الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فساد الأنجزة: سرية رواتب الموظفين فساد الأنجزة: سرية رواتب الموظفين

ناجح شاهين

2014 / 9 / 25
الحركة العمالية والنقابية




شكراً للرأسمالية، فقد أقامت علاقة "حرة" بين رأس المال والعمل البروليتاري، وأنشأت حالة من المواطنة القائمة على الذات الحقوقية المتساوية أمام القانون. ربما يكمن في عمق النظام استغلال معتم يحتاج إلى مجهر ماركسي لرؤيته، لكن على السطح الأشياء كلها تجري وفق القانون الشفاف الذي يحكم بالعدل بين الناس جميعاً. في نظم ما قبل الرأسمالية كان مزاج الحاكم أو صاحب العمل يحدد الامتيازات المسبغة على الفرد، ويخلق فجوات غير مسوغة بين شخص وشخص حتى لو كانا يقومان بالعمل ذاته. لقد تم إقرار مبدأ الأجر المتساوي لقاء العمل الواحد.
لحسن الحظ أن بلادنا الصغيرة التي لا يمكن وصفها بالرأسمالية بالمعنى الدقيق للكلمة قد نجحت في استدخال أسس هذا النظام. ولذلك فإن وظائف السلطة ووزارتها تستند إلى معايير شفافة وإلى وجود سلم وظيفي بدرجات محددة وواضحة بحيث يمكن لأي شخص أن يقدر بدقة تامة راتب الفراش مثلما راتب الوزير وصولاً إلى رئيس الوزراء. وهذا القول ينطبق إلى حد كبير على عمل مؤسسات رأس المال الكبيرة من قبيل البنوك والشركات الكبرى التي يخضع فيها نظام الأجور لسلم واضح ومكشوف للجميع.
أما المنظمات الدولية التي يستلهم عملها قطاع الأنجزة الفلسطيني فتعلن في وظيفتها طبيعة العقد والوظيفة والراتب الذي يستحقه من يشغلها. ولذلك يمكن أيضاً بسهولة معرفة الأجر الذي يتلقاه أي موظف فيها. لكن في الأحوال كلها يبدو في سياقنا الحداثي الرأسمالي المعاصر أن هذا هو الأصل في الأمور، إذ ما الداعي لكي يمارس أي كان التكتم فيما يخص رواتب الموظفين؟
من المدهش بالفعل أن قطاع الأنجزة الفلسطيني بشكل عام يعد راتب الموظف سراً لا يجوز أن يطلع عليه أحد باستثناء الموظف ودائرة المالية التي تحول له مستحقاته الشهرية. وبالتالي فإن أحداً في المؤسسة لا يعرف رواتب بقية الزملاء، بل لا يستطيع حتى التنبؤ بشكل تقريبي بما يمكن أن يكون عليه ذلك الراتب. وفي هذا السياق تصبح الإشاعة حول الفساد هي المصدر الوحيد للمعلومة: فلانة سكرتيرة أنهت التوجيهية بنجاح باهت أو بدون نجاح ولكنها تتقاضى في المؤسسة الفلانية ألفي دولار. فلان يحمل درجة الدكتوراة ويقوم بالعبء الأكبر في المؤسسة ذاتها ولكنه يتقاضى راتباً يقل عن راتب تلك السكرتيرة بمئة دولار.
ليس من الصعب أن نقدر أن سياسية التكتم التي تمتاز بها بعض مؤسسات الأنجزة في مجال الرواتب إنما هي تعبير عن فساد يتم التستر عليه، وليس في ذلك مفاجأة لنا. إذ أننا لا نستطيع أن نثق أبداً في نزاهة هذه المؤسسات التي تعمل وفقاً لأجندات خارجية تسهم في اختراق الوعي الوطني المقاوم وتيسر التطبيع وتعميق التبعية. ولا بد أن ولاء مرتزقة هذه المؤسسات هو أولاً وأخيراً لليورو والدولار. ومن ناحية ثانية يغض الممول النظر عن فساد الأنجزة بأشكاله لأن المهم بالنسبة له هو أن تقوم هذه المنظمات بتمرير أجنداته.
لا يمكن لعاقل إلا أن يستنتج بأن تكتم إدارات الأنجزة على راتب الموظف إنما ينبع من وجود فساد تحرص على التستر عليه. ولو كانت نقية حتى من هذه الناحية الشكلية التي تخص توزيع كعكة التمويل الأجنبي لما ترددت مثلما يعمل سادتها القادمين من الشمال في تقديم سلم وظيفي واضح يسمح ليس بمعرفة الرواتب بين أبناء المؤسسة فحسب، وإنما اقتداء بالسادة القادمين من الشمال: الإعلان في الصحف عن المبلغ المالي المحدد الذي سيدفع لقاء الوظيفة المعلن عنها. لكننا نود أن نقول إنها بهذا الشكل تخون رسالتها القائمة على الخطابة الفارغة حول قيم النزاهة والشفافية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، والجوهر الفعلي القائم على بيع الروح لشيطان التمويل وتمرير أجنداته من أجل الحصول على أكبر المكاسب المالية الممكنة. ولا يسلم الأمر بالطبع من اللجوء إلى مقدار من الفساد يقل أو يكثر من مؤسسة إلى أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم العمال -ستارمر- يصل إلى قصر باكنغهام ليُكلف من الملك تش


.. نايجل فاراج: الحكومة العمالية المقبلة ستكون في ورطة قريبا




.. السودان.. نقابة الصحفيين: 90% من الصحفيين فقدوا وظائفهم وأمل


.. مني عبد الوهاب: نعتمد على خبرات العاملين بالشركة المتحدة في




.. مزارعون يسعون لتطوير إنتاجهم وتسويقه في أسواق المزارعين بالإ