الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضربات الجوية وغياب المرجعية الوطنية السورية

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2014 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تؤسس الضربات الجوية للتحالف الدولي على مواقع داعش والنصرة في الرقة وريف ادلب ودير الزور، لمرحلة جديدة في المشهد السوري المعقد، يضاف إليه حرباً دولية جديدة ضد الارهاب وقواه عبر العالم، فوق الأرض السورية، هذه المرّة. وتتسم في واقع الامر بتقاطع ملفت للإهتمام من حيث المبدأ مع أمرين أساسيين هما أنه يؤكد دعاوة النظام السوري، بمقاتلة الإرهاب، من جهة. وبأنه غير متصل بواقع وتطورات الثورة السورية، التي يمثل تقاطعها مع النظام كمنتج للإرهاب، مبدأً أساسياً.
لم يكن متوقعاً بدقة أن تقوم الولايات المتحدة بشن هجوم، في هذه الفترة التي ما تزال فيها الآراء منقسمة حول استهداف داعش والنصرة في سوريا، مع تركز الجهود على العراق فحسب، خاصة خلال المناقشات وأوجه العمل الدبلوماسي النشطة إثر خطاب أوباما، مابين واشنطن وجدة وباريس. وجاءت عمليات التحالف سابقة لإنعقاد الدورة السنوية الجديدة للجمعية العامة للامم المتحدة، الأمر الذي يعدّ بمثابة رسالة توجهها واشنطن إلى المجتمع الدولي، كما إلى الداخل الأميركي، بأن الادارة الأميركية لا تزال قادرة على فعل القوة الذي تتهم إدارة أوباما أنها قد تخلّت عنه، أو انها لم تعد تمتلكه.
وقد استطاعت واشنطن جرّ عدد من الدول للحاق بالتحالف الدولي، مثل تركيا وفرنسا، التي أعلنت تحفظها أو تريثها في الانضمام إليه، إضافة لدول أخرى كان حضورها أشبه بالمشاركة العربية في حرب عاصفة الصحراء، والتاريخ يعيد واحدة من صوره هنا، في تحالفات الحروب في المنطقة.
لاشك في ضرورة وأهمية محاربة الإرهاب في المنطقة وفي سورية، حيث يتجلى في تنظيمي داعش والنصرة، اللذين أوغلا كثيراً في ممارسات الإرهاب قتلاً وتكفيراً وتهديداً لبنى المجتمع السوري، بما تبقى منه، وحققا إشغالاً عن جوهر الانتفاضة السورية، من أجل الحرية والكرامة. وإن لم يكن للسوريين من اختيار في استراتيجية مكافحة الإرهاب، فإن العمليات العسكرية وحدها في الحقيقة لن تجتثّ الإرهاب من جذوره، بل أن ذلك يقتضي معالجة أسبابه، وفي المثال السوري، فإن نظام الأسد هو من خلق بيئة ملائمة لنمو الجماعات المتطرفة، بين يديه وفي كنف مؤسساته الأمنية، ونتيجة لممارساته وسياساته القمعية والإستبدادية، والتزامه الحلّ العسكري/المني لمواجهة المطالب الوطنية السورية. بهذا التصور، سيبقى العمل العسكري لقوى التحالف، غير ذي فاعلية مباشرة في تقويض الجماعات الإرهابية التي أسست دولتها، وتبدو الثقة بقوى التحالف، غائبة عن الأمل بتخليص المنطقة من شرر الإرهاب الذي توثقت أواصره على الأرض بين قطبين جاذبين للقتل: الأسد والبغدادي.
القوى الدولية والاقليمية التي انتجت داعش واخواتها، وتغاضت عن تناميها، وسهلت حركتها وتمويلها، هي ذاتها اليوم تقوم بضرب مواقع داعش، ولن يكون لضرباتها أية نتائج مباشرة عل التنظيم الذي أخلى مسبقاً كل المقار العامة التي كان يحتلها. التحالف الذي وصل لمشارف عين العرب دون أن يكلف نفسه لم استهداف مجموعات داعش التي تهجر أهالي المنطقة من قراهم، وتفرض حصارا على كوباني / عين العرب. لم تكن داعش في عين العرب هدفاً ذي أولوية، وكذلك – بهذا المعنى – لم تكن حماية المدنيين، تشغل بال قوى التحالف.
ما نتج عن ضربات واشنطن حتى اليوم، هي تدمير البنى التحتية لمقار احتلتها داعش، اضافة الى تشتيت قواها الأساسية، وفي اعتقادي أن داعش كان لديها الوقت الكافي لاتخاذ اجراءات بديلة .لم يتجاوز قتلاها سوى بضع عشرات، لاتفوق أعداد الضحايا المدنيين. ولعل أحد أهم انجازات التحالف هي تصفية زعيم جماعة خراسان، محسن الفضلي، الذي أعلنت واشنطن عن أن جزءاً من استراتيجيتها في محاربة الأرهاب في سورية، يشتمل القضاء على الفضلي الذي تتهمه بالمشاركة في التخطيط لهجمات سبتمبر 2001. لكن السؤال المهم، لماذا لم تعلن واشنطن عنه وعن جماعته، طوال ثلاثة عشر عاماً، فيما كانت تترصد تحركاته، ودخوله في وقت مبكرالى سوريه، وبنائه لخلايا خراسان، قبل نشوء داعش؟
على المستوى الوطني، ثمة عدّة نقاط، أهمها أن نظام الأسد في استجدائه الإنضمام الى التحالف يؤكد مرّة جديدة قابليته للمضي بعيداً في التخلي عن كل المقدرات الوطنية، في سبيل إعادة تأهله والتعاطي معه غربياً. ولم يبق ما يمكن التحدث عنه فيما يتصل بالسيادة ،حين تتولى ايران وروسيا، مفاصل العمل السياسي والأمني والعسكري في سورية.
لقد أوجد التحالف الدولي، سبباً جديداً لتعميق وتجذير الأنقسام في المجتمع السوري، بين " مع و ضد " تضاف الى الإنقسامات التي أضحت اليوم جزءاً من السمات السورية، التي تحقق للفوضى الشاملة القائمة والمرتقبة، في كل الأحوال، بيئة ملائمة لازديادها، بصورة منظّمة. خاصة في ظل مؤشر هام، يتمثل في أن استراتيجية التحالف، توحي و كأنها تخدم نظام الأسد، فهو لم يتوقف عن استغلال الفرصة الممكنة لمزيد من توجيه الضربات الجوية، وارتكاب المجازر بمختلف صنوف الأسلحة بما فيها الكيمياوي، الذي يفترض أن المجتمع الدولي قد جرّده منها، وذلك منذ صدور قرار مجلس الامن 2170 والقاضي بمحاربة داعش، وقد صعد عملياته بمختلف المناطق خاصة في ريف دمشق ودرعا وحلب وادلب، منذ بدء عمليات التحالف الدولي قبل أيام. ويتم تجاهل كل تلك الممارسات والجرائم، دون ان تحظى حتى على الإدانة. والحقيقة أن مقتل مايزيد على مئتي الف سوري، وتشريد وتهجير أكثر من عشرة ملايين، لم يدفع بالمجتمع الدولي لإيقاف نظام الأسد عن مواصلة القتل.
لكن الأهم، هو تغييب قوى ومؤسسات المعارضة السورية، عن أي من مستويات التشاور والتنسيق وصنع القرار، في التحالف الدولي، يضاف الى ذلك ان التحالف الدولي لم يلحظ جاهزية المعارضة السورية، التي تم الإقرار على تدريبها بما يمكنها من مواصلة محاربة داعش والنصرة على الأرض، ومن ثم غياب الخطط الاستراتيجية البديلة المتصلة بملء الفراغ الممكن نشوئه، مع تحجيم داعش والنصرة، خلال السنوات الثلاث القادمة، وهي الفترة المفترضة للقضاء على داعش. من الطبيعي استبعاد المعارضة ، في ظل غياب مرجعية وطنية في " الثورة " السورية.
يبدو السباق الدولي اليوم على محاربة الإرهاب على الأرض السورية، يفتح شهية الشركاء الدولين، دون النظر إلى التجارب السابقة التي حضرت لها وقادتها الولايات المتحدة في تحالفات دولية مماثلة ولم تحقق نجاحات قاطعة، في تحقيق الأهداف والغايات في اجتثاث الإرهابن وانما نقلته من حالة إلى أخرى، ومن منطقة الى اخرى. مثال أفغانستان والعراق، مايزال حيّاً..وسيبقى المستنقع يعد بمزيد من التفسخ وتوليد التطرف طالما ان الآليات والوسائل تتخذ بعيداً عن معطيات الواقع وتطلعات الشعوب.
الضربات الجوية على مواقع داعش والنصرة ومثيلاتها الخامدات، ستعزز الفوضى، ومزيد من القتل وتآلف قوى الإرهاب، طالما أن أسباب نشوئه ماتزال قائمة، والحل الجوهري يكمن في إضعاف وتفتيت تحالف القتل السوري الإيراني الروسي في سوريا، وإرغام الأسد على تطبيق جنيف 1..والسوريون قادرون على طيّ صفحات داعش والنصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-