علي. سيعلمونك كيف تكره النوّاب لأنه كان بذيئا وفوضويا وكيف تمقت غسّان لأنّه كان شيوعيا. لن تتطعّم شعر الماغوط ولن تفهم غموض درويش ولن تبصر نور الحلّاج. لن تحب و لن تعرف الرّب.
سنندم يا أصدقائي. يوما ما، حين يمر أما أعيننا، صدفة، شريط الحياة وندرك متأخّرين أننا مجرّد أرقم في حساب بنكي كبير يسمّونه الدّولة، من سنلوم وعلى أطلال من سنبكي؟ وحدهم المجانين والمارقون والصّعاليك سيقفون أمام الله بأعين راضية، سيتقدّم كل منهم بثقة ويجيب على السّؤال الأول " أعترف أنني حييت"*.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي