الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيروقراطي والأرستقراطية

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2014 / 9 / 22
الادب والفن


في الدرجة الأولى من القطار الرابط بين الرباط والدار البيضاء، كانت تجلس قبالته، تكاد ركبتاها تلامسان ركبتيه. هذا دليل على أن المرأة فارعة الطول. كان يقرأ مجلة أسبوعية فرنسية، وكانت هي تستعرض الطبيعة من وراء نافذة القطار.

في لحظة غامت حروف المجلة وصورها، صارت مضببة في عينيه. وكل تفكيره انصب على الحسناء التي تقابله.

قال في سره:
- لا شك أن المرأة من عائلة أرستقراطية، شكلها ولباسها الأنيق يدلان على ذلك.

في نفس الوقت تحولت نافذة القطار إلى شاشة تنقل إليها مباشرة ما يخالجها من هواجس وأفكار.

قالت الحسناء:
- لا شك أن الرجل موظف سام بالعاصمة، ساعة يده وبذلته تنطقان بذلك.

استمر هو في الكلام داخل نفسه:
- ما أجمل عطرها. وماكياجها خفيف. الجمال لا يحتاج إلى كثرة المساحيق.

استمرت هي في الكلام مع نفسها:
- ما أجمل تسريحة شعر رأسه، وشنبه مثير.

قال هو، دائما في سره:
- الخواتم التي في أصابع يديها لا تمكن من معرفة هل المرأة متزوجة أم لا؟

قالت هي، دائما مع نفسها:
- لا خاتم في يده، لكن من يدري.. قد يكون متزوجا. ليس كل الأزواج يضعون خواتم.

سها الرجل لحظة. سهت المرأة في نفس اللحظة. ثم ركز عينيه على صورة ممثلة فرنسية في المجلة، تحت عنوان يتحدث عن علاقاتها الغرامية.
ركزت هي عينيها على نافذة القطار، راعي غنم يقف ملوحا بعصاه للقطار.
عاد يسترق النظر إلى وجهها الجميل. اختلست هي نظرة إلى وجهه الوسيم.

فكر:
- لا يمكن أن تكون هذه الحسناء خالية القلب، أو ليس هناك من استولى على قلبها وخطفه.

فكرت هي:
- لا يمكن لهذا الشاب الوسيم أن يكون فارغا، لا شك أن واحدة لعوب خطفت عقله وقلبه.

أخرجت من حقيبة يدها الجلدية هاتفها الأيفون. آخر طراز.
أخرج هو من محفظته لوحة الأيباد.
تفرجت على صور عرس قديم لإحدى قريباتها.
استعرض هو أخبار الطقس.

قال:
- لعلها تدردش مع صاحبها. أغبطه.
قالت هي:
لعله يدردش مع صاحبته. أحسدها.

أحست بألم في الرأس.
أحس هو بدوار خفيف.
كانت على وشك أن تسأله إن كان يحمل معه قرصا من "دوليبران". تراجعت.
كان على وشك أن يسألها نفس السؤال. تراجع.

قالت:
- يبدو رجلا بيروقراطيا متكبرا معجبا بنفسه.
قال هو:
- لا أحب الأرستقراطيات المتعجرفات.

وصل القطار إلى محطة "الدار البيضاء الميناء". نهاية السير.
انتظرها أن تقف أولا.
انتظرته أن يقف أولا.
وجدا نفسيها آخر من بقي في القطار.
في الوقت نفسه خرجت من فمها ومن فمه نفس الكلمة:
- هل وصلنا؟

غادرا القطار صوب باب الخروج. هي أمامه تنتظره أن يكلمها، أن يطلب رقم هاتفها.
هو وراءها ينتظرها أن تلتفت، علامة تشجيع كافية. لكنها ضرورية.

قالت، دائما مع نفسها:
- سأسرع الخطى حتى لا يحسبني امرأة سهلة ويضيفني إلى صنف النساء اللعوبات.
قال هو، دائما في سره:
- سأتباطأ، ستظن أني زير نساء متلاعب، وقد تهزأ بي هذه الأرستقراطية.

في البيت جلست وحيدة ساهمة تعاتب نفسها بصوت مسموع:
- دائما ربي يعطيني الخير.. يأتي به بين يدي.. وأضيعه.

في الحانة أمام بيرته يدخن، فكر فيها. خاطب نفسه:
- يا لك من غبي، الحسناء عيناها قالتا كل شيء، وأرادتني.
وبصوت مسموع خرجت منه كلمة: "ما أجهلك".
تدخل النادل وبعض الزبناء لفك الشجار الذي نشأ بينه وبين زبون كان يقف جنبه على الكونطوار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس