الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجدار

محمد الذهبي

2014 / 9 / 22
الادب والفن


الجدار
محمد الذهبي
التحق بوحدته العسكرية مساء، بعد ان ودع امه واباه، وهو ينازع كفي ابيه للتخلص من مزيد من القبلات، لاول مرة يرى جبهات القتال، تعجب من الجنود الذين يخرجون من باطن الارض وسحناتهم متربة، في الطريق الى ارض الطيب، لاحظ عددا من الابقار، فاستبشر خيرا، مازالت هناك بعض البيوت، الارض ليست للعسكر فقط، عدة ابيات تحيطها بعض التلال، وهناك على امتداد الافق ثمة مزروعات بسيطة، يالهذه الارض تنبت دائما وتحت اية ظروف، وصل ليلا وانتظر سيارة الارزاق لتقله الى المواقع المتقدمة ( الحجابات)، كان ساهما وهو ينتظر واذا بالسيارة ترجع الى الخلف، ولولا صيحة احد الجنود لكانت قد صدمته، لم تكن ايمان بعيدة عنه، ولاكلية الاداب ببنايتها القديمة، وحتى النادي كان حاضرا في تلك الليلة، ايمان: لقد كتبت قصيدة جديدة تتحدث عن خيول ظلمها ساستها، خيول اصيلة وقعت تحت طائلة الظلم والقهر، مع العلم ان هذه الخيول تحمل صك نسبها في رقبتها، ضحكت ايمان وقالت له: احمد ... تريد تتورط ويّه صدام، هل تقصد تهجير الكرد الفيليين، ضحك هو الآخر وعبر بها الى مبنى كلية الصيدلة الفارغ تماما، وغابا في لحظات ليست محسوبة، مقتطعة من العمر كما تقول ايمان.
عاد الاثنان منهكان وغادرا الكلية الى زحمة كراج باب المعظم واصوات الباعة التي تنعش ذاكرته كثيرا، وصل الحجابات، وجد السماء قد اضيئت تماما، وكانها العاب نارية، انبهر في بداية الامر وراح ينظر الى الظلام الذي يتبدد تحت اطلاقات التنوير، سحبه احدهم وهو يقول: اشبيك تريد اتموت؟ كان احمد ضمن قائمة الاسرى التي حصلت عليها الحكومة من منظمة الصليب الاحمر، وهناك وعلى الحدود مع روسيا كان منفاه، شاكس كثيرا فكان مصيره السجن الانفرادي، في البداية كان يحدث نفسه وبعدها اتخذ من الجدار صديقا وراح يلقي القصائد في حضرته، ويكلمه لساعات طويلة.
مرت السنين ببطء شديد وهو على نفس حالته لايكلم ايا من الناس حتى عندما اعادوه الى مجموعة الاسرى الاخرين، لايتكلم مع احد، ينفرد بالجدار لساعات عديدة، ويذهل عن العالم وكأن الجدار حبيبة غائبة وعادت، ولذا فهو يختزل زمان الغياب قصائد وانفعالات وعتبا كثيرا، يريد ان يلحق عجلة الزمن التي داسته وضيعت من عمره الكثير، الموجودون يضحكون منه، وبعض الاحيان يثورون ضده، منهم من يحتج عليه ويعذله والبعض يأنبه، ولكنه لايعير اهتماما لاحد فسعادته بالجدار لاتوصف، يضحك ويبكي وبعض الاحيان يصل الى لمس الجدار وكأنه كائن حي، خصوصا عندما يأخذ ذلك الجدار دور ايمان، بعض الاحيان ينفعل ويقبل الجدار قبلة عميقة ويغيب معه في ممارسة جنسية وامام الجميع، بالقلم العريض كان يضاجع الجدار، وباقي الاسرى بين ضاحك وحزين على ماوصل اليه هذا الشاب الانيق، ذو الشعر المجعد والعينين السوداوين والقامة الفارعة، والبشرة البيضاء الناصعة، يكلم الجدار يبكي ويضحك ويمارس الجنس، انفرجت الامور ، توقفت الحرب، وعاد احمد الى بغداد، لكنه عاد يكلم الجدران ويتصرف ذات التصرفات هناك في الاسر، وفي ممارسة جنسية حارة وشديدة، قدم سكان المنطقة شكوى ضد احمد فجاءت الشرطة واقتادته، انتهى به المطاف الى مستشفى الرشاد للامراض العقلية، لم تحدث اية مفاجأة، لم تأت ايمان لزيارته، والدته كانت قد غادرت الحياة هي وابوه، لم يبق له سوى الحدار، جدار المصحة النفسية، يعانقه طويلا ويبكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج