الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أورشليم إلى دمشق

خالد قنوت

2014 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة أساسية, إن أي تحليل علمي لحدث أو أزمة لا يتناول بحياد الاسس التاريخية لها و تطوراتها قبل الوصول إلى الظروف الموضوعية الحالية, تفقد هذا التحليل الكثير من المصداقية و الوثوقية و عندما نتحدث عن حياد فهذا يعني احترام المعتقدات الدينية و غير الدينية جميعها و ليس النيل منها أو من بعدها الانساني, من جهة أخرى يفترض أن نعمم ظواهر التطرف العابرة للشعوب و الاديان و حتى المعتقدات و الايديولوجيات, لا أن نحددها بأي منها و إلا فهذا سلوك عنصري يفتح طرقاً لأجيال من المتطرفين العنفيين و يقوض جنوح البشرية للتعايش و الحوارات الحضارية باتجاه تكريس الكراهية و الاصطفائية التي دمرت شعوباً و حضارات على مر التاريخ.
أيضاً, أن نقد سياسات بعض الدول المهيمنة على العالم لا يعني الاتجاه نحو تجريم شعوبها و مواطنيها و اعتبارهم أهدافاً لمن يرى في العنف طريقاً لاثبات وجوده بينما هو طريقاً لانتحاره الذاتي.
سأذكر حادثة شخصية يمكن أن أنطلق منها نحو رؤية شاملة لما يحدث في سورية اليوم, فقد اجتمعت مع عدد من المهندسين الامريكيين في مشروع بضواحي مدينة لندن الانكليزية و كنا نتفرغ بعد أوقات العمل للجلوس و التحدث بأمور كثيرة. إحدى المرات سألني أحدهما, و كان من ولاية تكساس بلد عائلة بوش, عن البلد الذي انتمي إليه فجاوبته (سورية) لم يعرف أين تقع هذه الدولة فشرحت له مكانها من العالم فعرف أنها قرب العراق و جنوب تركيا و شمال دولة اسرائيل و الأهم أن عاصمتها دمشق, فما كان منه إلا أن ذكر لي (الطريق إلى دمشق) المذكورة في الانجيل. سألته عن معلوماته عن هذا الموضوع, فلم يجاوب إما لضحالة معرفته أو خشيةً, من أن يعلن عن ما يعتقده أمامي, ظهرت على وجهه فور علمه بسوريتي. بادرت بسرد مبسط لقصة بولس كأحد أهمّ من حمل لواء التّبشير المسيحيّ في الشّرق وفي حوض البحر المتوسط والعالم, رغم انه لم يكن أحد تلامذة المسيح, ومن المرجّح انه لم يتعرّف على المسيح شخصياً (وفقاً لما ما ورد في أعمال الرّسل – العهد الجديد (الإصحاح الثامن والتاسع)) و كيف تحول شاؤول اليهودي الأصل, من قائد عسكري متصلب حيث ذعر من تبشير بطرس والرّسل الآخرين إذ كانت خطب الرّسل والتّلامذة تهدّد بقلب أوضاع الدّين اليهوديّ. ولما كان فرِّيسياً غير متساهل في أمور صحّة الإيمان فقد عزم على محاربة هذه الشّيعة الجديدة, فوافق على إعدام اسطفانس وهو شمّاس وقدّيس وأول شهداء المسيحيّين حيث تمّ رجمه في أورشليم عام 37 ففرَّ تلامذته إلى دمشق هرباً من الملاحقة؛ لكن شاؤول طاردهم ولحق بهم إلى دمشق. وفي طريقه إلى هذه المدينة, وفي منطقة تقع شرق المدينة بالقرب من قرية كوكب, ظهر له المسيح يناديه:"شاؤول شاؤول لماذا تضطهدني" فوقع من على ظهر فرسه وفقد بصره ولم يعد يرى شيئاً؛ ومنذ تلك اللحظة حصل انقلاب في تفكيره اللّاهوتي وانهار معنى حياته. إنّ دعوته في دمشق حملته على الدّخول بكلّ تواضع في تقليد الكنيسة وانفتحت بصيرته في السّاعة التي قبل فيها المعموديّة على يد حنانيا و صار اسمه بولس بدلاً من شاؤول وهكذا أصبح التّبشير بالمسيح بنظر بولس ضرورة حيوية وأصبحت المناداة به وتعريف النّاس برسالته وفكره واجباً محتّماً.
كان دهشة المهندس الأمريكي عظيمة عندما عرف أني لست مسيحياً و كان مازال ينظر إلي نظرة من الريبة و التوجس و قد استوعبت ذلك لعلمي بما أنتجته الميديا الأمريكية و الغربية عامةً من فوبيا اسلاماوية دعمتها و رسختها دول و تنظيمات و مجموعات عربية و اسلامية شوهت الاسلام و جوهرها الانساني و تغافلت عن أن التطرف ليس له دين و أن جميع الاديان تشترك بالقيم و بالاخطاء أيضاً. وجهت له دعوة لزيارة دمشق التي لا يعرفها سوى من تصوراته الامريكية بأنها طريق من أورشليم (القدس) و أنه كمتدين و يحمل جنسية أقوى دولة في العالم, عليه الدخول إليها و منها سينطلق للعالم يحمل رسالة يعتبرها هي الحقيقة المطلقة, رسالة خلاص البشرية.
ما ذكرني بهذه الحادثة ليس ما تقوم به الطائرات الامريكية بقصف لمواقع تنظيم داعش الارهابي و مثيلاتها اليوم و ما تحدثه من اخطاء يذهب ضحيتها ابناء سورية الذين يواجهون نظام همجي و مجرم, فلقد كانت مجمل السياسة الامريكية تجاه الثورة السورية و الأزمة السورية ككل على مدى الثلاث سنوات و نصف حيث لم تخرج من دائرة نظرة بعض الساسة الامريكيين لدورهم في تحقيق مصالح بلادهم للهيمنة على المنطقة و في تأمين مصالح حليفتها العضوية في المنطقة اسرائيل بالاستناد على معتقدات دينية و عنصرية تجاه ابناء المنطقة تكون مسلمات لشعوبها تبرر لهم تجاوزات انسانية و اخلاقية تجاه شعوب أخرى.
ليس الموضوع مؤامرات و مخططات جاهزة ينفذها الآخرين بحزافيها أفرداً كانوا أم شعوباً, على طريقة نظام الأسد في تبريره تدمير سوري بحجة المؤامرة الكونية, و لكن السياسة التي تقوم بها دول العالم تعتمد على علوم و دراسات و تحاليل تستفيد من الأحداث و من طبائع البشر و تنجح دائماً عندما تغيب لدى تلك الشعوب السياسة و العلم و العقل و يكون موجهها التعصب و التطرف و الجهل و المال السياسي و الأشد خطورة وجود نظم استبدادية لم توفر يوماً للعمل على تحقيق سياسات اجنبية علي أمل بقائها و استمرارها و هنا يتجسد حكم عائلة الأسد لسورية كأفضل مثال لتلك النظم. يكفي استعراض تاريخ وصول عائلة الأسد للحكم و استيلائها على السلطة في سورية و ما أحدثته من شروخ عميقة في بنية المجتمع السوري عبر تاريخها و اغتصابها كل الحقوق السياسية و الاقتصادية و تاريخ مشين من الجرائم و المجازربحق الشعب السوري و شعوب الدول المجاورة بتواطئ غربي و تغطية أمريكية منذ مجازر الثمانينيات في سورية و مجازر ثلاثين سنة بحق اللبنانيين و الفلسطينيين في لبنان وصولاً لمجازر واضحة المعالم و الأدوات على مدى ثلاث سنوات و نصف منذ اليوم الأول لقيام الثورة الشعبية السورية.
في الطريق من أورشليم إلى دمشق, ليس من السهل أن تدخل تلك المنطقة دون أن تدمر مدناً و قرىً و تقتل أهلها و تهجرهم و تمسح من على خارطة التضاريس تاريخهم و حاضرهم و مستقبلهم و قد قام بذلك نظام الأسد بمنهجية واضحة, فلماذا على من يرى في طريق أورشليم دمشق, طريق خلاصه, أن يوقف من يساعده في تحقيق حقيقته المطلقة؟ و لماذا علينا أن نلوم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترى المنطقة إلا من خلال منظار مصالحها و مصالح اسرائيل على ما تقوم به و ما ستقوم به؟ و لماذا علينا أن نلجأ لها و نطلب منها الخلاص من النظام و كل سياستها منذ ايام الأسد الأب هي بالنتيجة ترسخ وجود هذا النظام كأفضل خادم لمشاريعها و سياساتها؟
لا أعتقد أني بهذه التساؤلات أفتح بوابة الصراع المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب و لكني أحاول جاهداً الارتقاء بالجميع لمستوى المسؤولية الوطنية التي عبرت عنها حناجر السوريين عندما انتفضوا على نظام الأسد و طالبوا بالحرية و الكرامة و استعادة وطنهم من نظام لا يتوانى عن تسليم سورية و شعبها لروسيا يوماً و إيران يوم آخر و لأمريكا و اسرائيل دوماً. إنها دعوة لجميع السوريين, دائماً و أبداً, لتحمل مسؤولية وطن ينهار و يفقد قدرته على النهوض من جديد إذا ما بقيت الأحدث بمنأى عن وجودهم الفاعل و الأساسي في استعادة الوطن.
إن أي مستقبل لسورية بدون وجود لمواطنيها الأحرار في أساس صنع القرار الوطني سيكون بأفضل الأحوال رمادياً لدولة فاشلة تقوم على نظام محاصصات طائفية و أثنية تحمي دولتها الهشة دولاً عظمى و إقليمية تخدم مصالحها على حساب مصلحة سورية و السوريين, و في اسوء الأحوال ستكون سورية طريقاً يبدأ من أورشليم يعبر دمشق إلى العالم بحقيقة مطلقة عنصرية متطرفة و هدامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطريق الى دمشق
أمكم الغولة ( 2014 / 9 / 27 - 00:59 )
لقد بدت لنا معالم الطريق الى دمشق!!!!0
إنها طريق معبدة بجثث الشعب السوري العظبم...بؤس الطريق يا أستاذ

اخر الافلام

.. القسام يعلن استهداف دبابة -ميركافا- إسرائيلية بقذيفة -الياسي


.. عبر الخريطة التفاعلية.. آخر التطورات في مناطق توغل جيش الاحت




.. كيف تؤثر تهديدات بايدن في مسار حرب غزة؟ نتنياهو إسرائيل ن


.. احذر... الاستحمام اليومي يضر بصحتك




.. مقتل 7 أشخاص في قصف أوكراني على حي سكني في بيلغورود الروسية