الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأكثرية والأقليات في السورية حق يُراد به باطل

أميمة أحمد

2014 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية




بعد أشهر قليلة على اندلاع الانتفاضة السورية راج الحديث عن مخاوف الأقليات من " بطش " الأكثرية ، وبشيء من التأليب والتحريض أصبح إعلام النظام السوري يثير الدخان الأسود حول خوف الأقليات ، ويطمئنهم أن "النظام حامي الأقليات " وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لابروف أكثر من مرة بأن " النظام ضامن لحماية الأقليات"
جرى التهويل والتحريض المقيت دون رحمة أو رادع أخلاقي " الويل والثبور وعظائم الأمور " إذا حكمت الأكثرية السنية ستسحق الأقليات ، حتى عدوى التهويل وصلت العلمانيين، بوصفهم تركيبة النظام السوري أنه " نظام طائفي أقلوي، يحمي الأقليات لأنه ينتمي للطائفة العلوية إحدى الأقليات المذهبية في سورية ".

من لا يعرف الواقع السوري الموغل في التاريخ من التآلف الاجتماعي السوري يُصدق هذه التُرهات ، ويعتقد أن السُنة لم يشاركوا بالحكم طيلة حكم نظام آل الأسد ، ولم تهتف برجوازية دمشق وحلب السنية " مدد مدد حافظ أسد قائدنا إلى الأبد " ، شعار لم يهتف به العلويون بل البرحوازية السنية التي تحالفت مع حافظ الأسد، وهي من رفع هذا الهتاف في دمشق وحلب كبريات المدن السورية ، لأن الرئيس حافظ الأسد فتح لهم أبواب الأقتصاد على مصاريعها ، وشيئا فشيئا صار وأتباعه شركاء للبرجوازية في تجارتها ومصانعها " بالاسم كنافذين في السلطة "، فتقاطعت مصالح البرجوازية مع مصالح النافذين بالحكم ، فتعزز تحالفهم بالدفاع المستميت عن النظام، كلنا يتذكر كيف كبحت البرجوازية الحلبية الحراك الشعبي في حلب الشهباء لأكثرمن عام ونصف من قيام الثورة ، ولا زالت البرجوازية الدمشقية تكبح الحراك الشعبي في عاصمة الأمويين حتى الآن بعد مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة السورية في مارس 2011 .
في عهد الأسد الابن أصبحت البرجوازية تتذمر سرا لأن دائرة الاستفادة من ريع النظام ضاقت وأصبحت حصرا تتوزع على " عظام الرقبة " للنظام ، وهي عائلة الأسد وأخواله وخالاته وعماته وبعض النافذين في أعلى هرم قيادة الجيش والاستخبارات ورجال الأعمال محدثي النعمة ممن كانوا بالسلطة وتقاعدوا ليتفرغوا لجمع المال . كان لهؤلاء الفضل في استغناء النظام عن البرجوازية السنية التقليدية، وتنكر لفضلها في توطيد أركان نظام الأسد بعد انقلابه عام 1970 .

هذه اللمحة الخاطفة للتأكيد على أن النظام السوري ليس طائفيا ولم يكن يوما طائفيا كما يحلو لبعض أطياف المعارضة وصفه " نظام طائفي أقلوي" ننفي صفة الطائفية عن النظام لأن النظام الطائفي يعني سياسيا "محاصصة الحكم بين الطوائف في المجتمع" كما هو الحال في النظام اللبناني ، فلكل طائفة حصة بعدة حقائب وزارية في الحكومة وعدة مقاعد في البرلمان، هذه الحالة غير موجودة في سورية منذ الاستقلال وحتى اليوم . وللدقة أكثر في مرحلة ماقبل حكم البعث كانت البرجوازية هي المهيمنة على الحكم منذ الاستقلال وحتى انقلاب البعث 1963 ،حيث كان النظام السوري نظاما برلمانيا، يُنتخب أعضاء البرلمان من الموالين لهذه البرجوازية ، وبعد انقلاب البعث واستلام الجيش مقاليد الحكم في البلاد انتهى الدور السياسي للبرجوازية الوطنية ، بل وانتهى دورها الاقتصادي أيضا عندما شرع نظام البعث بسياسة التأميم والإصلاح الزراعي ، فصودرت أملاك البرجوازية والأقطاع ، وتحول الكثير منهم أن يعيشوا على حد الكفاف، لكن الحال تغير في عهد حافظ الأسد، الذي تحالف مع البرجوازية لتوطيد حكمه، وأعاد لها مكانتها .

نظام يعتمد على السنة من برجوازية ومثقفين لايمكن أن يكون طائفيا ، بل هو نظام مستبد ، اغتال العقل السياسي والثقافي والاجتماعي، وقسّم المجتمع عموديا بين موالي ومعارض، ففي العائلة الفقيرة نجد مواليا يمكن أن يشي بأخيه المعارض للنظام ، وقد حصل هذا عندما اعتمد النظام " سياسة الوشاية المأجورة " وأصبح الكل يخاف من الكل ، فلا أحد يثق بالآخر خوفا أن يشي به للمخابرات لو فكر مجرد تفكير بنقد النظام ، فتصحرت الحياة السياسية .

وبالعودة إلى تركيبة النظام السوري منذ حكم البعث 1963 ، كان يشرك كافة الطوائف في الحكم والبرلمان ( مجلس الشعب) حيث كان يوزيع مقاعد البرلمان والحقائب الوزراية والمناصب السامية في الدولة على الطوائف جميعها تحت ستار "البعثي الكفء " ، غير أن تلك المناصب لاتحرك ساكنا لأن السلطة الفعلية بيد قيادة الثورة التي سميت " القيادة القطرية " والفاعل الحقيقي في هذه القيادة هو من يتحكم بقوة الجيش وأجهزة الاستخبارات، لذا الحكومات في الأنظمة الاستبدادية ليس لها قوة سياسية ، ولا دور في القرار السياسي ، بل واجهة للمستبد .

وبالنسبة إلى طبيعة الجيش في سورية ، فهو مؤسسة عقائدية تابعة لرئيس الجمهورية، الذي هو قائد القوات المسلحة بموجب الدستور ، لذا الجيش السوري لايشبه الجيوش العربية ، من حيث الولاء العقائدي ، بينما منصب وزير الدفاع في الحكومة لايختلف عن منصب وزير الرياضة ، ولكن لأنه على رأس تشكيلات الجيش يمكنه شراء الذمم بالعلاوات والترقيات كما فعل وزير الدفاع حافظ أسد ، وبالتالي استطاع الاستقواء بالجيش وحقق انقلابه على القيادة في نوفمبر 1970 .
من هنا الحديث عن الأقليات والأكثرية في سورية يراد بها إشعال حريق سورية أكثر مما هو مشتعل .
فسوريا تاريخيا لايمكن حصر منطقة جغرافية محددة بفئة عرقية أو دينية أو مذهبية، ففي كل مدينة سورية نرى تركيبتها السكانية من عدة أطياف عرقية أو دينية أو مذهبية، والتصريح أن فلانا من الطائفة الفلانية أو العرق الفلاني لايزيد من قدره أو ينتقص منه لأن سورية تتميز بفسيفساء اجتماعي شكّل ثراء لحضارتها على مر العصور. وحسب إحصاء الأمم المتحدة 2008 بيّن واقع الطوائف الذي يشير إلى أغلبية عربية من حيث العرق ، وأغلبية مسلمة سنية من حيث الدين والمذهب، ويشكل العرب نسبة 93% في التوزيع العرقي ، يليها نسبة الأكراد 5% ، وهناك أقليات عرقية أخرى مثل الأرمن الذين يتركزون في حلب ، والآشوريون والشركس والتركمان .
ومن حيث التوزيع الديني زهاء 76% مسلمون سُنة، و 11.5% علويون ، و 3% دروز ، و 1% إسماعيليون، و4.5% مسيحيون ، و 0.4% شيعة أثنى عشرية
أما التقديرات الأميركية لنفس الفترة : 77 % من السكان مسلمون سنة، و 10 % علويون ومرشديون، و3% دروز وإسماعيليون وشيعة اثني عشرية، و 8% من السكان مسيحيون من طوائف مختلفة، وتوجد أيضا أقلية يزيدية في منطقة جبل سنجار على الحدود مع العراق-حسب الموسوعة الحرة.
وصدرت إحصائية أخرى من سورية عام 2005 مجهولة المصدر، جاءت بعد عامين على الاحتلال الأمريكي للعراق 9 إبريل 2003 ، وتزامنت مع انعقاد المؤتمر القطري لحزب البعث .الإحصاء نشرته " كلنا شركاء " في فبراير 2006، وكأنه وثيقة سرية مسربة تقول " في إحصاء دقيق، لم يتم نشره، أجرته الجهات المختصة في سورية طيلة النصف الثاني من 2005، تبين في محصلته أن تعداد سكان سورية القاطنين يبلغ 18 مليون نسمة، موزعين على الشكل التالي: 45% سنة ، 20% علويون ، 15% أكراد، 12% مسيحيون ، 3% دروز، 3% مرشديون ( فرقة علوية تتبع سليمان المرشد إبان الانتداب الفرنسي ) ، اسماعيليون 1.5% وشيعة0.5%"
نلاحظ في هذا الإحصاء مضاعفة نسبة العلوية من 10 إلى 20% من عدد السكان، وتخفيض السنة من 77 إلى 45%، لماذا ارتفعت النسبة للعلوية وانخفضت للسنة ؟ هنا ندرك مايختبئ وراء الأكمة في " الإحصاء مجهول المصدر" أراد القول : لايوجد في سورية أكثرية ،بل سورية عبارة عن مجموعة أقليات مثل لبنان ، وهذا كلام خطير ، وقولنا ليس دفاعا عن أكثرية ، بل نحذر من مخاطر تزوير واقع التركيبة السكانية لأهداف سياسية ، وهذا يشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي في سورية عندما ترى الأغلبية نفسها مضطهدة نتيجة إحصاء زوّر واقع التركيبة السكانية لأغراض سياسية.
هل إصلاحات مؤتمر حزب البعث التي خرج بها كانت تنطوي على تغيير التركيبة السكانية في سورية ؟وهل يعمل النظام على تغيير التركيبة السكانية لسورية برفع عدد الشيعة تمهيدا لتقسيم سورية إلى ثلاث دول : سنية ، علوية ، درزية ؟ كما كانت ترغب فرنسا إبان الانتداب في عشرينات القرن الماضي. ولعل ماوصفه السوريون " بالغزو الإيراني" لسورية في أعقاب المؤتمر القطري عام 2005 يصب في مخطط التقسيم ، علما لا زال تدفق الإيرانيين مستمرا إلى درجة أصبحت لهم أحياء في المدن السورية ، ويحصلون على الجنسية السورية بسهولة ، وانتشرت معهم الحسينيات، كان الهدف واضحا وهو تغيير التركيبة السكانية لسورية احتياطا لأي انفجار اجتماعي ، تذهب مآلاته إلى فرز طائفي ، يكون فيه عدد الشيعة يوازي عدد السُنة وربما أكثر.
بعد اندلاع الانتفاضة السورية والتجييش الطائفي الذي قام به إعلام النظام منذ الشهر الأول للانتفاضة ، وصولا إلى القتل على الهوية ، يدلل أن ذاك الاحصاء مجهول المصدر ظهرت نتائجه الآن ، ولكن من المستفيد من هذا التوازن الطائفي القسري النظام السوري أم إيران ؟
مانعرفه وما عشناه منذ حكم الأسد 1970 لم تكن مسألة الأقليات مطروحة البتة، وكان الشعب السوري بكل أطيافه السياسية وطوائفه وأعراقه يكتوي بنار الاستبداد، وعليه نرى أن متغيرالتوازن الشيعي السني لايخدم النظام وإنما يخدم إيران، التي ترى بسورية مصلحة إيرانية استراتيجية ، تسمح لإيران بالإطلالة على المتوسط ، ولن تجد أفضل من بشار ليكون ظهيرا لتحقيق طموحها، لذا لاغرو أن تدعمه على نحو يجعلها التضحية بولاية إيرانية ولا تضحي بسورية ، التي يعتبرها حسن روحاني إحدى ولايات إيران .
والحالة هذه نرى أن الأكثرية والأقليات هي واقع سوري عريق ، يراد به باطل لتقسيم سورية .
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب