الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسحاب من غزة: بالطبع الفرحة ناقصة

هويدا طه

2005 / 8 / 19
القضية الفلسطينية


على مدى الأسبوع الماضي لم يكن هناك حدث تناولته الفضائيات العربية بحجم حدث الانسحاب الإسرائيلي من غزة، فالأحداث أو المادة الإعلامية التي تتناولها القنوات الفضائية بالتغطية الممتدة.. تكون عادة أحداثا كبيرة.. ترتبط بشكل مباشر بأكبر قطاع من مشاهديها، وبدء الانسحاب الإسرائيلي من غزة كان بلا شك حدثا كبيرا.. لكن (شيئا ما) في هذا الحدث.. انعكس على التناول الإعلامي لتفاصيله، فلم تمنح ساعات التغطية الطويلة للمشاهد العربي ما يمكن أن يكون.. فرحة (صافية)، وإنما تكاد تلمس في رد فعل المواطن العربي.. أينما كان وأيا كان حجم اهتمامه بالأمر.. فرحة تشوبها مشاعر أخرى.. يضعها التاريخ على متن السياسة لينقلها إلى الحاضر ويعبر بها حتى إلى المستقبل، مشاعر أخرى تثمرها في قلوبنا اليوم جذور التراكم التاريخي بالأمس البعيد والقريب، وإلا لماذا كانت تلك الفرحة (ناقصة) في تصريحات المسئولين المرتبطين بالحدث مباشرة.. أو المحللين المراقبين.. أو المواطنين العاديين.. الذين استطلعت آراؤهم في الشوارع العربية هنا وهناك وليس في غزة فقط؟ ومن أين جاء هذا الشعور بالخوف من الأيام القادمة.. وذلك الشعور بالعجز أمام أحداث لم نصنعها رغم تأثيرها العميق علينا؟! فعلى مدار يوم الخامس عشر من أغسطس- يوم بدء الانسحاب الإسرائيلي رسميا من غزة- كنت تلاحظ في التغطية الإعلامية- العربية- للحدث ما يمكنك أن تسميه (شيئا ما)، ذلك أن وسائل الإعلام- العربية- يمكنها أن تكذب وتنافق وربما حتى تلفق المشاعر.. إذا تعلق الأمر بأكاذيب حول (انجازات) الملك أو الأمير أو الرئيس العربي.. تماما مثلما يفعل التليفزيون المصري عندما يطنطن طوال الليل والنهار بحديث عن انجازات عهد مبارك.. بينما ينخر اليأس عظام وروح المواطن المصري.. فقراً وضياعاً وحرماناً ودهساً للكرامة، لكنها لا تستطيع- وإن أرادت- أن تقلب الهزيمة إلى نصر والعجز إلى قدرة والخوف إلى فرحة.. عندما يتعلق الأمر بحدثٍ.. ظلال التاريخ فيه أثقل كثيرا من محاولة محوها بكذب سافر أو فرحة مختلقة، فمهما كانت القناة التي تابعتها.. كنت تلاحظ في تغطيتها هذه (الثنائية) في الموقف من الحدث، فوقيا.. هناك رجال السلطة الفلسطينية الخائفون من كليهما معا.. إسرائيل والفلسطينيين الآخرين أصحاب نهج الكفاح المسلح.. وهناك رجال الفصائل- المسلحة وغير المسلحة- المتمسكون بمشروع مغاير لمشروع السلطة، وشعبيا.. هناك الفرحون بقرب حلول الغياب (المباشر) للكابوس الإسرائيلي.. وهناك الخائفون من البديل! وهي ثنائية موجودة على أرض الواقع.. بقوة أكبر من قدرة أو رغبة الإعلام في التغاضي عنها والتعرض فقط لوجه واحد منها.
انعكس الواقع إذن على التغطية الإعلامية.. واقع العرب العاجزين عن الفعل كما هم عاجزين عن الحلم.. وعاجزين عن الاختيار.. حتى أن الفرحة بانسحاب إسرائيلي لطالما تمناه العربي من أرضه.. جاءت فرحة ناقصة، رغم أنه انسحاب رأيناه حقيقة منقولة على الهواء مباشرة بالصوت والصورة، فالعاجز لا يملك أن يفرح وربما ليس من حقه أصلا أن يفرح بفعل غيره.. خاصة إذا كان هذا الغير هو عدوه، انسحبت إسرائيل انسحابا أسمته (وهي تسمية دقيقة) الانسحاب أحادي الجانب أو انسحاب فك الارتباط، ولأنه فعل إسرائيلي ليس هناك ضمان بألا تراجعه إسرائيل.. فتعاود من جديد احتلال غزة.. بعد أيام أو أشهر أو سنين، هذا الخوف الواقعي من حرية إسرائيل في الفعل.. مقابل عجز عربي عموما وفلسطيني خصوصا.. سيطر على الآراء التي استطلعتها قنوات الأخبار عند المسئولين والمحللين السياسيين.. والمواطنين العاديين الأكثر التصاقا بالكابوس الإسرائيلي على الأرض، لهذا لم يستطع أحد أن يسميه (تحريرا).. رغم أن رأيا آخر- وخاصة من حركة حماس- يقول إن الانسحاب ليس مِنة ً أو كرما من إسرائيل.. وإنما بسبب خسائرها على يد المقاومة الفلسطينية المسلحة خلال الانتفاضة الثانية، وهذا بالطبع تفسير صحيح وله أسانيده في التحليل (المباشر) للأمر، لكنه لن يمنع إسرائيل من التعامل مع قطاع غزة على أنه (تحت الطلب) في أي وقتٍ تشاء، خاصة أن بنداً في خطة شارون لفك الارتباط يقول بالنص:(سوف تستمر إسرائيل في مراقبة قطاع غزة من اليابسة، وستستمر في السيطرة الكاملة على أجوائه، وستستمر في عملياتها العسكرية في ساحله).. فما علاقة هذا إذن بما يعرفه البشر تاريخيا عن.. التحرير؟! جميع الأطراف تعرف ذلك.. ألا علاقة لهذا الانسحاب بما يعرف باسم التحرير، لهذا جاءت الفرحة ناقصة واقعيا.. ولهذا جاءت التغطية لحدث الانسحاب قاتمة إعلاميا.. رغم امتدادها لساعات. لكن الجانب الوحيد الذي يبدو مضيئا في انسحاب إسرائيل من غزة هو.. تفكيك وهدم المستوطنات، فالاستيطان هو الشيء الأبشع والأقبح في تجربة فلسطين مع الاحتلال الإسرائيلي عبر العقود الماضية، الاستيطان هو أقبح (عنف سكاني) تمارسه جماعات من البشر في أرض الآخرين بالقوة، وبه تندثر أمم وتموت هوية شعوب وتنمحي دول وحضارات، وهو شيء لا يعالج بمرور الزمن بل تكرسه السنون فلا يعود قابلا للمراجعة، هناك تجربتان تدللان على بشاعة مساندة الزمن لهذا النوع من العنف السكاني القبيح، في جنوب أفريقيا: يصبح الآن من الجنون أن تقول للبيض.. عودوا إلى هولندا التي جاء منها أجدادكم! وفي الولايات المتحدة: يصبح من العبث أن تبحث عن أراضي الهنود الحمر! النقطة الوحيدة المضيئة في هذا الانسحاب الإسرائيلي من غزة.. هو محو تلك المستوطنات من الأرض، لذلك فإنها وإن كانت ناقصة إلا إنها بالفعل.. فرحة، ما يجعلها فرحة هو تلك الإزالة للمستوطنات.. وما يجعلها فرحة ناقصة.. هو أن الانسحاب أحادي الجانب.. ليس تحريرا، التحرير له مسالك أخرى.. سيخوض فيها جيل من العرب يكون قادرا على الحلم والاختيار ومن ثم الفعل.. ليفرح بحق، وحتى يولد هذا الجيل.. ستظل فرحتنا.. ناقصة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله