الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوهابية فى مصر من محمد على إلى حسنى مبارك [ الحلقة التاسعة والعشرون ] ( السادات والوهابية

محمود جابر

2014 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


الفصـــل الخامــــــــــس

الوهابيـــــة و الســــادات

(خطة إضعـــــــاف مصرى)1971-1981م

عقب وفاة الرئيس عبد الناصر المفاجئة، خلفه نائبه أنور السادات فى الرئاسة، تبدو العلاقات بين الرئيس الراحل أنور السادات والملك فيصل غامضة، فالسادات فى مذكراته يشير إلى صداقته بالملك فيصل منذ كان الأخير وليا لعهد المملكة السعودية وكان السادات يعمل سكرتير للمؤتمر الإسلامي ويقول السادات أنه ظل صديقا للملك فيصل برغم حرب اليمن التي كانت مصر والسعودية خلالها فى معسكرين متصارعين، وكان السادات هو المسئول السياسي من الجانب المصري عن الثورة اليمنية، كما ربطت صداقة وثيقة بين السادات وكمال أدهم مستشار الملك فيصل ومدير المخابرات السعودية وهمزة الوصل بين المخابرات السعودية والمخابرات المركزية الأمريكية وتوثقت هذه الصداقات خلال حرب اليمن .
وهو أمر يثير الشكوك خاصة بعد أن نشرت جريدة ( الواشنطن بوست ) فى عددها الصادر فى 24 فبراير 1977 وعلى صدر صفحتها الأولى خبر يقول ( أن كمال أدهم كان طوال الستينات يمد السادات بدخل ثابت )، ولم يصدر عن الرئيس الراحل السادات أي تكذيب لهذا الخبر، في 20 ديسمبر 1969 أصدر الرئيس عبد الناصر قراره بتعيين السادات نائبا له، عقب زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز الذي حضر إلى القاهرة زائرا لجمال عبد الناصر في بيته بمنشية البكري ،وأثناء هذه الزيارة تساءل الملك فيصل بالحرف الواحد يقول: " لم أر الأخ أنور السادات بجانبكم هذه المرة يا سيادة الرئيس، هل في الخواطر شئ؟".
فأمر الرئيس جمال عبد الناصر سائقه بالذهاب لإحضار أنور السادات في سيارة جمال…
وأثناء ذهاب السائق قال فيصل: "لي طلب آخر يا فخامة الرئيس" قال الرئيس جمال: "حاضر".. فقال فيصل: "إنني لا أريد أن أتدخل بينك وبين أنور السادات فأنت وأنور أقرب لبعضكما مني لكن كل ما أريد أن أبديه ما هو إلاّ من باب النصح الأخوي، الذي نص عليه الدين!.
لأقول: أن السادات الشخص الوحيد الذي بقي معك في طريقك حتّى الآن من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وهو أقرب لك من أي قريب.
ولا أخفيك، ولعلك تعرف هذا أنه يعزك كثيرا وكل ما نرجوه يا سيادة الرئيس أن لا يفرق بينك وبينه أحد مبغض أو من ذوي الأغراض وهو بقدر ما هو مخلص لك، فإن للسادات علاقات طيبة معنا ومع الجميع، ولكي تسير أمورك وأمورنا على ما يرام لابد من وجود شخص موضع ثقة منك وله علاقات حسنة مع الجميع مثل أنور السادات ليقف إلى جانبك، وبالقرب منك…
وأقول لك بصراحة: إننا لكي نعترف بجمهورية اليمن لا بد أن يكون السادات نائبك الأول، فهو صديقنا القديم وأنت تعرف هذا ووجوده ضمانة لنا".. الخ.. ولكون مصر كانت تخسر يوميا في اليمن مالا يقل عن عشرة ملايين جنيه إضافة إلى كونها فقدت /1600 مصري، تقريبا بسبب نجدتها لثورة اليمن التي تحاربها السعودية، وجد أن جمال ـ أن ما يطلبه فيصل من تعيين السادات نائبا له شئ أرخص من هذه المبالغ والأرواح المهدرة وأنه مقابل اعتراف السعودية باليمن سيخفف عنه هذا الحمل الثقيل وأنه سيبعد السادات في أي وقت مناسب!.
وإرضاء فيصل.. أعلن جمال عبد الناصر قرارا المفاجئ بتعيين السادات كنائب أول لرئيس الجمهورية، وذلك قبيل سفره إلى الرباط بلحظات واطمأن فيصل وسافر إلى الرباط.. وما ذلك إلاّ محاولة " تكتيكية" من جمال لكسب ود فيصل.
حتى أن جمال عبد الناصر كان في مؤتمر الرباط يهمس لمعمر القذافي، بأن يسكت إذا ثار في وجه فيصل عميد الرجعية… بينما سبق لجمال أن قال في خطاب عام في عيد الثورة 1962 (إن جزمة جندي مصري يقاتل الرجعية السعودية في اليمن أطهر من عقال الملك فيصل المذهب) وقال: (سأحارب الرجعية في أحضان الاستعمار وأحارب الاستعمار في أحضان الرجعية) وقال: (إن الرجعية السعودية أخطر من الاستعمار)..
لكنه بعد ذلك هادن الرجعية السعودية، وعلى أساس تلك المهادنة القاتلة، استمر جمال "يخادع" السعودية بتعيينه للسادات، بينما السعودية والمخابرات الأمريكية منتبهة تعد العدة لاغتيال الرئيس ليحل عميلهم الذي عينوه نائبه..
إن عبد الناصر ـ كأي بطل، بل كأي واحد من سائر الناس ـ لم يفكر بالموت السريع وهو في منتصف شبابه.. علما أن عبد الناصر مع استعداده لقتال إسرائيل يدرك أنه لن تسقط إسرائيل قبل أن تسقط الرجعية السعودية وتوابعها ولن ترحل أمريكا من المنطقة قبل أن ترحل السعودية، وكان حذرا من "تمسكن" السعودية، وكان يقول كلما "تمسكنت" السعودية كانت تعد للمؤامرة، ولقد أدرك هذا من تجاربه الكثيرة معها، من تآمر السعودية عليه وعلى الوحدة وثورة اليمن…
ويعلق السادات على تعيينه المفاجئ كنائب لعبد الناصر فيكتب في العدد 29 من مجلة "أكتوبر" الصادر في 15/5/1977 وفي الصفحة 9 بعنوان: "البحث عن بداية" فيقول: "هناك من يرى أن بداية الثورة في نفسي، أو الثورة على شخصي، قد بدأت عندما اختارني جمال عبد الناصر النائب الوحيد لرئيس الجمهورية قبل سفره بلحظات إلى مؤتمر القمة في الرباط سنة 1969.
ونشرت الصحف ذلك وسافر جمال عبد الناصر… يومها قد أثار هذا الاختيار حقد الكثيرين وكانت بداية لتفجير حقد مراكز القوى بينها وبيني، وكان للمرحوم فيصل مواقفه التي لا تنسى)!.. الخ
ويلاحظ أن السادات في مقالة الأنف الذكر يعترف علانية ببدء نهاية جمال عبد الناصر حينما اختاره نائبا له، بما يسميه السادات (بداية الثورة عندما اختارني جمال عبد الناصر كنائب وحيد لرئيس الجمهورية قبل سفره بلحظات إلى مؤتمر للقمة في الرباط سنة 1969 !.

ما معني بدايــة الثــــورة!!

لقد فوجئ كل من حول جمال عبد الناصر بهذا الاختيار ـ فعلا ـ الذي أحال السادات من ـ جاسوس ـ يعرفه جمال ـ ومن مبعد وغير مرغوب فيه ومرتشي وسمسار وعميل للسعودية والمخابرات الأمريكية ومهووس في تلقي الهدايا وعائلته من أمراء السعودية وشيوخ قطر والخليج ـ إلى.. إلى نائب ـ أوحد ـ لرئيس الجمهورية جمال عبد الناصر!..
هل انتهى الرجال في مصر؟! هل ماتت الثورة ورجالها؟! لكن في ذلك رغبة للسعودية، أراد بتنفيذها التخلص من ورطة مصر في اليمن، ولقد عشت الثورة اليمنية، وكان لنا مقر وإذاعة ومركز تدريب، وأعلنا "جمهورية الجزيرة العربية " من اليمن وبدأنا العمليات في الجزيرة، واختلطنا مع اليمنيين كثيرا، وكان العديد منهم مع الأسف يكرهون الجيش المصري الذي جاء لإنقاذهم، لكن لهم الحق في ذلك لان هذا الجيش قد أوكل أمره للمشير عامر وأتباعه وللسادات وأتباعه، وهكذا انقلبت الآية ضد عبد الناصر العظيم .
وبعد 3 شهور من إصابته بالنوبة القلبية الأولى فى سبتمبر 1969، حتى الآن يبدو سر هذا القرار بتصعيد السادات غير مفهوم على الإطلاق، فهل كان للملك فيصل دور فى قرار الرئيس عبد الناصر ؟ ! ، بمراجعة مذكرات الرئيس السادات نجد أن السادات يقول أنه عرف أن الملك فيصل قال ( إذا أراد الله بمصر خيرا يحكمها السادات )، بالطبع كان الملك فيصل يقصد الخير لمصر ولكن من وجهة نظر أل سعود ومصالحهم، فى نوفمبر 1970 يزور كمال أدهم مصر ويلتقي الرئيس السادات وينقل له نصائح الملك فيصل بضرورة خروج السوفيت من الصراع فى الشرق الأوسط لكي يدخل الأمريكيون من أجل حل للمشكلة القائمة.
كما طلب الملك من الرئيس السادات أن يفتح صفحة جديدة مع جماعة الإخوان المسلمين ويقابل وفد من قادتها الذين كانوا يعيشون فى السعودية عقب صراعهم مع الرئيس عبد الناصر، وأن ينسق معهم سياسيا وإعلاميا لتصفية الاتجاهات والأفكار الناصرية واليسارية على الساحة السياسية المصرية.
من خلال الوثائق والإحداث نستطيع أن نقول بأن السادات وصل إلى سدة حكم مصر بترتيبات أمريكية سعودية، بدأت منذ أن كان انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين، والخدمات التي قدمها للإنجليز على حساب الألمان، ثم حين جعله "سعود" أمين سر رابطة العالم الاسلامى، ومن ثم ارتبط بعلاقة غير طبيعية مع كمال أدهم مستشار الملك فيصل والمشرف على المخابرات السعودية، وكيف استطاع فيصل أن يساوم جمال عبد الناصر فى قضية اليمن نظير تعينه للسادات نائبا، ثم اتفاق السادات مع فيصل والمخابرات الأمريكية وأطراف عديدة أخرى من أجل تنفيذ خطة اغتيال ناصر بسم "الاكونتين"، وما لبس أن أصبح السادات رئيسا لمصر، عقب انقلاب مايو 1971 والذي أطاح فيه الرئيس السادات بكل شركائه فى الحكم من رجال عبد الناصر، و ألقى بهم فى السجون، ولتخفيف شكوك السوفيت فى نواياه خاصة بعد تخلصه من كل القيادات الناصرية فى السلطة، وبدأت الخطة السعودية الوهابية في التنفيذ،ففى مطلع عام 1971حدث شيء لم تكن له سابقة في تاريخ الأزهر – تلك المؤسسة العريقة التي شاركت في عصر ازدهارها بدور كبير في حركة التحرر الوطني, ففى تلك السنة عقد الملك فيصل ملكة المملكة العربية السعودية ما يكاد أن يكون اتفاقية مع شيخ الأزهر الشريف الأسبق الشيخ " عبد الحليم محمود ". وفى الاتصالات التي سبقت الاتفاق، فإن الملك فيصل عرض على مشيخة الأزهر اعتمادات مالية ومساعدات تصل إلى مائة مليون دولار لكي يتولى الشيخ قيادة حملة دعوة ضد"الشيوعية والإلحاد" ( دفع الملك فيصل بالفعل جزءا من هذا المبلغ – 40 مليون دولار طبقا لبعض التقارير [والأمر هنا لم يتوقف عن شيخ الأزهر] ولكن رئيس الوزراء في ذلك الوقت السيد " ممدوح سالم" وجد أن الدولة تشتد حاجتها إلى النقد الأجنبي، وهكذا حول هذا المبلغ إلى الخزينة ثم قدم لشيخ الأزهر بدله نقدا مصريا للصرف على ما يراه من أغراض الدعوة). واندفع الشيخ إلى برنامج إعلامي كبير " .
فهذا البرنامج كان الإطلالة الأولى للوهابية لإحداث تغيرات في موازين القوى المحلية، وإبراز اليسار أو الشيوعية أو الماركسية مرادفان للإلحاد، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه"الماكرسية الوهابية" العجيب أن الأمر لم يتوقف على إفساد الأزهر، فقد تصادف هذا العطاء – الرشوة – حاجة النظام الحاكم للنقد الأجنبي فأصبح النظام نفسه حريص على تطبيق هذا البرنامج أملا في الحصول على النقد الأجنبي لسد حاجته، وبذلك أصبحت الأبواب مشرعة أمام الوهابية.
لم يكن ذلك هو الطريق الوحيد الذي اتبعته الوهابية لحظة الانقضاض على مصر، وإنما ذهبت إلى أبعد من ذلك حين قامت الوهابية متمثلة في فيصل ملك المملكة السعودية – الذي يرى السادات أنه اتقى من أبى بكر وأعدل من عمر وأمضى من خالد بن الوليد – حين قام برعاية المصالحة التاريخية بين السلطة المصرية متمثلة في السادات وبين الإخوان المسلمين، وكان الإخوان في ذلك الحين موزعين بين عدة مجموعات. كانت هناك أولا تلك القلة التي ظلت على اعتقادها بأن العنف والإرهاب هما افعل الوسائل لتحقيق أهدافهم، ولكن معظم هؤلاء كانوا لا يزالون إما في السجون أو مختفين تحت الأرض، وكانت هناك مجموعة ثانية، هم هؤلاء الذين غادروا مصر هربا إلى الخارج، وكان كثيرون من هؤلاء جمعوا ثروات طائلة خلال عقد الستينيات حيث عمل أغلبهم في العربية السعودية ككوادر مدربة فى تسيير رابطة العالم الإسلامي. كمدرسين في جامعات السعودية، وعلماء وأئمة مساجد، وفى وزارة التربية والتعليم وفى المال والأعمال...
وأخيرا كانت هناك مجموعة من الذين آثروا البقاء في مصر وحاولوا قدر ما يستطيعون أن يواصلوا الدعوة في ظل الظروف القائمة مهما تكن صعوبتها.

وفى صيف 1971 نجح فيصل في ترتيب اجتماعا بين السادات وبين مجموعة الإخوان الذين ذهبوا إلى الخارج، وبالفعل فقد عقد اجتماعا في" جانكليس" في إطار من السرية المطلقة، حضره بعض زعماء الإخوان فى الخارج بعد أن حصلوا على ضمان بتأمين دخولهم إلى مصر وخروجهم منها، والتقوا هناك بالرئيس السادات الذي قال أنه يواجه المشاكل من نفس العناصر التي قاسوا منها، ثم إنه يشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد والشيوعية، وقد تركه له "ناصر" تركة ثقيلة، ومن هنا جرى الاتفاق على العمل سويا.
ومن الخطأ المقصود والذي تعمده السادات وأجهزته أن يشيع بين الجميع أن تصرفاته وليدة انفعالاته، ولم يكن ذلك صحيح في المطلق، ولقد أظهرت لنا سياق الحوادث أن السادات كان يتلقى النصائح والإرشادات دائما من السعوديين ومن الأمريكان.
ومنذ لقاء " جناكليس" وانسحاب الخبراء الروس1972، وما عُرف بسياسة الانفتاح وما ترتب عليها من انسحاب الدولة من عدد من القطاعات الاقتصادية المهمة، ليملأ فراغها طبقة تكوّنت من رجال المال والأعمال الذين كانوا أهم نجوم حقبة السبعينيات. وكان لطيور الإخوان المهاجرة ورجال أعمالهم من ذلك نصيب وافر، فسريعاً ستجذب سياسات الانفتاح رأس المال الإخواني في المهجر ليستثمر في عدد من المجالات، كان يميزها أنها، أولاً، تملأ فراغ انسحاب الدولة، وثانياً تلبي احتياجات الطلب الاستهلاكي الكبير الذي عرفته مصر في عهد السادات.
تركزت الاستثمارات الإخوانية والوهابية عموماً في مجالات عدة، كانت الدولة تعاني عجزاً فيها، وبحاجة لتدخل القطاع الخاص، كما هي الحال في قطاع الإسكان الذي كان يعاني أزمة كبيرة قصر فيها العرض عن تلبية الطلب المتزايد بفعل الكثافة السكانية التي قاربت القفزة، وقطاع الصحة حيث لم يكن للدولة وقتها بنية تحتية قوية من المستشفيات والمؤسسات الطبية، وقطاع التعليم الذي بدأت تنهار منظومته الرسمية حتى كادت تعجز عن توفير القدر المعقول من الجودة، وقطاع النقل والمواصلات وكان على وشك الانهيار، وكذلك السلع الغذائية التي شهدت نقصاً كبيراً وهي كل القطاعات الخدمية والاستهلاكية التي تأثرت بالانفجار السكاني وبالانسحاب السريع للدولة.
وخلال العديد من اللقاءات التي جرت بين السادات وفيصل و كمال أدهم كان السادات يصارحهم باستعداده لطرد السوفيت إذا ساعدته الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق مرحلة أولى من الانسحاب، عقد الرئيس السادات معاهدة صداقة مع الإتحاد السوفيتي، أثناء ذلك كان الملك فيصل فى زيارة للولايات المتحدة أخبر الملك فيصل المسئولين الأمريكيين أن المعاهدة مجرد مناورة لجأ لها السادات ولا تعنى شيئا، كما قرر الملك أثناء عودته من الولايات المتحدة زيارة مصر ولقاء الرئيس السادات وفى اللقاء ركز الملك على نفس النقطة عزوف الأمريكيين عن التدخل وحل القضية طالما بقى السوفيت فى مصر، وفى شهر يونيو 1972 زار وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ومعه كمال أدهم القاهرة، وأثاروا مع الرئيس السادات من جديد موضوع الخبراء السوفيت الذي يعيق الأمريكيين عن التدخل لحل القضية، وطلب السعوديون من السادات أن يخبرهم بقراره بخصوص السوفيت قبل اتخاذه لكي يستطيعوا مساومة الأمريكان به، ولكن السادات منفردا وبدون التشاور مع أحد غير الفريق صادق وزير الحربية المصري وقتها، أتخذ قراره بالاستغناء عن خدمات الخبراء السوفيت فى مصر، ولحرص الرئيس السادات على سرية قراره ورغبته فى إحداث اكبر تأثير فأنه فاجأ الجميع بالقرار، وهو يتصور أن الأمريكيين سوف يكونوا سعداء، إلى درجة تدفعهم إلى الاستجابة لأي شئ يطلبه، ولكن هذا لم يحدث، كان تعليق الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف على قرار السادات (لقد أعطى السادات للأمريكيين أقصى ما يحلمون به، ولكن للأسف دون ثمن مقابل)، ويقول هنرى كيسنجر فى مذكراته (لماذا لم يقل لنا السادات ما كان ينوى فعله ؟ ربما لو أبلغنا مسبقا لكنا قدمنا له شيئا فى المقابل ؟ فى السياسة كما فى كل شئ أخر، فأن لا أحد مستعد لدفع ثمن لشئ حصل عليه بالفعل)، الغريب أن الدكتور محمود فوزي وزير خارجية مصر ورئيس وزرائها الأسبق يروى فى مذكراته أنه كان هناك عرض قدمه الأمريكيون للرئيس عبد الناصر يتضمن انسحاب إسرائيل من سيناء وتوقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل تضمن حياد مصر مقابل قيام الرئيس عبد الناصر بطرد الخبراء السوفيت، ولكن عبد الناصر رفض لإصراره على تحرير كافة الأراضي العربية التي أحتلت فى حرب يونيو 1967، استجاب الرئيس السادات لنصيحة الملك فيصل وطرد الخبراء السوفيت ولكنه لم يحصل على المقابل الذي توقعه لإصراره على فردية قراره ورغبته فى الحصول على السبق الإعلامي.
بعد قرار الرئيس السادات قام الملك فيصل بإصدار العديد من التصريحات وإرسال الرسائل إلى الإدارة الأمريكية وشركات البترول الأمريكية للبحث عن حل سلمى لعودة الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ولكن دون جدوى، وواصل الملك فيصل دعمه للسادات ولم يكن وحده الداعم بل شاركه معظم الزعماء العرب (الرئيس معمرالقذافى، والرئيس هوارى بومدين، والرئيس أحمد حسن البكر) حيث دعموا مصر وقواتها المسلحة اقتصاديا وعسكريا بعدما أدرك الجميع أن الحرب هى السبيل الوحيد للبحث عن حل للصراع العربي الإسرائيلي، وأخيرا بعد طول انتظار، أتخذ الرئيس السادات قرار الحرب، وفى ظهيرة يوم السبت 6 أكتوبر 1973، بدأت الحرب الخامسة بين العرب وإسرائيل ، واستطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية تحقيق انتصارات واضحة على جبهتي القتال، وبالذات على الجبهة المصرية التي شهدت عملية العبور العظيم، ولكن بعد قرار السادات بالوقفة التعبوية الذي أتاح لإسرائيل فرصة الإنفراد بالجبهة السورية، ثم قراره المتأخر بتطوير الهجوم نحو المضايق وحدوث ثغرة الدفرسوار،بدأت الأمور تتأزم على الجبهات العربية واستعادت إسرائيل زمام المبادأة خاصة مع الدعم العسكري الأمريكي لنجدتها من كارثة الأيام الأولى للمعركة، فى يوم 17 أكتوبر وعقب طلب الرئيس السادات من الملك فيصل أن يستخدم سلاح البترول فى المعركة، أجتمع وزراء البترول العرب (الأوابك) فى الكويت وقرروا التالي:
1- تقرر تخفيض الإنتاج الكلى العربي بنسبة 5 % فورا.
2- تقرر تخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967.
ثم قررت ست دول بترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة، كما أستدعى الملك فيصل السفير الأمريكي فى السعودية وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوى على ثلاث نقاط:
1- إذا استمرت الولايات المتحدة فى مساندة إسرائيل، فإن العلاقات السعودية الأمريكية قد تتعرض للمشاكل
2- أن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10 % وليس فقط 5 % كما قرر وزراء البترول العرب.
3- ألمح الملك إلى احتمال وقف شحن البترول السعودي إلى الولايات المتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة.
أعتبر كيسنجر هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولايات المتحدة كقائدة للعالم، كما أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق فى استخدام البترول كسلاح، وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يعكس نزعتهم إلى محاولة السيطرة على الغرب، ولأن منتجي البترول ولأول مرة فى التاريخ أعطوا أنفسهم حق تحديد سعر البترول، وفى يوم 20 أكتوبر أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و 100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، وفى نفس اليوم أعلنت الدول العربية حظر تصدير بترولي كامل على الولايات المتحدة الأمريكية، هذه هي وجهة النظر السائدة لقرار استخدام سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973، ولكن هناك وجهة نظر أخرى تم التعتيم عليها بخصوص استخدام سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973 تثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المستفيد الأكبر من قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول، حيث تخبرنا الأرقام أن نصيب العرب مجتمعون من فوائض البترول عام 1974 وعقب قرارات الخفض الانتاجى ورفع الأسعار بلغت 60 مليار دولار، أما شركات البترول ومعظمها أمريكية فبالإضافة إلى أرباحها من أرتفاع الأسعار لخام البترول، حصلت من عملياتها البترولية الأخرى (التكرير والتسويق) على 7 دولارات صافى ربح مقابل كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للبترول، أنعشت قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول الاقتصاد الأمريكي عبر الودائع والاستثمارات العربية الهائلة فى البنوك والشركات الأمريكية، فقبل حرب أكتوبر 1973 كانت الولايات المتحدة تواجه عجز فى ميزان مدفوعاتها، الذي تحسن ابتداء من عام 1974 بفضل الارتفاع الصاروخي لأسعار البترول، كانت أوروبا واليابان أكثر المتضررين من قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول، تم التخفيض والحظر البترولي متأخرا جدا بعد 11يوم من بدء المعركة وعقب تأزم الموقف على جبهات القتال العربية، لم يميز قرار خفض الإنتاج بين الدول العدوة والدول الصديقة للعرب، ركز الرئيس السادات متعمدا على دور الملك فيصل فى دعم مصر، وتجاهل أدوار أخرى لا تقل أهمية عن دوره إن لم تزيد كدور الاتحاد السوفيتي وهو أهم دور فبدون مساندته ودعمه وأسلحته ما حارب العرب من الأساس، كما تم تشويه دور الرئيس الليبي معمر القذافى لكراهية السادات غير المبررة له، والتقليل من دور الرئيس الجزائري الشهيد هوارى بومدين، والرئيس العراقي أحمد حسن البكر، رغم أن هناك قوات مسلحة من الجزائر والعراق شاركتا فى الحرب نفسها، بخلاف دعمهما المالي لدول المواجهة، تجاهل السادات كل هؤلاء وركز على دور الملك فيصل فقط، صرح الملك فيصل عندما تم اتخاذ قرار الحظر البترولى الشامل على الولايات المتحدة أن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وهو ما لم يحدث حيث تم رفع الحظر عقب اتفاق فك الاشتباك الأول.


رابط الحلقة الثامنة والعشرون :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=415295








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة