الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد إعادة الإنتشار في غزة ...؟

إعتراف الريماوي

2005 / 8 / 19
القضية الفلسطينية


لا شك أن إقدام قوات الإحتلال الإسرائيلي ، على إعادة ألإنتشار في غزة وخاصة تفكيكها للمستوطنات هناك ، يشكل حدثا تاريخيا من حيث الأسباب والمضمون والنتائج المستقبلية لهذه الخطوة . ويمكن لهذه الخطوة أن تعطي معان مختلفة ، ولا تنفصل عن الرؤيا المستقبلية للصراع المستمر ، فالكيان المحتل يعد لها إسثمارا آخرا ويضعها بداية لتحولات واقعية يرغب بفرضها ، ونحن ، الفلسطينيين أيضا لا بد لنا من إلتقاط هذه الخطوة والبناء عليها بما يخدم مشروعنا التحرري ، والمتناقض مع ما يرسم إليه الكيان المحتل .

تفكيك المستوطنات الجاثمة على قطاع غزة ، بحد ذاته يعد صدمة للأيديولوجيا والذهنية الصهيونية بالمعنى الفردي والجمعي ، فهذا الكيان القائم على الكولونيالية والإستيطان ، والذي جمّع ومازال ، يهود العالم ليكون مادة كيانه الإستيطاني ، وما يرافق ذلك من تربية وتنشئة عنصرية ودعم غير محدود ، هذا الكيان ، يجد نفسه متراجعا بحكم حالة المقاومة والصمود التي جسدها الشعب الفلسطيني على مر عقود من النضال المتواصل ، ولكن هذا الكيان لم يعتبر بعد من دروس التاريخ ، ولم يكن تراجعه من باب إقراره بخطيئته وجريمته التاريخية بحق الأرض والإنسان الفلسطيني ، وإنما جاء نتيجة لفشله في فرض منطق القوة والقمع ، وإدراكه لحالة الإستنزاف التي يعيشها بحكم إستمرار الإحتلال ، ولذا فرض على العدو التراجع خطوة قسرية للوراء ، وبنفس الذهنية الكولينيالية ، وبطريقة إستخدامية لهذا التراجع ، نرى ونسمع ونلمس مخططات هذا الكيان ، لتوسيع وتضخيم الإستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس . فشارون يرغب ، ومن ورائه كافة أركان حكومته ، إستثمار تفكيك المستوطنات في قطاع غزة ، لتعويضها بالضفة ، حيث لاحظنا تصريحات شارون وموفاز ، بالأيام القليلة الماضية وهي تتحدث عن الإستيطان والإحتفاظ بعدد من المستوطنات في الضفة الغربية مهما كانت طبيعة " الحل الدائم " . والأدهى من ذلك أن شارون وأركانه عملوا ومازالوا ، محاولة منهم لتحقيق شرعية دولية وخاصة أمريكية لخطاهم مستقبلا ، فقد تمادوا في البكاء على حالة المستوطنين ، وصوروها تنازلا مؤلما وثمنا باهظا يتطلب التقدير والتعاطف والتعويض !! ، متناسين ومتجاهلين ، أنها لم ترق هذه الخطوة القسرية ، إلى مستوى الإنسحاب الفعلي من أكثر من 1% من مساحة فلسطين التي إستوطنوها وشردوا شعبها ومارسوا بحقه أبشع الجرائم وأنواعها ، بل تمضي المخططات الصهيونية ، وتطمح على ما يبدوا لجعل قضية الحدود والمعابر البرية والبحرية والجوية ، والتواصل الجغرافي بين غزة والضفة والعالم ، على انها من القضايا التفاوضية الصعبة ، لتكن قضايا الإنسحاب الفعلي من غزة حاليا ، والضفة لاحقا بما فيها القدس ، وقضية الأسرى واللاجئيين والإستقلال الفعلي والدولة ذات السيادة الكاملة ، ضربا من المستحيل !! هذه هي ذهنية ومخططات العدو ، التي تستخدم التجميل والغلافات البرّاقة محاولة التستر على جوهرها الكولينيالي ، و تهدف بذات الوقت وبموازاته ، لتلقي الدعم العالمي ، والضغط على العرب للتطبيع ، وفرض ذاتها كقوة أولى ، وكيان طبيعي في " الشرق الأوسط الكبير " .

بناء على هذا ، ما هي كيفية تفاعل هذه "الخطو القسرية" فلسطينيا ؟ كيف يجب فهمها والتعامل معها من أجل المستقبل ؟ نعم ، فهذه الخطوة التي فرضت على العدو لا بد من أن تلقى ترجمة فعلية للبناء عليها ، وأن تكون نقطة تتواصل مع أهداف المشروع الوطني الفلسطيني ، وان تستلهم دروسها جيدا ، فحقيقةً أن هذه الخطوة قد جاءت نتاج تواصل الصمود والمقاومة الفلسطينية على مدار سني النضال الفلسطيني الطويل ، ولا بد من ترسيخ ذلك في وعينا وأدبياتنا أولا وقبل كل شيء ، فهذا العدو ، لا يمنح هبات ولا عطايا ، وإنما وجد لا مناص له بغير ذلك ، كما أن مفاوضة هذا العدو لم تنجز شيئا سوى المزيد من إعطائه الفرصة وتجميل صورته أمام العالم ، فالخطوة القسرية هذه لم تأت من خلال المفاوضات ، بل على العكس من ذلك ، فقد تزايد الإستيطان بالضفة وغزة ما بعد إتفاق أوسلو ، وعندما وجد العدو نفسه تحت وطأة إستمرار المقاومة بإندلاع الإنتفاضة الثانية و دون غطاء تفاوضي شكلي ، كانت هذه الخطوة قسرية لا بد منها . فطالما بقي الإحتلال بأي شكل من الأشكال على أرضنا ، لا بد من مواصلة المقاومة وتعزيزها بالأشكال المختلفة .

لا بد أيضا من الإصرار فلسطينيا ، على تحويل هذه الخطوة القسرية التي إستجاب إليها الكيان المحتل ، إلى إنسحاب فعلي وحقيقي من قطاع غزة ، حيث أن ما تم ويجري ، مع أهميته ، إلا أنه لا يغدو أكثر من إعادة إنتشار لقوات الإحتلال ، ولا بد من تطويره لإنسحاب فعلي ، بالسيطرة على الحدود والمعابر والميناء والتحكم الفلسطيني الكامل بالحركة من وإلى قطاع غزة ... الخ ، وتحقيق التواصل الجغرافي الطبيعي ما بين القطاع و الضفة الغربية . وبغير هذا تبقى غزة محاصرة ومحتلة ، وتستدعي من الجميع التوحد والنضال لتحريرها .

حالة التقهقر الإستيطاني في غزة ، وما رافقها من صدمة معنوية للمستوطنين وقادتهم في الكيان المحتل ، لا بد من إستثمارها فلسطينيا ، والتركيز على عدم مشروعية الإستيطان ، وعدم قبول ما يسميه الكيان ب " الوقائع المتغيرة على الأرض " ، فشارون سابقا كان يقول عن أمن مستوطناته في غزة هو نفسه الأمن المطلوب ل " تل أبيب " ، واليوم يخرج من غزة بفعل الصمود والمقاومة ، وهذا يجب أن ينسحب على باقي الضفة الغربية ، التي يعد شارون نفسه لإفتراسها ، فالتواصل بذهنية المقدرة الفلسطينية على تركيم وتحقيق الإنجازات على الأرض وتعزيز هذا المنطق ، ودعمه سياسيا وإعلاميا ، مرفودا بالمقاومة والصمود الفلسطيني ، هو الرد الوحيد على مخططات شارون وأيديولوجيته الإقتلاعية الإستيطانية ، بل هي الرد الذي سيكفل إنسحابه وغيره غدا من " أرائيل ومعالي أدوميم وعتصيون ... الخ " وغيرها في الضفة كما إنسحب من "كفارداروم وكيسوفيم ونفيه دي كاليم ...الخ " وغيرها من القطاع . فهذا المنطق الذي سيكفل تحويل الخطوة القسرية في غزة حاليا ، إلى مستقبل ينساق على كل الأرض الفلسطينية المحتلة ، وسنشهد شارون وغيره ، يحملون مستوطنيهم ويرحلون.

ولإلتقاط هذا الفهم وتحويله ممارسة فعلية فلسطينية بإتجاه الدفع نحو التحرير الكامل ، لا بد من صيانة الحياة الداخلية الفلسطينية ومقوماتها بإختلاف تشكيلاتها ، التي تشكل الحامل الفعلي للمشروع الوطني ، بمعنى الإستفادة من حالة التعدد السياسي والفكري الداخلي ، وخلق القواسم المشتركة والموحدة لكافة القوى والفعاليات السياسية والإجتماعية ، وان تكون ناظما لعمل الجميع كحد أدنى ، والخروج من دائرة التنافس الفئوي والآني ، في سبيل الهدف الأكبر.
ولتحقيق ذلك ، وترسيم هذه العلاقة من حالة التعايش الداخلي الفلسطيني ، لا بد من إجراء الإنتخابات التشريعية الفلسطينية ، ويليها إعادة بناء وتكوين م . ت . ف بإنتخاب المجلس الوطني لعموم الفلسطينيين ، في الداخل والشتات ، وكذلك إعادة الإعتبار لهيئات المنظمة جميعها . وعلى كافة القوى والأفراد التسليم بمبدأ تداول السلطة سلميا من خلال صندوق الإقتراع ، حيث كل الشعب الفلسطيني يجب ان يقرر برأيه وتعلو إرادته نحو تحقيق أهدافه الوطنية كاملة غير منقوصة ، ولتغدو صورة خروج المستوطنين من غزة ، هي خروجهم جميعا من الضفة بما فيها القدس ، بل من حقنا الحلم والعمل على أن تكون صورة خروجهم هي صورة عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي إقتلعوا منها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية