الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة والوطنية :تخيفنا ونغرق في افرازاتها ليل نهار

فيصل قرقطي

2005 / 8 / 19
الادب والفن


يذهب البعض إلى أن الحداثة ضد الوطنية على اعتبار ما تسوقه في النصوص الإبداعية من جماليات يحتفل فيها النص أكثر من غيرها من الجزيئات الأخرى. أو بعبارة أخرى لأنها تنتصر للشكل أكثر مما تنتصر للمضمون، وبذلك بدأ التنظير لذلك، وانفسح المجال واسعا لهؤلاء المشككين بالحاثة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، إضافة إلى الفضائيات العربية التي أصبحت تغزو بيوتنا وبيوتات عقولنا وعقول أطفالنا صباح مساء.
سمعت أحد الكتاب الفلسطينيين يصرح في مقابلة مع إحدى الفضائيات العربية ما معناه أننا في سنوات الانتفاضة ومقاومة الاحتلال ما كنا لنستطيع أن نعبئ أقلامنا بالعطور ونكتب عن الجماليات، وكان لا بد لنا من أن نكتب بالشكل المقاوم للاحتلال بشكل مباشر! وأشار صاحبنا إلى أن الكتاب الفلسطينيين والعرب خارج فلسطين المحتلة، كتبوا في الحداثة وعلى أساسها.. وأضاف: "أعتقد أن من حفل بالحداثة وطروحاتنا في هذه المرحلة، أستطيع أن أقول أنه أمر يصل إلى درجة الخيانة!".
بهذا الاتهام الجارف المبني على التسرع وعدم الدراية يصف صاحبنا كل من يكتب في الإطار الحداثي والجمالي، وكأنه يعتقد أن الكتابة الوطنية ضد الجمالية، وبذلك أسقط عن "الأدب الملتزم" كل جماليات الكتابة وبقي حبيسا في إطار الكتابة التقليدية.
إلا أن الكتابة عموما، بغض النظر عن موضوعها، لا تكون إيجابية وفعالة وخالدة، إلا إذا حفلت بأساليب حداثية وجمالية تعني بمعنى ما الصدق والتوازن مع الذات في إطار الحس الكتابي. والكتبة عن الوطن دفاعا عن الوطن، التي تخلد وتدوم، وبكون فعلها وتأثيرها أقوى وأدوم هي الكتابة الحداثية وأستطيع توضيح هذه المسألة بعدة أمثلة.
لنتذكر جميعا القصيدة المنبرية الخطابية، التي تشحذ نفوسنا في القاعة، وتلهب مشاعرنا بحس كثيف وعال ومؤقت، في الآن نفسه (مظفر النواب مثلا) ولكن أثر هذه القصيدة، بعد سماعها، يدوم لفترة محدودة من الزمن، ليوم أو إثنين أو أسبوع مثلا.
وبعدها تنسى.. وينسى الأمر. أما القصيدة الذكية، التي تفتح آفاق الوعي والتفكير، وتحدثنا على استلهام صورها، التي تنطبع في الذاكرة فيكون تأثيرها أدوم وأطول، وأعمق، مما يشكل حالة وعي عليا، وشفافية عالية بالهموم الوطنية "درويش وأدونيس وسعدي يوسف" مثلا.
الجانب الآخر الذي ألحظه أن القصيدة التقليدية المقاومة، وأعني بها القصيدة التقليدية المقاومة، وأعني بها القصيدة المباشرة، التي تطفح بكل الحكم والأمثال والقيم الخلقية، تظل قصيدة مناسبة سرعان ما تنتهي حال زوال مناسبتها، في حين أن القصيدة الحديثة تظل صامدة مع الزمن، كمهماز للتأثير واستنباط الصور والمعاني، التي تلتصق بالذاكرة، صحيح أن المبدع العربي، عموما، يعيش حالة من التمزق بسبب الازدواجية الدائمة، إذ أنه منتم، بفكره أو "الأنا" العليا، إلى العالم الغربي الحديث، بينما هو منتم لعلاقاته الاجتماعية، أي الأنا، إلى المجتمع العربي.. وبناء على ذلك، كما يقول الناقد شكري عياد، لن يكون أمامه خيار، حين يكتب، إلا أن يكتب لقارئ على شاكلته، قارئ عربي ينتمي بفكره إلى العالم الغربي الحديث.
وهذا يوصلنا إلى المأزق الحاصل، ليس للكاتب أو المبدع العربي، وإنما للمجتمع العري برمته... فنحن نتهيب من الحداثة ونكيل لها أغلظ التهم، ونحن في الآن نفسه غارقون في البحث عن معطياتها وإفرازاتها ليل نهار، في كافة تفاصيل حياتنا المعيشية.
نطمح في امتلاك غسالة أوتوماتيك وتلفزيون وديجتل وسيارة حديثة وكومبيوتر وانترنيت ونباري الزمن للتمكن من ذلك.. وفي الوقت نفسه نرفض الحداثة وجمالياتها!!.
صحيح أن الأنساق اللغوية، التي تعبر عن منظومات أفكارنا، تنتمي بالدرجة الأولى إلى الواقع الحضاري والثقافي الخاص بواقعنا وتاريخنا، منذ القدم، إلا أننا نستطيع أن نطور من علاقتنا مع اللغة والنص المبدع، تأسيسا، أو انطلاقا، من تراثنا الفكري والثقافي والمعرفي الغني بجدارة وامتياز. لذلك نستطيع أن نستفيد من الحداثة بشكل كبير، دون أن نحدث قطيعة مع التراث.. تراثنا، وبمعنى آخر نستطيع أن نشكل أنساقا لغوية وإبداعية بين نقطتي الأصالة والمعاصرة، دون خياتنة إحداهما لصالح الأخرى، لأننا شئنا أم أبينا، لا نستطيع أن نعيش خارج التاريخ والتطور، وأن منظوماتنا العقلية والفكرية لا يمكن لها أن تظل جامدة محددة في إطارات ثابتة، غير متحركة ومتطورة تماما، كما حياتنا التي نعيش.
إن أعظم المبدعين، الذين كتبوا للوطن، ودفاعا عن الوطن هم المبدعون الذين كانوا قد سبقوا عصرهم، وتخطوا معيارية السائد في أيامهم، أمثال ناظم حكمت، وبابلو نيرودا، ولويس لأراغون، وتشيلي ورامبو.. إلخ.
سئل ذات مرة الشاعر الكبير ناظم حكمت لماذا لا تكتب شعرا مباشرا وواضحا ؟ وكان آنذاك يكتب شعرا مقاوما فأجاب : " أيهما افضل أن أكتب قصيدة واحدة وأذهب إلى السجن .. أم أكتب مئة قصيدة، وثم أذهب إلى السجن!".
فأجابوه: " مئة قصيدة أحسن".
فقال : لذلك أنا أبتعد عن المباشرة والوضوح".
والمباشرة أحسن ما تكون في النثر. إذ هناك مولدها ومكان نموها ، حيث لا يعيبها شيء.. أما أن تكون في القصيدة فهذا أمر غير مبرر كأن يناطح العصفور النسر، لماذا؟!
وهذا يقودنا بالضرورة إلى الانتفاضة وأيام إبداعاتها، وشعرها الذي حمل سيولا من الحجارة للنص. حتى بان النص الشعري، حينذاك، مطمئنا في تخليد الحجر وتمجيده، إلى درجة القداسة، متناسيا اليد التي كانت تضرب الحجر.
إن شكلانية القول الشعري إذا سقطت في فخ المباشرة أسقطت من قاموسها الكثير من المعطيات والقيم النبيلة، شعريا. وبالتالي سقطت هي في حفرة النسيان. إلا أن أمرا مهما يجب عدم التغاضي عنه، ويجب الاعتراف به، هو أن النقد الأدبي تاريخيا قصر في إضاءات النصوص الإبداعية الفلسطينية والعربية سواء كانت شعرا أم قصة أم رواية.
ولا يشفع له هذا التقصير انشغاله في تأسيس نظريته، التي ما زالت تحبو وسط سيل النظريات النقدية الحداثية، وتطور علوم اللسانيات واللغويات، الذي أصبح على غاية من الأهمية، ويدخل في صلب عمل كل مبدع.. أخيرا أن الدفاع، إبداعيا، عن الوطن ليس بالضرورة وسط هياج الصراخ والشتائم، بل حراسة وردة في منعطف هو أيضا دفاع عن شفافية الوطن ووردته التي لا تموت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي