الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل الثاني والأخير . شتاء في زمن البعث

زنار علي

2014 / 9 / 26
الادب والفن


.يستمر الموجه في سؤاله من أين جئتم

.فنقول من (تل برهم استاز) بلغتنا الكُردية كنا نتحدث بالعربية.. تعني أستاذ .

فإن كان الموجه مسيحياً كان لنا الأمل بالإعفاء من العقوبة.
أما إن كان الموجه عربياً بعثياً .على يده كُنا نرى نجوماً حقيقية مع إن الجو غائم وممطر و الوقتُ زوال هكذا كان يُسترحب بنا من قِبل البعث .
إلى أن ننتهي من حصصنا الخمسة أو الستة ينسبلُ الليل وعتمة الليل حينها أشبه بشعر مُعلمتنا (مريم) مُدرسة مادة اللغة الفرنسية .

عندما كنا ننصرف من المدرسةِ بتلك الساعة المتأخرة من الليل كنا نلوك هم طريق العودةِ .الخوف والهلع يتسلق بنا إلى النخاع .
خوفاً من وحوش البراري أو فوضوية الثمالة في القيادة أو من ضوضاء الحافلات الحثيثة أو من البرد والصواعق .

لذا كنا نتأمل دائماً في كل يوم و بعد الإنصراف من المدرسة بأن تحملنا إحدى السيارات مع دراجاتنا .لتوصلنا إلى (المحطة )
من هناك نستطيع أن نتابع مشوارنا إلى القرية على دراجاتنا هذا و إن كان الطريق يساعدنا كصديق .
وباعتبارنا أطفالاً كنا حاملين تحت كل إبطٍ منا كُتب مدرسية ونرتدي ملابس الفتوة فعمظم الناس كانوا يتاعطفون معنا على ذلك .

مثل الجرار الذي توقف وحملنا في عربته (التريلا) مع دراجاتنا من أمام دكان العم ( حاج علي) متجهاً الى (المحطة ) أي مزكز الحبوب .
شدَ الجرار رحاله بنا ممضياً في ذاك الليل المرعبِ الكافر .الخالي من الأمان تحت سماءِ شتاءٍ ممطر صاعق
لا يقطنه لا قمراً و لا نجماً و لا حتى أضواء الجرار مولعة لأنها محروقة (الفيوز)
يمضي الجرار في سيره على التوكل وبركات الشيوخِ .
ما بيننا وبين السائق عدة أمتار فالسائق في كبينة محصنة من البلور وهو منهمكٌ في قيادته .
أما نحن نترنح يميناً ويساراً بيدٍ نتحزم بالعربة و باليد الأخرى نسند الدراجات.

صوت الكلاب تفوق صوت الجرار وأزيز البرقِ تُلبسُ الليل شراسة أكثر .
فقبل أن نصل إلى (المحطة) بكيلو متراً بدئنا نحاول أن ننبه السائق على أن ينزلنا في (المحطة) لكن دون جدوى
بدئنا بالمنادى - بالصراخ- بالتصفير- إنما دون نتائج . حينها إنتابنا خوفٌ عظيمٌ وبدأ النشيجُ مهمته في حناجرنا ونحن لسنا سوى أطفالاً برائتنا تطفو على خدودنا .
معتقدين بأن السائق قاصدٌ بنا الشر

رمينا بما لدينا من أقلام تجاه البلور لكن دون ثمار رمينا بما يوجد من زينة على دراجاتنا أيضاً دون جدوى.
رُكبنا ما عادت تحملنا من الخوف والهلع البول والتبول لم تعد تحصى كمياته بين أفخادنا .
الجرار ماضٍ وكأنه يسابق الصواعق والمطر بسرعة طائرة (ميغ 7)
لمّحنا بأرجلنا ..يميناً.. يساراً.. في أرض العربةِ بحثاً عن بضعة أحجار (ايواه )
لقد عثرنا على بضعة أحجار منها طارت خارج الهدف ومنها قُذفت بضعف لم تصل ومنها لم تؤثر على بلور السائق ومنها بين أصابعنا تحولت إلى طين دون نتائج .

هنا بدأنا نعتقد بأن أسماءنا ستذاع في نعوة شهداء العلم كما كنا نرى أحياناً على شاشات التلفزة عندما كان يُذكر في خطبة أئئمة الجمعة عن هذا الشأن .
إجتزنا الموقف المطلوب ( المحطة) ولم يتوقف الجرار ونحن غارقون في آخر أنفاس البكاء. البرد حوّل الفكين إلى ماكينة خياطة لا تتوقف .
وصل الحال بنا إلى اليأس والتشائم والاحباط أصبحنا نتخيل كيف... سنقتل.. ومتى...
إلى أن وصل الجرار إلى قرية ( البيازة ) التي تبعد عن (المحطة ) ما يقارب ثلاثة كيلو مترات بالطول .
وأخيراً توقف جرارنا في قرية ( البيازة ) بجانب إحدى المنازل.تحت وميض من الضوء القادم من إحدى المنازل إلتف السائق من خلفه محدقاً بنا ومؤشراً بيده اليمين على أن ننزل من العربة .
أما نحن على سرعة تفوقُ سرعة الضوء من الخوف رمينا أنفسنا من العربة التي تبلغ إرتافعها من الأرض أكثر متر طولي.

مضينا نحو السائق مرعوبين خائفين بردانين وكأن السائق جني أو تنين سيبتلعنا .
رويداً... رويدا ... كنا ندنو منه فقط نود أن نسأله لماذا لم تتوقف عند (المحطة )
إذ بسائقنا المغوار يُحدّثنا بلغة الإشارة .
أصم و أبكم .لم يسمع بما أقمناه من معركة في أرض العربة .
أخيراً حدّقنا ببعضنا البعض ومضينا مسرورين تجاه (تل برهم)
بالرغم من شراشة الجو والليل. لكن على ما يبدو أن أحضان الوالدين ستعوضنا عن كل ما هو سيء.
هكذا كنا أطفالاً وطلبةً في زمن البعث عام 1991.......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل