الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور التشدد في الحركة الاشتراكية الروسية (الجزء الثاني)

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2014 / 9 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


حال عودة لينين من المنفى الى روسيا في نيسان عام 1917، بعد غياب اكثر من عشر اعوام فصلته عن التغيرات المتسارعة في الواقع الروسي، اصر على تبني مسارا جديدا للثورة الاشتراكية ونادى الى نقل جميع السلطات الى السوفيتات (لجان شعبية أنشأت حديثا من الجنود والعمال والفلاحين)، رغم اعتراض عدد من قادة البلاشفة، من بينهم كامينيف وستالين الذين دعوا وقتها الى التريث واخضاع تلك القرارات الى دراسة اوسع.
وعموما فان الرؤيا السياسية الجديدة التي حددها لينين في العديد من خطبه التي القاها بعد عودته، وفي منشوره المعروف "موضوعات نيسان"، بدت متطرفة للغاية، وافترضت بحسابات غير واقعية، تغييرا جذريا لأسس المجتمع القائم في روسيا آنذاك وتجاوز مهام المرحلة التاريخية التي تواجه البلاد. ورغم الثقل المؤثر في الحزب لزعماء بلاشفة اخرين مثل كامينيف وزينوفيف وريكوف وغيرهم ، الذين دعوا الى الاعتدال وعدم المغالاة في امكانية الانتقال المبكر الى الاشتراكية، مقترحين التحول الى معارضة يسارية في جمهورية ديمقراطية تنجز اهداف الثورة البرجوازية الديمقراطية، الا ان لينين تمكن من اقناع الكونفرنس السابع لحزب البلاشفة بتبني نهج التغيير المتشدد. فكان لقرارات البلاشفة في كونفرنسهم السابع اثرها في فتح الطريق امام فصائل اشتراكية ديمقراطية متطرفة اخرى، اهمها الفصيل الذي قاده ليون تروتسكي، للانضمام الى حزب البلاشفة.
فهم البلاشفة الاشتراكية على انها مجتمع مجرد من الملكية الخاصة ومن قوانين السوق، وغير منقسم الى طبقات، يدار مركزيا وفق برنامج تطويري موحد. ومع ان البلاشفة لم يتخلوا رسميا عن تصور ماركس حول اضمحلال الدولة، فانهم سعوا فعليا لإقامة مؤسسات راسخة للدولة المركزية الشمولية. وفي ذات الوقت الذي اعلن فيه البلاشفة شكليا تبنيهم لشعارات تعبوية متطرفة لا تنسجم تماما مع نهجهم مثل شعارات "الارض للفلاح" و"ألمصنع للعامل"، فانهم اتخذوا سبيلا مختلفا فرض على الفلاح الانضمام الى "السوفخوزات" أو "الكولخوزات" والتخلي عن ملكيتهم للأرض، كما تخلى العامل عن ملكيته للمصنع وعاد اجيرا عند الدولة في مصانع تدار حكوميا. وفي نفس سياق التناقض، طالب البلاشفة، قبل استحواذهم على السلطة، بإلغاء عقوبة الاعدام وشددوا على مراعاة الحريات المدنية، ولكنهم انقلبوا على مواقفهم تلك لاحقا، واتبعوا سياسة لا علاقة لها بالديمقراطية او مراعاة الحريات المدنية. ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 اغلق البلاشفة دون تردد جميع صحف المعارضة، وفي يناير/كانون الثاني اعادوا عقوبة الاعدام، وفي سبتمبر/ايلول 1918 اثر محاولة اغتيال لينين، اعلن البلاشفة ما اطلق عليه "الارهاب الاحمر". أما بالنسبة للسوفيتات فالسماء هنا ايضا لم تكن صافية، حيث جرى حل تلك السوفيتات التي كان لحلفاء البلاشفة اغلبية فيها ولم تبقى الا تلك السوفيتات الخاضعة تماما لسلطة البلاشفة.
تتيح الدراسات ومصادر المعلومات التي توفرت في نهاية القرن العشرين، حتى لمن لم يعش تجربة البناء الاقتصادي الاجتماعي في الاتحاد السوفيتي، ان يشكك في طبيعة العلاقة بين الطبقة العاملة كشريحة اجتماعية وبين الادارة الحكومية لمؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية التي سعى لبنائها البلاشفة. فالجهاز الاداري للدولة وكوادر الحزب الملتحمة بهذا الجهاز لم تكن سوى شريحة من المتخصصين التكنوقراطيين المنسلخين عن التركيبة الاجتماعية للدولة والطامحين لتحسين ظروف حياتهم المعيشية. ومع ان هذه الشريحة كانت متنوعة في انحدارها الطبقي الا انها لم تتردد في قمع اي مظاهر للاحتجاج سواء في صفوف العمال او صفوف الفلاحين او المثقفين الروس.
وكان لحل الجمعية التأسيسية وإبرام صلح بريست ليتوفيسك اثرهما في تدني شعبية البلاشفة وخلق وضع من الاستياء بين الجماهير وتفكيك التحالف الذي كان قائما بين البلاشفة والفصائل اليسارية الاخرى. يضاف الى ذلك التخبط وعدم خبرة البلاشفة بإدارة مؤسسات دولة اناطوا بها جميع مهام التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد. كل هذا وغيره ادى الى انهيار الانتاج الصناعي والزراعي وقاد الى شلل كامل في قطاع الخدمات، وبالتالي، الى ازمة اقتصادية خانقة انتهت في شهر مايو/مايس باندلاع الحرب الاهلية واتساع نطاقها لتشمل كامل التراب الروسي. وكرد فعل على حالة الانهيار والتفكك التي واجهتها روسيا ابان الحرب الاهلية، اعلن البلاشفة نموذجا جديدا لمواجهة الازمة وادارة الحرب، اطلقوا عليه "الشيوعية الحربية".
واعتبر البلاشفة ثورة أكتوبر في روسيا والحرب الأهلية من بعدها جزء من الثورة العالمية، والسبيل للتغيير في كل انحاء العالم، لذا، وفي ظروف فوضى الشعارات المتشددة جرى انشاء الكومنترن (الاممية الشيوعية) مما ترك اثره على المسار الفكري والسياسي الذي انتهجته الاحزاب المنتمية للاممية الشيوعية وعلى اسلوب عملها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم


.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال




.. عصر النهضة الانجليزية:العلم والدين والعلمانية ويوتوبيا الوعي


.. ما الذي يجمع بين المرشد الإيراني وتنظيم القاعدة واليسار العا




.. شاهد: اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين يطالبون باستقالة رئيس وز