الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على عتبة التقاعد

بن جبار محمد

2014 / 9 / 25
الادب والفن


بينما أنـا رفقـة أحد الأصدقـاء الذي لا تستهـويـه سـوى الجعـة الألمـانيـة الفاخـرة ، قضى سنـوات في قيادة القطارات ولايزال يذرع المسافات الحديديـة منذ الأزل و لـم يتمـكن حتى من تأسيس أسـرة ، متذوق صنديد لكل أنواع البيرة في العـالـم ، كلما حصل على "فاردو" ينـادينـي لجلسـة مسائيـة على أضـواء خافتـة تشعـهـا أنوار المدينـة من بعيد ، و نادرا ما كنت أرفض لـه طلب ، قلت لمحدثي أنظـر لتلك الهضبـة الصغيرة ، اعـرفهـا . لا تعـرف فيهـا شيئا صديقي ، أنـا قضيت فيهـا أربعـة و عشرين سنـة و لـم أتمكـن من معـرفـة أسرارها ، أجهل كل شيء ، تـاريخ المدن مثل الوديان الأرضيـة التي تستقـر تحت قشرة الأرض ، إن لـم تسبر أغـوارهـا لن تشرب ماءهـا ، تمـاما يا صديقي لا يمكن الحكـم على جودة النبيذ حتى تتذوق كل أنواع النبيذ الموجودة ، نـ..عـم نعـم ، شعـرت أن صديقي تحت وطـأة السكـر و يمط شفتيه بصعـوبة . قفلنـا عـائدين و هـو يجري في ذهنـه حسابات التقاعد و أوراقـه و عدد السنين التي قضاهـا ، قلت لـه لا تأبـه يا صديقي لساعات العمر الآتيـة ، أنتبه لنفسـك ، أسّس أسرة تقيك غذر الزمن ، لم يكن واعيا لمـا أقـولـه ، صديقي سائق القطـارات الثمل على الدوام ، كنت أسير و ألتفت من ورائي و أقـول لـه أنظر إلى تلك الهضبـة ، هنـاك ورديـة بوجهها القمري و هنـاك خديجـة الجميلـة و هنـاك عمي الجيلالـي الذي لـم يفسـح عـلى مذكراته التي تحكي سيرة حياته و هنـاك تفاصيل حكايـة الحب و العشق من زمن الطرابندو ، لم يقل صديقي شيئا ، لأنـه ربما مشغـولا بحكـاية التقاعـد و الملفات و فتح حسابات جديدة ليغـادر السكـة الحديديـة إلى سكـة أخـرى قد تكون مرمريـة او حجريـة أو فخذ إمرأة يجلس عليهـا للإنتظــار فجأة ألتفت إليّ و نظر في طويلا : يا عـواد بعد الحصول على التقاعـد بإمكاني الحديث عن الحب ، عمري قارب الستين سنـة ، أتهيأ للعمر الثاني ، سوف أعتزل قيادة اللعينة و أنهـي كل عـلاقـة عمل بالمواعيد و الصفارات و المحطات و الوجبات الباردة ، سوف أتخلص من مفردات العمل التي تجري على لساني المصاب بلوثـة السنين ، تلك المفردات التي درجت على تداولهـا، ميكانيكيـة في صلابـة السكك ، لامشاعـر فيها و لا أحاسيس بذوق الشحوم المعدنية ، كلمـاتي كانت و لاتزال تنساب إنسياب القطـار على البراري الصحراويـة دون ان تصل إلى محطتها إلا بجهـد جهيد ، تتخلص مني النساء بسرعـة ، لأنهـا لا يعشقن المواعيد البطيئـة ، دفعت بنفسي إلى عتبـة التقاعـد ، أنهـي بعض المتـاعب النفسيـة و العاطفيـة و أخلّصهـا من سخام القطارات و الخذلان الفائض عن الحاجـة ، حديثي مع حبيبتي عن كل شيء إلا الحب ، لا تتتصـورني إلا غـريب في أرض غريبـة يرحل مع الغرباء ، أبتسـم لها إلا في مواعيد معينــة ، سرعــان ما تنطفيء تلك الإبتسامـة ، التقاعـد هـو الإستقرار الذي يبحث عنـه الأشقيـاء للتخلص من شقاء التشرد و الضياع بين المحطــات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف