الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد أركون في ذكرى مثقف شجاع

عبد الواحد مفتاح

2014 / 9 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يعتبر المفكر محمد أركون، أول من بادر إلى محاولة وضع النص القرآني أمام تفكيكية المناهج الحديثة، ضمن مبادرة لتحرير الفكر الإسلامي من "الإطار اللاهوتي" تتخذ من تطبيق النظريات الأنثروبولوجية منزعها الأساس.
هذا المشروع الكبير الذي طالما كان حاجزه تلك الصعوبات المعرفية التي تحول بينه وبين التواصل مع الجمهور الإسلامي العريض، بسبب تقوقع هذا الأخير في أيديولوجية تقليدانية مترسخة في الأذهان.
محمد أركون الذي تعالت أطروحاته من أجل تنمية النزعة الإنسانية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، مذكرا أن أزهى عصور الإسلام الكلاسيكي كانت على أيدي علماء تبنوا هذا الطرح وعملوا عليه، ذلك أن هذه النزعة نفسها هي ما يحقق الآن المجد الأروبي وفتوحاته العلمية والمعرفية. فالمشكل الأساس عند العرب أنم يريدون أن يعيشوا الحداثة دون أن يخضعوا لمشقة التحديث، يستغلون منتوجات العصر، دون أن يقبلوا طريقة التفكير التي أدت إلى إبداع هذه المصنوعات، فالمجتمع عندنا لم يعرف أي مرحلة نقد علمي أو تفكيكي للعقل الإسلامي مبادئه/ آليات / مقولاته / ومن التجليات الأساس لهذا اتساع دائرة اللامُفكَر فيه إلى أن امتدت إلى دائرة "المستحيل التفكير" فيه المترسبة في يقينيات وقطعيات يجد الفكر التقليدي في تنميتها وتبريرها كل وظائفه.
من المشاريع الفكرية التي تَعرف أهمية موازية في نقد الفكر العربي، مشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري " نقد العقل العربي " هذا المشروع الذي سيعرف نجاحا كبيرا ومتابعة أكبر، لأنه مشروع فكري كبير حافظ على مسافة جد مطمئنة من الأوتار الحسّاسة في الفكر العربي، على عكس مشروع اركون الذي لا يرى امكانية إلى التحرر الفكري، إلا في النقد الكلي للعقل الإسلامي.
وذلك بالانخراط في جوهر الإشكال الأساس، ألا وهو الجهل المُقدَس، هذا الإشكال الذي يطرح سؤال نفسه: كيف نؤسس للجهل؟.. بتقديس اجتهادات فاعلين سياسيين ودينيين في التاريخ الإسلامي- أركون الذي انتقل إلى مفهوم أكثر تعبيرا عن أزمة الواقع المُعاش، وهو الجهل المؤَسَس الذي يتخذ في نظامنا التربوي حجر الزاوية، هذا النظام الذي يُؤسس للجهل لأنه يقترح برامج تعليمية لا تفتح فصولا للمعرفة أو البحت - نظام تلقيني لا أكتر .
بالإضافة للنقد الذي وجهه أركون للعقل الإسلامي، فهو أيضا أحد أبرز من وقف في وجه المنهج الفللوجي للمستشرقين، ورُؤيتهم غير المتوازنة للتاريخ الإسلامي، مُتّهما أحيانا هذا المنهج بصدم الوعي الإيماني للعرب بشكل مجاني، وذلك بفضل استنتاجاته التي تظل هشة وقافزة عن مرابط التحليل الذي عملت عليها، نظرا لتملكها من طرف طرح جاهز ومسبق عن الأخر.
أما التراث الإسلامي فمند انبثاقه في لحظات التأسيس الأولى لم يعالج ضمن إطار التحليل والفهم النقدي، والذي من شأنه أن يزيح اللثام عن المنشأ التاريخي للوعي الإسلامي وتشكيل بنيته، كما يرى أركون أن النص الديني تتخذه التيارات الإيديولوجية كذريعة للهيمنة على بقية المجتمع، إلى أن صار هذا المجتمع إلى جانب ارتكازه على القيم المعرفية والمسلمات الكلاسيكية للقرون الوسطى، يخلط بين الأسطوري والتاريخي تم يقوم بعملية تكريس دوغمائية للقيم الأخلاقية والدينية لتقوية المؤمن على غير المؤمن، والمسلم على غير المسلم، إلى جانب التركيز على تقديس تأويلات النص الديني حيت تصير من مرجع اجتهادي لمسائل مختلف عليها، إلى مذاهب فقهية يتم التخندق داخلها ومهاجمة من يخالفها، ناهيك على أن المعضلة الضخمة للتفاعل المتبادل بين الإسلام كظاهرة دينية وبين كل المستويات الأخرى للوجود الإنساني (اقتصاد- سياسة – علاقات اجتماعية ) لم تُدرَس لحد الآن، إلا بطريقة استثنائية وسريعة هذه هي الصعوبات التي يصطدم بها كل عمل نقدي وتنويري أمام " اشكالية العقل الإسلامي ".
يرى محمد أركون أن تجربة الأنسنة في فرنسا مثلا خاضت شوطا كبيرا دون أن تصل لمرحلة الرفض الجدري، والبعد الكلي للدين فالمؤسسة الدينية حاضرة ولها دورها في المجتمع، وهذا باعِث أساس. فكثيرون ينظرون إلى الأنسنة على أنها محو قطعي للفاعل الديني، فالأنسة ممارسة تسليط نور العقل على كامل الموضوع المدروس، لا عقيدة أو أيديولوجيا تُمارس نشاطها ضد أو مع، وإنما منهج وطريقة للبحث والتقصي المنطقي الذي يفضي إلى معرفة الواقع بشكل مطابق وصحيح، وهو ما يفترض تجاوز كل خصوصية ثقافية أو تاريخية لأي غرض هو موضوع دراسة، وعندنا هنا العقل الإسلامي الذي حاول محمد أركون العمل عليه، معتمدا على التفكيكية كأداة منهجية ضرورية قبل الإنخراط في أي تفسير من أجل بلورة نتاج معرفي يمكن البناء عليه، كإنتقال من مرحلة نقد هذا الفكر إلى إعادة بنائه/ هذا الطرح الذي يعرف مقاومة عنيفة من داخل المؤسسات التقليدية، التي ترى في كل دعوة إلى العقلنة والتحرر تهديدا مباشرا لسُلطتها، والأدهى من هذا، أن كثير من المثقفين يُعلُون من مساحة صمتهم اتجاه هذا المنهج، خوفا على صورتهم فكل مناداة نحو الأنسنة هي في الأساس صدمة للخطاب الذي تعرفه المنطقة العربية، والتي ترى في فكرها تكاملا مُعجزا يستحيل أن يحتاج لأي نقد.
اذكر أنه في حفل تأبين المفكر محمد أركون الذي نظمناه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك بالدارالبيضاء - تحت ارتياب فصائل إسلامية ممثلة في الكلية - كان المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز يُصرح لقد كان محمد أركون شجاعا .. لقد قال مالم يستطع أن يقوله كثيرون ..محمد أركون كان أشجَعنا.
محمد أركون الذي كان حريصا على الالتزام بالمعرفة العلمية والالتزام بنتائجها مهما يكن الثمن الأيديولوجي، معتبرا أن هذا هو الطريق الأكيد لأي مجتمع يريد أن يكون فاعلا، ويملك أدوات حاضره وزمام أمره ويبحت عن مستقبله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب