الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفل بين القبول والرفض والرفض في الاسرة

اسعد الامارة

2005 / 8 / 19
حقوق الاطفال والشبيبة


اذا كانت الرابطة الجنسية بين الرجل والمرأة نجحت في اطار العلاقة الزواجية بانجاب طفل،فأن العلاقة العاطفية نجحت في اطالة مدة هذه الحياة الزوجية ورسخت اواصر اسسها ووطدتها،وناءت بها بعيدا عن المنغصات الحياتية الاخرى ولكن استمرار دافع الابوة والامومة اضفى جانباَ آخر من الاستقرار الى العلاقة الاسرية وهو مما لاشك فيه من مشاركة رجل وامرأة واطفال في مسكن واحد ومأكل واحد مع توزيع الادوار بينهم في الحياة ،مثل دور الابوة بالنسبة للاب والامومة بالنسبة للام والرعاية الصالحة للاطفال لكي ينشأوا تحت رعاية الابوين بدون ازمات،هذه العوامل كلها وسائل ناجحة لاستمرار الحياة العاطفية –الزوجية-الابوية،ويكون القاسم المشترك الاعظم في كل ذلك هو اشباع هذه الحاجات ابتداءاً من الحاجة الى الجنس الى الحاجة الى الحب الى الحاجة الى الفهم والمعرفة ثم الحاجة الى الامن والحاجة الى الانتماء والاستقلال والحاجة الى التفاعل الاجتماعي والحاجة الى الخضوع والحاجة الى التقدير واخيرا الحاجة الى تحقيق الذات..الخ من الحاجات الانسانية التي عندما تشبع تؤدي الى خفض التوتر ومن ثم يحصل اي فرد من افراد هذه الاسرة الصغيرة على الاشباع اللازم ومن خلاله يندمج في السلوك المناسب ومن هنا يمكن القول بأن اشباع الحاجات التي تخفض التوتر ما هي الا حالات او استعدادات لا نلاحظها ولا ندركها مباشرة بل نستنتجها من الاتجاه العام للسلوك الصادر عنها وتصبح موجهاً ومحدداً للسلوك.
اننا نتحدث عن آلية موقف الاسرة(الابوين حصرا)من الطفل في العديد من الاوضاع التي تتراوح بين القبول التام والرفض التام وبين هذين المنحنيين تقف الصحة النفسية كمفهوم محدد لتقييم الموقف بأكمله،ففي حالة القبول التام acceptance للطفل في الاسرة نجد ان حدود العقوبات والتوجيهات التربوية والارشادية ازاء سلوك الطفل غير المنضبط تزداد منذ وقت مبكر وهي تساعد كثيراً في ارساء السلوك الاجتماعي لديهم فضلا عن الجانب النوعي في التربية الموجهه وادوارهم حاضرا ومستقبلا حتى يكاد ينشأ الطفل متكامل من ناحية الاخلاق العامة والسلوك والتعامل ويكون حينئذ دور الاسرة في اكساب الطفل عادات سلوكية غرضية"قصدية"جديدة تهدف جميعها الى اشباع الحاجات لديه الامر الذي يثري الشخصية عند الطفل،وهي تسير به من مرحلة الى اخرى بكل دقة وتحاول ان تجد له المبررات المقنعة في تجاوزها حتى في احيان كثيرة لن تخاف الاسرة من تطور النضج المعرفي لدى الاطفال من الناحية التكوينية(التعرف على الادوار الجنسية في كل مرحلة نمو)ولن تخجلهم من وظائفهم الجسدية ،والامثلة كثيرة في ذلك مثل توفير القناعة الكاملة للولد او البنت في التعرف على وظائفه الجسدية وتخبره عن اخته(الانثى)وتقبلها كجنس مختلف في التكوين الفسلجي لا غير،ولكن تلتقي معه في التفكير والمشاعر ،يتقبلها كما خلقها الله بدون مؤثرات بيئية او ما اضفته الحياة الاجتماعية بكل تعقيداتها من قيود على البنت دون الولد وهنا تساعد الاسرة ابنائها في توجيه غرائزهم وتجعلها في حالة اندماج مع المتطلبات الاخرى الملقاة على عاتقهم،والاسرة بذلك تبعد شبح الانحرافات بانواعها ومنها النرجسية او المازوخية او السادية من حيز وجود شخصية ابنائها ،اذن الاسرة في مثل هذه الممارسات تساعد ابنائها في ترسيخ الصحة النفسية السوية لا نقيضها،اما من الناحية الشرعية الدينية او العقلانية نرى ان وجود الابن الصالح لا يجعل عمل ابن آدم ينقطع بعد وفاته وازاء ذلك نقول ان المناخ العائلي الملئ بالعواطف يرتكز في اساسه على الدفء العاطفي بين الزوجين كما يتدعم(بقبول الطفل)فالعيش في الاسرة حق طبيعي للمولود،انه لا يمكن ان ينمو نفسياً وجسدياً ومعرفياً وعقلياً على النمو السليم بدون المناخ العائلي الدافئ ويقول( د.الرشيدي ود.الخليفي)فالطفل في هذا المناخ يقابل عادة بالسعادة والفرح بصرف النظر عن جنس المولود،وفي هذا المناخ يتغلب ايضاً الحنان والعطف على القلق والتعب لذا فأن اول اساس للصحة النفسية للطفل يقوم على العلاقة الدافئة والوثيقة التي تربطه بامه اولا ثم والده ثانياً لكي تستقيم الحياة التالية لديه.
اما الصورة المضادة لذلك والتي تتمثل في حالة الرفض rejection من جانب الاسرة للطفل(الام والاب)فأننا نجدها في ممارسة الاسرة للحد الادنى من النمو العاطفي تجاه الطفل وذلك من خلال اهتمام كل من الام والاب بخصوصيته وتوجيه انفعالاته نحو الاخر،وتكاد تكون الضغينة والكره وتبادل الالفاظ بقساوة مع الاصوات العالية في حضور الطفل هي السمة الغالبة للعلاقات الاسرية السائدة،ويظن الابوين ان طفلهما لا يسمع ولا يرى وهو في شهوره الاولى من عمره،انه يسجل كل ايماءات وجوههم وكل نبرات الاصوات العالية والكلمات الخشنة التي يتبادلونها حتى تبدو حالة الاهمال للطفل هي العلامة المميزة في هذه الاسرة،انهم يمارسون الانعزال ضد وليدهم الحديث وهو بينهم ،او وهو طفل يحبو لانهم انشغلوا بمشاكلهم والتفت كل واحد لنفسه وتركوا الطفل معزولا بلا ضحكة او مداعبة ،انه يحس تماماً بعدم وجود علاقات حقيقية او حميمة بينهم فنراه حين تتعالى اصواتهم المصحوبة بالانفعالات ينظر بعينيه يمينا ويساراً ويراقب وجوههم ثم يصرخ باكياً او مرعوباً دون سابق انذار ..انه احس الخطر،احس بالرفض من قبل الام والاب معاً،انه يشعر شعوراً تاماً بانهم يتركونه بدون رعاية او حماية او شئ من العاطفة والحنان،كل منهم يبحث عن الحق لدى الاخر ولا يقبل بان يتنازل عن شئ لاجل الطفل والشراكة الزوجية ،يندفع الزوجان بقوة تصاحبها القسوة في المشاعر لكل منهما وهو ينظر اليهما شاخص مستغرب ، نحن نقول ان العلاقة الزوجية التي لا تربطها العاطفة بعد الزواج ولا المحبة بعد انجاب طفل،ليست علاقة انسانية بل ظلت سوى علاقة حيوانية تجمعها الغريزة ليس الا، ويقول علماء النفس المرضي ان الرفض(رفض الطفل)قد يأتي نتيجة مرض او انحراف في الاسرة ذاتها،كأن يكون احد الابوين او كلاهما ذهانياً(مريض عقلي)او متخلفاً عقلياً او مفرطاً في الادمان او مفرطاً في التعصب او التصلب في الرأي او المعتقد حتى طغى على سلوكه العام مع الناس والخاص في التعامل مع زوجته وانعكس ذلك على عاطفته تجاه طفله.
ان الام التي لا تمنح الحب لطفلها ينشأ ولديه الحرمان ونتيجة ذلك الحرمان يؤدي الى اصابتة في المراحل اللاحقة في سنوات البلوغ التالية بمرض الفصام(الشيزوفرينيا)ولكم الحق بان تسألوا كل مرضى الفصام ،ما هي طبيعة علاقاتهم بامهاتهم، ستجدون الجواب:انها يقولون انها كانت ترضعني السم،وليس الحليب. وعليه فأن الحرمان والتقلب الانفعالي وتغير المشاعر السريع احد اهم العوامل التي يدركها الطفل من خلال علاقته بوالديه وهذا ينتج عنه عجز في اقامة علاقة اسرية صحيحة.وربما كانت من الاسباب الاخرى العامل الاقتصادي السئ الذي تمر به الاسرة والذي ينعكس بدوره على جميع العلاقات في الاسرة او انشغال الام بهمومها وانشغالها في العمل وتفضيله على حياتها الاسرية او على الزوج ،لذلك نعيد القول مرة اخرى ان شعور الطفل بالحرمان بين اسرته يصيبه بأذى بالغ ومن ذلك الاذى تعطيل النمو الجسمي والذهني والاجتماعي لدى الطفل.
نحن واياكم نقف بين هذين النقيضين من القبول التام والرفض التام ونستطيع ان نستنتج مرة اخرى ان دور الاسرة في احتضان طفلها هو دور اساسي لابد منه ونقول ان التعبير عن العواطف من اهم مستلزمات الصحة النفسية والبدنية وشروطها للطفل والمراهق والراشد على السواء غير انه اكثر اهمية واشد حاجة بالنسبة للطفل لان اساليب التكيف مع العالم الجديد واكتساب الخبرات والتعلم من الاسرة لم ينضج بعد،فالاسرة توفر المناخ الملائم الذي يتيح له تفريغ شحناته العاطفية والانفعالية واذا لم تتيح له ذلك فأنها ستخلق منه طفلا عليلا تنهشه الضغوط النفسية الداخلية والتوترات والكبت وبالتالي سيضطر في اخراج المكبوتات من داخله تجاه الناس،وهي علامة من علامات العدوانية تجاه المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -يونيسف- تحذر من كارثة ضد أطفال غزة: 90% منهم يواجهون مجاعة


.. الأمين العام للأمم المتحدة يدعو لتجنب ما وصفه بالجحيم المناخ




.. تفاعلكم | أغرب اعتقال لمعارض في إيران


.. الأمم المتحدة: 5 ملايين شخص إضافي بحاجة ماسة للمساعدات الغذا




.. مدير مستشفى الرازي: الاحتلال يقتحم المستشفيات في مخيم جنين ل